في ليلة هاربة من الزمن عرف شاطئ كيتاني بباب الواد ألعابا نارية رائعة صنعت السحر الذي يرسخ الذكريات الحالمة في الذهن، أنوار وأضواء وألوان زينت سماء باب الواد ورسمت على وجوه الحاضرين ابتسامة عريضة جعلت الجميع يتمنى لو تدوم احتفالية خمسينية الاستقلال على طول السنة. حماية مدنية، شرطة، درك وطني الكل كانوا مجندا لحماية المواطنين الذين جاؤوا بأعداد كبيرة إلى كيتاني للاستمتاع بالألعاب النارية التي صنعت التميز والحدث في حي عريق ارتبط اسمه بالشهداء. ليلة صيفية أنست الجمهور حرارة الصيف ورحلت بهم إلى سنوات بعيدة كانت الفرحة، الأمن والاستقرار أهم ما يميز يوميات المواطن الجزائري، اقتربنا من بعض الحاضرين الذين أجابوا »الشعب« بصدر رحب وسعادة لم أعدتها كصحفية. ليلة صيفية خاصة جدا رضا 38 سنة وجدناه مع زوجته وابنه شكيب (سنتين)، واقفين بين الحشود ينتظرون انطلاق الألعاب سألناه عن ذلك: »أتيت رفقة عائلتي الصغيرة لمشاهدة الألعاب النارية التي أخرجتنا من الروتين اليومي وأنستنا حرارة الصيف التي تخرجنا في كثير من المرات إلى الشارع لوقت متأخر من الليل، أصدقكم القول لم أرد المجيء إلى هنا خاصة وان باب الواد تعرف حركة مرور خانقة تزيد من حرارة الصيف ولكن إصرار زوجتي هو من أحضرني إلى هنا والحمد لله أنني جئت لأرى هذه الألعاب التي صنعت الحدث الغير المألوف عندنا، حتى ابني ذو السنتين سعد بذلك حقيقة الفرح يزيد الإنسان حبا للحياة «. خديجة 67 سنة اقتربنا منها وهي جالسة وسط الأبناء والأحفاد حدثتنا بكل بساطة وقالت: »بحكم أنني أقطن بباب الواد، فأنا آتي إلى »كيتاني« تقريبا كل يوم بعد صلاة العشاء نستمتع بنسيم البحر البارد وبالهواء العليل الذي ينسينا الحرارة الشديدة داخل المنازل. اليوم أحضرت أبنائي وأحفادي وكناتي جئنا جميعا لنرى الألعاب النارية ونستمتع بألوانها المختلفة، أضواء أعادت إلى قلبي فرح ظننته لن يعود إلى قلبي خاصة بعد أن حرمني القدر من ابني في العشرية السوداء ولكني اليوم فخورة به لأنه وأمثاله من صنعوا احتفاليات هذه السنة فدمائهم التي سالت هي من كانت السبب في عودة الأمن والاستقرار إلى البلد. واليوم العالم كله شاهد على جزائر آمنة ومستقرة، على شعب أراد الحياة فكان له ذلك، هي أنوار يراها العالم كله حتى يسكت المشككين والمزايدين على الجزائر واستقرارها، أنا عجوز في الستينات عشت الاستقلال وأنا طفلة صغيرة حملتُ وإخوتي وأبي الأعلام وخرجنا إلى شوارع باب الواد لنحتفل. أتذكر أن والدي لم يكن يسمح لأخواتي بالخروج من البيت »الحجبة والرتب« ولكن عند الاستقلال خرجنا جميعا لنحتفل، مثلما هذه الذكريات تخالج فكري وعقلي ستكون هذه الألعاب النارية لأبنائي وأحفادي من أجمل الذكريات النادرة التي نصادفها في حياتنا اليومية خاصة بالنسبة للمواطن البسيط الذي لا تسمح له الظروف بالسفر أو التخييم«. فرحة لن تتكرر نسيم 18سنة، شاب في مقتبل العمر، وقف أمامنا والدهشة ترتسم بقوة على وجهه عندما بدأت الألعاب، في الحقيقة صنع وأصدقائه جوا جميلا اقتربنا منه وسألناه عما رآه فقال: » جئت من عين طاية إلى هنا على الساعة الثامنة حتى أتمكن وأصدقائي من الوقوف في المكان المناسب لرؤية الألعاب وبالفعل كنا في المقدمة، هذه الألعاب سحرتني وأبهرتني وجعلتني أشعر وكأنني أعيش لحظة خارقة للحياة اليومية، كانت بمثابة تهنئة وطنية لي على نجاحي بشهادة البكالوريا، سعدت كثيرا برؤية تلك الألوان والأنوار المختلفة التي ملئت قلبي فرحا وأملا في غد أفضل. هذه الألعاب النارية أعادت إلى قلبي فرحة والدي الوحيد من كان يزرعها في روحي، ولكنه ومنذ توفي انتقلنا إلى عين طاية لنعيش مع أخوالنا، فكان الانتقال إلى جانب رحيل والدي نكسة بالنسبة لي ولكن اليوم أشعر وكأنني لم أترك باب الواد أبدا خاصة وأن أصدقاء الطفولة جاؤوا ليستمتعوا معي بهذه المشاهد الساحرة. اليوم احتفالات الخمسينية أعادت إلي حماسة الحياة وجعلتني أفتخر أنني جزائري، لأننا دائما نقف بهمة عالية وقوة قد تكرر بعد انكسار لا يهزم أمثالنا، خمسينية استطاعت أن تصنع لنا يوميات صيفية خاصة جدا جدا.« أطفال مبتهجون وسيم 7 سنوات، طفل، وجدناه رفقة بعض الأطفال يضحكون ويستمتعون بوقتهم، اقتربنا منهم وسألناهم عن الألعاب: »آتي بصفة دائمة مع أبناء حيي لنستمتع بوقتنا في كيتاني وبحكم أننا نسكن في العمارة المواجهة له نأتي بمفردنا لأننا أصلا أبناء الحي ولا خوف علينا«. الألعاب النارية صنعت الحدث اليوم وكأنها مفرقعات ضخمة تتفجر في السماء، أشعرتني بالخوف في البداية، ولكن الألوان والأشكال الجميلة التي رأيناها مرسومة فوق رؤوسنا. ظننت في البداية أنها ستسقط على رأسي ولكنها تختفي في سحر بديع وكأنها لم تكن، أتمنى أن يعيد المسؤولين برمجتها حتى نستمتع بها أكثر وحتى تخرجنا من الروتين اليومي الذي ألزمنا بالبقاء في البيت في عطلتنا الصيفية. سمير 35 سنة، جاء من الحمامات مع زوجته لرؤية الألعاب النارية اقتربنا منه فكان تعليقه كالتالي: »لو لا أحد الأصدقاء لما علمت بوجود هذه الألعاب في كيتاني، في البداية ترددت في المجيء خاصة وأن زوجتي ألحت علي فقررت أن أحضرها على شرط أن يكون المكان آمن، وبالفعل وجود قوات الأمن والدرك والحماية المدنية شجعني على البقاء خاصة وأن عدد المواطنين كان كبيرا إلى درجة أن السيارات وقفت في الطريق لعدم وجود مكان لركن السيارات. الألعاب النارية صنعت الحدث هذه الليلة في باب الواد وجعلت الجميع يستمتعون بليلة صيفية مميزة جدا تخرج بكل صورها عن المألوف، ألوان وأشكال أسعدتنا كثيرا ورسخت في أذهاننا خمسينية الاستقلال التي جاءت في أجواء وطنية وعالمية خاصة. ألعاب تمنيت في بداية سنة 2012 حضورها عندما رأيتها في إحدى القنوات العربية، واليوم وفي »كيتاني« حقق لي الرئيس بوتفليقة بدون أن يعلم أمنية مواطن بسيط لا يعرف من الحياة إلا العمل والبيت، أمنية لم أدري أنها ستتحقق بسرعة أذهلتني وأفرحتني في نفس الوقت. ألعاب نارية جاءت بردا وسلاما أعطتنا ثقة أن الأمن مستدب ولا يستطيع أحد التشكيك في ذلك ومنحتنا صيفا خاصا ظننت وآخرين أنه عادي وبدون تغيير يذكر، ولكن كانت الخمسينية فرحا واحتفالا في كل أرجاء الوطن، أقولها بصدق شكرا لكل من ساهم في صنع هذه الفرحة من المواطنين الذين حضروا إلى رجل الأمن، إلى رجل الدرك الوطني، إلى رجل الحماية المدنية، إلى من وقعوا على قرار الاحتفال، لأنهم كلهم وقعوا في حياتنا لحظة خاصة لا نعيشها في الحياة مرتين«. شكرا.. لمن جعل ليلتنا مميزة هذه آراء البعض القليل ممن حضروا الألعاب النارية بكيتاني باب الواد بالعاصمة والملاحظ أن توفير الأمن والوقوف على السلامة شجع المواطنين على حضور هذه الألعاب، وفي صورة جميلة وقف فيها الجزائريين جنبا إلى جنب يحتفلون بخمسينية الاستقلال رجالا ونساء، كبارا وصغارا، شبابا وأطفالا بدون خوف أو ريبة الكل وقف ينظر إلى الألعاب بفرح غامر أخرج كل واحد منهم إلى عالم خاص هارب من صفحات يوميات تشبعت بالروتين والملل. ولا يجب أن ننسى كل الساهرين على سلامة المواطنين، لأنها ألعاب خطيرة إن لم تؤخذ الاحتياطات اللازمة، قد أحيط كيتاني بحزام أمن، حددته الحماية المدنية ووضعت سياج يمنع المواطنين من تجاوز منطقة السلامة التي سمحت بمرور الألعاب النارية بدون أي حادث يذكر، بل كانت الهتافات والزغاريد لحنا آخر زين هذه الليلة المميزة في كيتاني المكان الذي يصنع دائما الاستثناء في الليالي الصيفية لأبناء باب الواد والأحياء المجاورة بالعاصمة. وأخيرا.... ربما قد ينتقد البعض ويقول أن المال العام يبدد في ما لا ينفع ولكن تلك اللحظات الساحرة آن للجزائري أن يعيشها فحتى المثل الشعبي عندنا يقول »شوية للرويحة وشوية للشحيحة« خاصة وأن الاحتفال يدخل في إطار خمسين سنة من الاستقلال الذي وقعه مليون ونصف مليون من الشهداء الأحرار إلى جانب أولائك الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل بقاء الجزائر حرة مستقلة. هي لحظات ترسخت في ذاكرة جيل الخمسينية الذي وعى من دروس التاريخ التي يتلقاها في مختلف الأطوار التعليمية أن الجزائر غنية وقوية بشعبها الذي صنع تاريخه بيده ولمدة مائة واثني وثلاثون سنة أثبت أنه وحدة لا يزعزعها استعمار أو احتلال، ذاكرة من صفحات الإنسانية لم تستطع فرنسا ولا غيرها من قبل محوها أو وضعها على هامش التاريخ، أبدع في مرحلة البناء والتشييد التي أقامت دولة جزائرية فخورة بأبناءها لأنه صمام الأمان الذي يحفظها من كل شر. هذه الألعاب النارية التي زينت سماء كيتاني منحتني الفرصة لتذوق بعضا مما عاشه آباؤنا وأجدادنا في 1962 رايات رفرفت وهتافات تعالت وزغاريد صدحت بها حناجر »الحراير»، ربما يكون تشبيه غير صحيح ولكننا أبناء الجزائر المستقلة نبحث في يومياتنا عما يقربنا من الجزائر عشية الاستقلال. كما نبحث أيضا في أيامنا عما يقربنا من ذكريات يفخر بها آباؤنا وأجدادنا لأنهم صانعوها وكاتبوها على صفحات التاريخ، ربما يجدها البغض بسيطة ولا تحتاج إلى كل هذا الاهتمام ولكنها ألعاب أدخلت البهجة على قلوب كثيرين وجعلتهم يبتهجون بحلول الخمسينية التي توقعها البعض من المحللين الغربيين أنها ستمر في أوضاع غير مستقرة ولكن العكس حدث. أعجبني منظر عجوز تتكئ على عصا تشدها فتاة من يدها متوجهة نحو »كيتاني« لحضور الألعاب النارية تمشي بصعوبة ولكنها رغم ذلك خرجت حتى تحتفل بعيد الاستقلال، وربما تكون ممن صنع هذا التاريخ المهم في مسيرة الدولة الجزائرية.