تحدث ضيف جريدة “الشعب” السيد كمال بوشامة في ندوتها المخلدة لخمسينية الاستقلال، بكثير من الواقعية عن مختلف المراحل التي مرت بها الجزائر، بعد استرجاع السيادة الوطنية من طرف الشعب الجزائري الذي هو الوطن والعنصر الفاعل في عملية التحرير الوطني، مثلما ألح عليه الوزير الأسبق. وكانت حقبة السبعينات من المحطات الأساسية التي ركز عليها المتدخل، لأنها شهدت أهم مراحل التنمية الإقتصادية ولا سيما الثورتان الزراعية والصناعية رغم بعض الاخفاقات التي مست بالأساس ما كان يصطلح عليه بالثورة الزراعية، بسبب عدة عوامل أهمها أن الوثيقة التي كانت في محتواها النظري جيدة، فقد كان من الصعب تطبيقها نتيجة لثقل الجهاز الإداري والبيروقراطية، مما دفع بالمسؤولين إلى التخلي عنها بعد سنوات قليلة من دخولها حيز التطبيق. وفي مقابل ذلك عارض المتدخل كل الأحكام المطلقة حول فشل الثورة الصناعية، معتبرا أن نجاحها تجسد بوضوح في بناء القواعد الأساسية التي كانت ضرورية لإقامة نظام اشتراكي، كان خيارا موضوعيا واستجابة لتطلعات الشعب الجزائري في العيش الكريم بعد سنوات طويلة من الاحتلال البغيض ومخلفاته الكارثية على جميع الأصعدة. طموحات كبيرة وحماس فياض، كانت أحد أبرز السمات التي طبعت البلاد شعبا وقيادة بعد التخلص من المستعمر الفرنسي، والثورة من وجهة نظر ضيف “الشعب” لم تنته في 1962، بل استمرت، كل في مكانه من العامل البسيط إلى القيادة العليا، وكان الشعار الذي سارت عليه الجزائر في كل الأزمنة وفي كل المراحل، يرتكز على أسس ومبادئ ثورة أول نوفمبر التي لم يتم التخلي عنها منذ أن تقرر إعادة بناء الدولة الجزائرية الديمقراطية الشعبية، خلافا لما قد يشاع هنا وهناك. وبنفس الواقعية التي سرد بها السيد كمال بوشامة مختلف المراحل التي مرت بها الجزائر منذ خمسين سنة مضت، تحدث عن الرهانات الحالية والمستقبلية والتحديات الكبيرة التي تنتظرها للعبور من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية التي لن تتحقق بين ليلة وضحاها مثلما يعتقد البعض، لكن ما يؤرق بال الكاتب والسفير والوزير الأسبق أن أخطاءا كبيرة ارتكبت على الصعيد الإقتصادي ولعل أبرزها ذلك الاعتماد شبه المطلق على الثروة الطبيعية في تمويل متطلبات التنمية الإقتصادية بمختلف فروعها، معرجا على أول نكسة عرفها الاقتصاد بسبب تراجع أسعار النفط في مرحلة الثمانينات وخاصة في سنة 1988 عندما كان في الحكومة آنذاك، ليؤكد على أنه على الصعيد الاجتماعي كانت الأوضاع أكثر استقرارا والتفاوتات لم تكن بنفس الحدة، الموجودة حاليا، معتبرا أن حوادث 5 أكتوبر كانت “مفبرمة” داخليا وخارجيا، ولكنها كانت بمثابة التحول نحو الممارسة السياسية التعددية التي تعني بالنسبة للسيد كمال بوشامة إخراج أحزاب سياسية كانت تعمل في الخفاء، إلى العلن، مما سمح لها بطرح أفكارها إثراءا للساحة السياسية التي ولدت المزيد من الأحزاب السياسية في حقبة التسعينات. مرور خمسون سنة عن استقلال الجزائر، هي فرصة حاسمة لتقييم المسار الطويل بكل ايجابياته وسلبياته بهدف بناء مستقبل أكثر إستقرار، مثلما كان يطمح إلى بلوغه كل الخيرين من أبناء الوطن الشهداء منهم والمناضلين وهي الرسالة التي وجب نقلها إلى الأجيال الحالية والمستقبلة.