تعود اليوم الذكرى العاشرة لانطلاق «حركة 20 فبراير»، التي قادت الاحتجاجات التي شهدها المغرب في عام 2011، لتجد الوضع في المملكة المغربية يزداد سوءا وتدهورا حيث عاد الاحتقان الاجتماعي ليفرض نفسه من جديد، وسط تحذيرات أطلقتها فعاليات سياسية وحقوقية من «إنفجارات اجتماعية أوسع». هكذا إذن، وفي الوقت الذي ينشغل فيه العرش» بفتوحاته « الافريقية، ويولي معظم اهتمامه بمدّ نفوذه في القارة السمراء، يعيش الشعب المغربي الشقيق وضعا اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا صعبا، وهو ما تترجمه الاحتجاجات التي ما فتئت تخمد في هذه المدينة حتى تنفجر في مدينة أخرى، ليصطدم الشعب الغاضب - للأسف الشديد - بقمع بوليسي غالبا ما ينتهي بمصابين ومعتقلين وأحكام قضائية جائرة ومبالغ فيها. وآخر هذه الاحتجاجات، شهدتها قبل أيام مدينة الفنيدق الواقعة شمال المملكة والتي تشكل حلقة في مسار الحراك الذي انطلق من الحسيمة قبل أربع سنوات وواصل طريقه متنقلا من منطقة إلى أخرى، حاملا مطالب اجتماعية، عاكسا من جهة حدّة الأزمة الإقتصادية التي يعيشها المغرب، ومن جهة أخرى، تنامي النقمة الشعبية نتيجة تراجع حقوق الإنسان وتوسّع سياسة القمع والعنف التي تمارسها السلطات لإخماد أي مظاهرة سلمية. لقد كان العنوان الأبرز للحركة الاحتجاجية التي اندلعت في مدينة الفنيدق، هو «أزمة اقتصادية خانقة وبطالة مستفحلة»، وجاء ذلك جراء قرار الحكومة المغربية في ديسمبر 2019 إغلاق بوابة سبتة بمبرر وقف التهريب، ومعلوم أن مئات المغاربة يلجأون مجبرين لا مخيّرين، في ظلّ غياب فرص العمل، إلى إدخال السلع الاسبانية من المدينتين « سبتة ومليلية « اللتين تخضعان لسلطة مدريد، وهي تشكل مصدر رزقهم الوحيد. قرار السلطات المغربية غلق منفذ سبتة دون توفير البديل، كان يعني تجويع سكان المدينة الذين ينتظرون، منذ عقود، إخراج مشروع منطقة الأنشطة الاقتصادية والتجارية بمحافظة المضيقالفنيدق إلى حيز الوجود، وقد كان السبب المباشر الذي فجّر الاحتجاجات الشعبية بالمدينة، وككلّ مرّة كانت المقاربة الأمنية جاهزة لمواجهة جموع الغاضبين، والزجّ بقادة الاحتجاجات في السجن، وهو سلوك دأب عليه النظام المغربي حيث سبق وقمع «حراك الريف» الذي اندلع، ليلة 28 أكتوبر 2016، بعد أن نظم شباب غاضبون وقفة احتجاجية، إثر وفاة بائع سمك محسن فكري سحقاً داخل شاحنة قمامة، بينما كان يحاول استعادة أسماكه التي تمت مصادرتها. ومنذ تلك الليلة، عمت الاحتجاجات مدينة الحسيمة ومناطق مجاورة لها، لتتحول من مطلب محاكمة المتسببين الحقيقيين في مصرع بائع السمك، إلى مطالب أكبر وأشمل، تتضمّن رفع التهميش والعسكرة الأمنية عن الحسيمة، وتنفيذ مشاريع تنموية في مجالات التعليم والصحة والتشغيل. وعرفت الاحتجاجات، لا سيما في مدينة الحسيمة، زخماً بشرياً لشهور عدة. وشهدت التظاهرات مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، انتهت باعتقال العشرات من الناشطين، أبرزهم ناصر الزفزافي، الذي صدر في حقه حكم بالسجن 20 عاما. وبالتزامن مع احتجاجات الريف، شهدت مدن أخرى (زاكورة، وتنغير، وخريبكة، وآسفي، وغيرها) حركات احتجاجية مرتبطة أساساً بقضايا التنمية ورفع التهميش وتوفير الخدمات الاجتماعية، كالتعليم والصحة والبنية التحتية الضرورية. وأضيف إلى تلك المدن المنتفضة، مطلع 2018 منطقة جرادة (شرق المغرب) التي شهدت، عقب وقوع ثلاث وفيات في مناجم للفحم الحجري، خروج تظاهرات سلمية، للتعبير عن استياء كبير في صفوف سكان المدينة، التي تُعاني من التهميش والبطالة وغياب مراكز الشغل. لكنها سرعان ما تحوّلت إلى احتجاجات واشتباكات مع قوات الأمن واعتقالات ومحاكمات. وبحسب الطيب مضماض، القيادي في «الجبهة المغربية الاجتماعية»، التي تضم 35 تنظيماً حقوقياً ونقابياً وسياسياً، فإن «الاحتجاجات في المغرب لم ولن تتوقف، ما دامت سياسات الإفقار والتهميش وتكميم الأفواه هي خيار الدولة، وما دام المواطن لا يساهم في رسم الاختيارات السياسية والاقتصادية والثقافية». وأشار إلى أن «الاحتجاجات التي عرفتها مدينة الفنيدق تأتي في سياق استمرار حالة الغليان الدائم في قطاعي التعليم والصحة، واحتجاجات العديد من سكان المناطق الجبلية والمهمشة». ورأى أنه «لم يعد من خيار أمام المواطنين إلا النضال والاحتجاج من أجل فرض تحسين أوضاعهم». ولفت، إلى أن «الاحتجاج قد يخفت لفترة لأسباب معينة، لكنه يعود دائماً، لأنه سلاح المواطنين في مواجهة الحرمان والفقر». تداعيات التعامل الأمني حذّر مرصد حقوقي مغربي سلطات بلاده من تبني المقاربة الأمنية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، مشددًا على أن ذلك «لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان. ودعا ل»إطلاق سراح جميع المعتقلين ووقف المتابعات وفتح باب الحوار مع المتظاهرين والاستماع إلى مطالبهم». كما نبه إلى «خطورة» الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالبلاد، في ظل «عجز وضبابية وغموض في طريقة تدبير السلطات لهذه الأوضاع». وسجل المصدر ذاته تأكيد الهيئة الحقوقية على حق «الشباب والفئات الاجتماعية المتضررة، مما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في التظاهر السلمي للتعبير عن مخاوفهم وآمالهم». دعوات للاحتجاج دعت تيارات سياسية ونقابية مغربية، إلى تنظيم وقفات احتجاجية في جميع مدن المملكة، بالتزامن مع الذكرى العاشرة للحراك الذي شهده المغرب في 2011 في سياق انتفاضات الربيع العربي. وقالت الجبهة الاجتماعية المغربية، أن هذا الاحتجاج يأتي «استحضارا للذكرى العاشرة لحركة 20 فبراير المجيدة ووفاء لشهدائها والشعارات التي رفعتها»، معتبرة ان الوضع الحقوقي والاجتماعي في البلاد عرف «تغوّل المخزن وهمجية الرأسمالية المتوحشة»، منبهة ان ذلك قد ترتب عنه «مآسي اجتماعية من اتساع دائرة الفقر والبطالة والهشاشة والهجوم على الحريات والمكتسبات والاستغلال المكثف للطبقة العاملة». وتحل ذكرى قيام حركة عشرين فبراير في ظل وضعية جائحة كورونا، والتي قامت بالأساس للدعوة إلى القطع مع الاستبداد والفساد، والتغيير السياسي لتعزيز مزيد من الاصلاحات الديمقراطية السياسية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد. ونبهت الى ان الشروط التي أدت إلى إطلاق الحركة لا تزال قائمة اليوم، غير مستبعدة ظهورها في الشارع مرّة أخرى، وذلك بسبب «انسداد الأفق أمام سبل الإصلاح»، بحسب البيان. وتضم «الجبهة الاجتماعية المغربية»، التي تأسست في نوفمبر 2019، أكثر من ثلاثين تنظيماً مدنيا وحقوقياً، ونقابياً، وسياسياً، وتهدف الدفاع عن الحقوق والحريات لأوسع شرائح الشعبية.