أثرت الأزمة الصحية العالمية التي خلًفها فيروس « كوفيد 19» بشكل كبير على الشركات الجزائرية الناشطة في مجال التصنيع، والمختصة في الصناعة التحويلية، وهو ما انعكس سلبا على الحياة الاجتماعية للعمال، فالكثير منهم فقد وظيفته. ومعلوم أن المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي الذي يعتبر هيئة استشارية لرئيس الجمهورية يقوم بتشخيص الوضع بشكل دقيق على أمل وضع سياسة رشيدة لإنقاذ عدد معتبر من الشركات من الإفلاس، كما أن وزارة التجارة منحت مؤخرا تراخيصا للقيام بتجارة المقايضة بولايتي إيليزي وتمنراست مع دولتي مالي والنيجر، وذلك بهدف مساعدة الشركات لتسويق منتجاتها وزيادة أرباحها. اتصلنا بالمدير العام لشركة «النسيلة « الناشئة التي يقع مقرها في بلدية بني مراد بولاية البليدة، وهي شركة مختصة في صناعة مواد الحلويات مثل السمن والسكر الرطب، حيث اشتكى من ارتفاع أسعار المواد الأولية، وهو ما تسبب في إفلاس بعض المصانع، على حد قوله. ويقول حمزة قداح في هذا الصدد: «نحن نستورد مادة الشحم التي ارتفع سعرها بنسبة تقارب 80 ٪، وهناك أيضا مواد التغليف التي ارتفعت أيضا، وكذلك السكر الذي نستورده من مجمع سيفيتال»، وتابع :» نطالب من الدولة أن توفر الدعم للمادة الأولية فمثلا المصانع التي تنتج الأجبان تستورد بودرة الحليب، ونحن أيضا نستورد الشحم النباتي من أندونيسيا». ويؤدي ارتفاع أسعار المواد الأولية إلى عرقلة تسويق المنتوجات، بحسب هذا المستثمر الشاب، فالمستهلك، بحسبه، يخفض من استهلاكه حينما يرتفع سعر السلع وبدلا من أن يشتري مثلا علبتين كل أسبوع يصبح يشتري علبة واحدة فقط، على حد قول المتحدث. كان حمزة قداح يُعوّل على إطلاق منتوج جديد بمناسبة شهر رمضان المقبل، غير أن انخفاض النشاط الربحي وتراجع تسويق منتجاته جعله يتراجع، وأوضح بالقول « منطقيا لا يمكن لنا تصنيع منتوج جديد، ونحن نجد صعوبة في بيع المنتوجات التي بحوزتنا، وكي نطوّر نشاطنا ينبغي أولا أن نحقق أرباحا معتبرة». وتأثرت شركة «النسيلة» بشكل كبير حيث يقول مديرها العام: «مبيعات شركتنا نقصت بنسبة 70 ٪، منذ بداية الوباء، في شهر مارس 2020، وتطبيق الحجر الصحي، وخفضنا عدد العمال، بنسبة 50 ٪، ويمكن القول إننا نحن قاومنا بعض الشيء، لكن لو تذهب إلى الذين ينتجون حلويات الڤوفرات سيخبرونك كلهم بأنهم سيوقفون نشاطهم»، وأضاف قائلا: «هناك شركة اسمها أمازيغ مختصة في صناعة الأجبان بالجزائر العاصمة، كانت توظف تقريبا 180 عامل ثم أصبح عددهم 20 فقط، وقريبا ستوقف نشاطها بحسب معلوماتي». في سؤال حول الحلول التي يمكن للحكومة اللجوء إليها لإنقاذ هذه الشركات رد محدثنا: «على الدولة أن تدعم الشركات الناشئة سواء بوضع جداول لتسديد ديونها سواء أكانت ضرائب ( الرسم على النشاط المهني والضرائب البيئية ) و اشتراكات الضمان الاجتماعي «. أبرز بالقول :» لو تفتح لنا الحدود لإجراء تبادلات تجارية مع تونس والدول الإفريقية سينعكس ذلك بالإيجاب أيضا، فذلك يجلب العملة الصعبة للدولة فهي تستفيد بنسبة 70 ٪ من قيمة التبادل، فيما يحصل التاجر على 30 ٪ المتبقية، ويأخذ أمواله المتبقية بالدينار الجزائري»، واستحضر في هذا السياق ضرورة اعادة النظر في المواد المسموح بتصديرها بالقول: «هناك بعض العراقيل لا تسمح لنا بتسويق منتجاتنا فمثلا السكر المسحوق من المواد التي يمنع تصديرها». وختم محدثنا قوله: «بسبب ارتفاع المواد الأولية أصبحنا عاجزين على تصدير منتجاتنا إلى الخارج مقارنة بدول الجوار كتونس والمغرب، فمثلا مؤخرا تلقينا طلبات من دول أوروبية وكندا عن طريق وكلاء يعملون لدينا هناك، وكان من المفروض أن نُصدّر سلعا يصل وزنها 100 طن، لكن بعدما أرسلت إليهم الأسعار الجديدة تراجع هؤلاء الزبائن عن شرائها». صناعة العجائن لم تتأثر بالوباء وعلى النقيض لم تتأثر كثيرا صناعة العجائن التي يمكن تصنيف منتوجاتها من الضروريات وليست من الكماليات، وهي لا تقل أهمية عن الخضر والفواكه وبقية المواد الغذائية الأخرى الأساسية، ورغم ذلك عرف تسويق العجائن تذبذبا بسبب الوباء. يقول محمد بن قوجيل المدير التجاري لمجمع « sosemie «، الواقع مقره في بلدية بني مراد في ولاية البليدة: «في بداية الحجر الصحي (شهر مارس)، تم شراء العجائن كلها مع تخزينها بعد الإقبال الكبير عليها من قبل المستهلكين ونفذت في السوق، وبعد ذلك أصبحنا نواجه مشكلة في التسويق، لأن المواطنين اقتنوا حاجياتهم بشكل كافي، وبعدها مررنا بشهرين صعبين (يقصد أفريل وماي الماضيين)، وقمنا بتخفيض عدد العمال ونسبة الإنتاج». وأضاف بالقول:» في الحقيقة نحن في مجمعنا عانينا من الناحية النفسية بسبب الظروف الصحية الصعبة التي كانت تمر بها البليدة بعد انتشار الوباء بها، رغم أننا داخل الشركة وفرنا كل وسائل الوقاية، لقد كانت هناك تضحية والحمد لله تجاوزنا تلك الفترة الصعبة». تابع محدثنا: «قبل بداية سنة 2020 رغم أننا وضعنا توقعات بخصوص الإنتاج والعمل الذي سنقوم به، لكن لا أحد توقع ما حدث بعد ذلك، وهناك شيء مهم بالنسبة لنا بعد الأزمة الصّحية، وهي أننا سنعيد تنظيم أنفسنا ووضع استراتيجية جديدة لمقاومة آثار الوباء الذي كان له آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني». وبخصوص الحلول التي يراها مناسبة لإنعاش الشركات الاقتصادية التي تواجه الإفلاس رد محدثنا: «لابد من تسهيلات للمتعاملين الاقتصاديين.. لابد أيضا من تحفيز للشركات من خلال طرق معينة، مثل تخصيص الشركات التي عانت كثيرا بإعفاء ضريبي ... لابد من الجلوس على طاولة نقاش والإصغاء إلى كل الأطراف لمعرفة ما الذي يجب فعله».