المكيّفات خطر داهم و الكمّامة ضرورية يرى الدكتور عيساني محمد الطاهر المختص في تشخيص الأمراض و الخلايا و المكوّن في الطب البيئي، أن جائحة كورونا ليست سوى نتاجا لسلوكيات خاطئة ارتكبها الإنسان في التعامل مع بيئته، وقد جاءت لتذكر البشرية بضرورة العودة إلى مبادئ التنمية المستدامة والحد من الاحتباس الحراري، كما يحذّر عضو المجلس الوطني لأخلاقيات مهنة الطب، المواطنين من التهاون في تطبيق إجراءات الوقاية و الحجر المنزلي ويؤكد في حوار للنصر، أن استعمال المكيّفات الهوائية يزيد من خطر انتقال العدوى، داعيا إلى وضع الكمّامات كإجراء احترازي. حاورته: ياسمين بوالجدري يرى أطباء بأن الجزائر تقترب من بلوغ ذروة الإصابات بوباء كورونا، ما توقعاتك في هذا الخصوص؟ الذروة هي القمة الوبائية التي تسجل فيها أعلى النسب من حالات جديدة و من وفيات و من حالات حرجة استشفائية، و هي وضعية يحددها نشاط الوباء قبلا و بعدا بعد نكوص الوباء و انكماشه، إذن تحديد الذروة ليس إسقاطا على تطورات وبائية حصلت في العالم لأن كل بلد له خصائصه و مميزاته الجغرافية و الديموغرافية و المناعية و الوراثية ناهيك على مؤشرات أخرى نجهلها. حتى تطبيقات المحاكاة التي يعتمد عليها علماء الأوبئة يصعب عليها التنبؤ بالذروة في حالة الكوفيد 19 خاصة إذا لم تعتمد المؤشرات الموضوعية و المرتبطة بالتشخيص السريع و المبكر للحالات الحاملة للفيروس و المعدية. نحن نساير وضعية متميزة في تطور الوباء في بلدنا مع تزايد محتشم ظاهر للحالات المعدية و حالات الوفاة، ما يؤكد وجود منحنى تيار تصاعدي بين دول جنوب البحر الأبيض المتوسط و دول أوروبا. الحجر الصحي الجزئي الوطني و الكلي لولاية البليدة المبكر و النصائح العشرة التي أوردتها المنظمة العالمية للصحة، خاصة ما هو مرتبط بنظافة اليدين و وضع الكمامة الواقية و التباعد الاجتماعي، كلها تمثل الحصن المنيع الذي يقلص نشاط هذه الجائحة و قد يقضي عليها. لكن لوحظ مؤخرا نوع من التراخي وسط المواطنين بخصوص احترام الحجر الصحي، ما أثار كثيرا من المخاوف. ما تعليقك؟ هنا تبرز سلوكات الوعي الجمعي و المواطنة الحقة و الذكاء الاجتماعي، و السلوكات هي نتاج منظومات تربوية و أخلاقية و دينية و إعلامية و عائلية.. نعم هنالك لا مبالاة و جهل و استخفاف و عقلية (ما تقيسنيش) أو سلوكات التهور و التحدي الجاهل بل حتى لبس الخطاب الديني و القول بأن فيروس الكورونا جند الله جاء ليقضي على الكفار! تخصصك هو تشخيص الأمراض و الخلايا. كيف يمكن أن يساعد هذا التخصص في الكشف عن «كوفيد 19» و لماذا لا نسمع عنه كثيرا في الجزائر؟ تشريح الأمراض و الخلايا، تخصص يعتمد على العينات الخلوية و النسيجية في تحديد أشكال الاصابة الفيروسية، حيث يشخص حالات الاصابة بفيروسات عديدة كالفيروس الحبيبي و الفيروس المضخم للخلايا Cytomégalovirus (CMV) أو فيروسات التهاب الكبد أو حتى التأثير المرضي الخلوي الفيروسي في حالات الهاربس فيروس. التشخيص الحالي لفيروس كورونا هو بيولوجي جزيئي يعتمد أساسا على عزل بقايا الحمض النووي الريبوزي ARN الفيروسي بطريقة مباشرة من خلال عينات مخاطية تؤخذ من حلق المصاب و هي تقنية حساسة و لها سلبياتها كذلك. هنالك طريقة غير مباشرة تعتمد على تشخيص المضادات الجسمية التي يفرزها الجسم في تصديه للفيروس و هي تقنية بعدية تعتمد على تقنية إليزا . ELISA اهتمامي بالجائحة مرتبط بتكويني في الطب البيئي و تتبعي الظواهر البيئية المرتبطة بالطفرات الفيروسية التي تؤكد أن الطبيعة تنتقم من البشر حينما لا يحترمون قوانينها ويستهترون بمكنوناتها ويدمرون حواجزها ويستحلون محارمها. كورونا جائحة جاءت لتلزم العالم و كل البشرية بضرورة العودة إلى قيم و مبادئ التنمية المستدامة و التقليص من الاحتباس الحراري و التضامن بين كل البشر. هذه الجائحة عرت بشاعة الانسان في سلوكاته ضد الحياة و ضد الطبيعة. هل هذا يعني أن كورونا المستجد وغيره من الفيروسات الخطيرة هو نتاج سوء تعامل الإنسان مع بيئته؟ فيروسات إيبولا والسيدا ومتلازمة القصور التنفسي الحاد المعروف ب SRAS و فيروس متلازمة الشرق الأوسطSMERS ، كلها فيروسات حيوانية أصلا مسؤولة عن إصابات حيوانية معدية منها ما يمس القردة مثل (SIV) الذي كونت طفرته فيروس السيدا، أو القطط البرية و الإبل وحيوانات أخرى. هذه الأمراض انتقلت عن طريق الانسان من خلال حيوانات خازنة وسيطة، كالخفاش و الجمال، مما يفيد أن كسر الحدود الفاصلة و أعني بذلك السلسلة بين الحيوانات المتوحشة لأسباب معينة من سلوكات غذائية أو تدجين أو غزو عالم هذه الحيوانات، من شأنه أن يساعد على ظهور هذه الطفرات الفيروسية. أما قصص المؤامرة فهي طرح طبيعي و عادي و متزامن مع التنصل من المسؤولية الأخلاقية للبشرية اتجاه البيئة و حمايتها و المحافظة عليها. التشابه بين هذه الفيروسات في القواعد يعني شيئا واحدا، هو أن الطفرات تنهل من ذات التركيبة القاعدية . اكتشِفت مؤخرا أعراض جديدة للإصابة بكوفيد 19، منها فقدان حاستي الشم و التذوق و ظهور تورّمات في أصابع الأرجل. ما سببها؟ مئات الدراسات و آلاف المقالات العلمية ناهيك عن الدراسات المقارنة لكل البحوث، توصلت إلى أن أصل الاعراض المرضية للإصابة بفيروس الكورونا مرتبط بعاصفة السيتوكين "Orage de Cytokine» و هي مادة تفرزها الخلايا الالتهابية و المناعية بقوة لتنشط الالتهاب بطريقة متباينة في أعضاء الجسم و أجهزته الحيوية، بما فيها الرئتان، الجهاز العصبي، الكليتان و الجهاز الهضمي. و كوفيد 19 ظاهرة مرضية جديدة تتميز بشكل معدي فيروسي يحاكي فيروس الانفلونزا الموسمية مع شدة في الأعراض، ثم لوحة التهابية تظهر على شكل أعراض خارج الجهاز التنفسي وقد تتميز بأعراض التهاب عصبي (Polynévrite) على شكل آلام حسية أو حتى حالات نسيان و تيه و سكتة مخية و قصور كلوي و نزيف و تقرحات في الجهاز الهضمي . يلاحَظ تهاون وسط الشباب في ما يخص الوقاية من الجائحة و ما يزال البعض يعتقد أنهم بمنأى عن الخطر. ما رأيك في هذا الأمر دكتور؟ الوباء يمس كل شرائح المجتمع وبنسبة قليلة جدا الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10سنوات. شريحة الشباب عرضة لهذه الاصابة و هنالك وفيات و حالات حرجة وسطها، في مصالح الانعاش، فالإجهاد و التعب و القلق كلها عوامل تساعد على الفتك بهذه الشريحة وبإهمالها للوقاية، فإنها تشكل خطرا على نفسها وعلى عائلتها و على المجتمع. ما هي الأعراض التي تسمح للطبيب بتشخيص الإصابة بالفيروس دون الحاجة إلى إجراء تحاليل؟ تسجيل أعراض مرضية كالحمى المرتفعة إلى 40 درجة، مع وجود آلام عضلية قوية و حالات وهن زائدة و حالات سعال حادة متشنجة و جافة، مع وجود مظاهر عدوى سابقة للإصابة على مدى 48 ساعة إلى 14 يوما. تفاقم الوضع يستوجب الذهاب إلى المستشفى المخصص لذلك مع احترام قواعد الحماية بالسعال و العطاس على المرفق و وضع الكمامة . ينصح أطباء، كبار السن و المرضى المزمنين بالبقاء في المنزل و تفادي الاحتكاك بالأطفال لفترة معينة حتى لو تم إنهاء إجراءات الحجر الصحي، وذلك لمنع انتقال الفيروس إليهم. هل هناك فئات أخرى معنية بهذه الاحترازات؟ شريحة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة مع المرضى المزمنين من مرضى السكري و أمراض القلب و الشرايين و الأمراض الصدرية المزمنة الانسدادية و الربو، إلى جانب مرضى السرطان و المرضى الذين هم تحت التداوي بالمضادات الالتهابية القشرية و غير القشرية ناهيك عن حالات التعب و الإجهاد الكبير خاصة لدى الطاقم الطبي العامل في مصالح الانعاش، كل هؤلاء يمثلون ضحية سهلة لفيروس الكورونا. أشارت بعض الأبحاث إلى أن استخدام مكيّف الهواء يزيد من انتشار الفيروس. كيف يحدث ذلك؟ مكيف الهواء و كل ما يحرك الهواء خاصة بالأمكنة الملوثة، من شأنه تحريك الجزيئات النانوية الملوثة بالفيروس و التي تشكل خطرا داهما بفعل الرذاذ و البخار المعدي الذي ينقل العدوى إلى مسافة 8٫2 متر عند السعال و العطاس، مما يؤكد فعالية الكمامة و النظارات و عدم تحريك اليدين بلمس الوجه و منافذ الأنف و حك العينين. ما هي النصائح التي توجهها للمواطنين؟ الوعي و التجاوب الفعال من خلال النظافة و الالتزام بالتباعد الاجتماعي و التقليص من الخروج من البيت إلا لأسباب قاهرة، ثم الحذر و الحيطة بلبس الكمامة و تفادي الازدحام و المصافحة و احترام مسافة مترين بين الناس . ي.ب