يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، علي ربيج، أنّ الحديث عن نزاهة تشريعيات 12 جوان المقبل، مرهون بالمرحلة الجديدة التي تعرفها الجزائر، والمبنيّة على آليات الممارسة الدّيمقراطية الحديثة، معتقدا أنّ إبعاد «المحاصصة» عن العملية ككل «هي أحد أسباب رفض المقاطعين لهذه التّشريعيات، إلى جانب أسباب أخرى، سنكتشفها خلال هذا الحوار. - الشعب ويكاند: تحدّث الرئيس تبون في لقائه الإعلامي عن نزاهة الانتخابات التشريعية، وأنّها ستكون على رأس أولوياته، كيف ترى هذا في ظل الظّروف المحيطة بهذا الاستحقاق؟ الأستاذ علي ربيج: الرّئيس وعد بانتخابات شفّافة ونزيهة، وهو مطلب الطبقة السياسية أيضا والمجتمع المدني وكل المنظّمات والنّاشطين السياسيين، كما أنّه مطلب شعبي، وواحد من أوجه الانتقال أو التّوجه إلى مرحلة جديدة، لأنّنا شهدنا في آخر تشريعيات التزوير، شابتها ممارسات مشبوهة من تدخّل الإدارة، الكلّ عانى من تلك الممارسات. لهذا وبعد خروج الحراك الشّعبي إلى الشارع وبداية التأسيس لمرحلة جديدة مبنية على آليات الممارسة الديمقراطية، من حريّة التّعبير، حريّة التّرشح، حرية الوصول إلى مؤسّسات سياسية عن طريق العملية الانتخابية، كلّها لا تتم إلا عبر أجواء وظروف تسمح بأن يكون هنالك التّدافع السّياسي، وفق قواعد المساواة بين كل المترشّحين، وأن نضمن استعادة دوائر الإدارة، أو أيّ نوع من أنواع التّزوير، وهذا مؤشر سيكون إيجابيا، خاصّة وأننا نشهد هذا الإقبال القويّ من طرف فئات الشباب للتّرشح عبر قوائم حرّة وعبر قوائم حزبية. ويبدو أنّ نجاح السّلطة المستقلة للانتخابات، في مصارحة ومكاشفة الشّعب، في كشف النسب الحقيقية للمشاركة خلال آخر استحقاقات، دون أن تتدخّل في تزويرها، ضف إلى ذلك الأجواء التي عشناها خلال الرئاسيات الماضية، عندما طرحنا السؤال لأول مرة من سيكون رئيس الجزائر؟ فكل هذه الأجواء دفعت بالعديد ممّن يؤمنون بأنّ الحراك الشعبي هو الحل، إلى التسليم بأنّ الحراك السياسي عن طريق المشاركة السياسية، طريق الدخول في المؤسسات السياسية سواء البلدية، أو الولائية أو المجلس الشعبي الوطني، هو الحراك الحقيقي الذي يمكن أن نحقّق من خلاله كلّ الشّعارات التي رُفعت في حراك الشّارع، وأنّنا نمضي إلى الحكم الرّاشد، إلى محاربة الفساد، إلى المساءلة، إلى توظيف الصّلاحيات التي أُعطيت للبرلمان، أين يُمكن للأحزاب السياسية إذا تحالفت، فيما بينها، بأن تُكون حكومة ذات أغلبية برلمانية تقوم بوضع الإصلاحات التي تنادي بها، لكن هذه الظروف بوجود إرادة أو قرار سياسي من طرف رئيس الجمهورية، بقدر ما هي تجنّد ووعي ومسؤولية الجميع، لكن إذا زُوّرت الاستمارات، فهذا نوع من التّزوير، إذا لم تُحترم قواعد الحملة الانتخابية، هذا نوع من أنواع التّزوير، إذا المواطن الجزائري لا يشارك ويبقى يؤدّي دورا هامشيا، فهذا نوع من التّزوير، العزوف عن المشاركة هو أيضا نوع من المجازفة واللعب بمستقبل البلد، لهذا أتوقّع إذا كانت الانتخابات المقبلة شفّافة، فهي تخدم السلطة وتعطيها نوعا من الشّرعية، وتُعيد الثقة بينها وبين المواطن، ويرجع المواطن الثّقة في مؤسساته ومسؤوليه. فالرئيس وعد بأن تكون انتخابات شفّافة، لذلك نحن في إطار إعادة ترميم البيت الداخلي على المستوى السياسي والسّلطة، على مستوى الخطاب السياسي والأحزاب السياسية، على مستوى النخب، إذا لاحظنا العودة القوية للنخب التي تتسارع لتترشّح، حيث كان الأمر من قبل حلما بأن تنخرط النخب في أي موعد سياسي تقدمه السلطة، وها هي اليوم في بداية عودتها، لكن الأمر مشروط بأن تضمن السّلطة المستقلة أجواء الشّفافية والديمقراطية، أن تُعطى الصّلاحيات لها، وبأن تُمارس كلّ مهامها، وأن لا تتدخّل الإدارة، أن لا يتدخل الولاة في عمل سلطة. إذا وفي خضم كل هذه الأجواء، وهذا التراكم من الأعمال الايجابية، أتوقّع أن تكون الانتخابات المحلية والولائية المقبلة أكثر نجاحا، ومن ثمّ نعيد القطار إلى السّكة، ونمضي خطوة خطوة نحو فتح الورشات الكبرى، مثل قانون الإعلام، قانون البلدية وقانون الولاية، قانون المحروقات وقوانين كثيرة. - على ذكر السّلطة المستقلّة للإنتخابات، ما مدى تأثير دسترها في نزاهة وشفافية الانتخابات؟ لأول مرة تُدستر السلطة، حيث كنا نشهد سيطرة الإدارة على الانتخابات الماضية، اليوم تمّ إبعاد الإدارة وإعطاؤها لكيان مستقل، هذا الكيان مطلوب منه أن ينجح في الامتحان، لأنه رهان متعلق بإعادة الثقة في مؤسسات الدولة، علما أنّ السلطة مؤسّسة دستورية، إذا نجحت ستنجح مؤسّسة الرئاسة، وتنجح مؤسسات الأحزاب السياسية، ويصبح لهم وزنا وثقلا وقدرة على التّعبئة، وعلى التّجنيد لتصبح السّلطة أمام معارضة محترمة لا تشكّك في نزاهة العملية الانتخابية، وتدفع نحو المشاركة في كل مرّة، لكن أن تكون هنالك سلوكيات وتصريحات ومواقف عدمية وتيئيس وسوداوية، مثل الترويج على أنّ السلطة تقوم بمسرحية، والشّعب مقاطع، والتشكيك في منصب الرئيس، علما أنه منتخب من قبل 10 ملايين جزائري، فما هو البديل لديهم، ونحن نسير نحو استحقاقات تشريعية قاطعتها أحزاب سياسية، لنطرح السؤال لماذا؟ وهم يبررون ذلك بغياب ظروف إجراء الانتخابات الحالية. ^ هل إبعاد الكوطة عن العملية الإنتخابية جعل أحزاب المعارضة تقاطع؟ ^^ بدوري أطرح سؤالا، هل الأجواء والظّروف التنظيمية التي تجري فيها التّشريعيات المقبلة هي أفضل، أم انتخابات 2017 أفضل، حيث كانت المعارضة تتحدّث عن التزوير، لكن كنا نراها تقتحم البرلمان وتشارك في العملية ككل، حيث لم يكن هناك تنظيم مُحكم، وكان تدخّل سافر من قبل الإدارة، وكانت الكوطة، ومع هذا فتلك الأحزاب التي دعت إلى المقاطعة شاركت في الانتخابات ودخلت البرلمان، واليوم ولما تغيرت الظروف إلى الأحسن، أضحت هذه الأحزاب ترفع شعار المقاطعة، لماذا؟ لأنّ حظوظها في الصّندوق منعدمة. وتختبئ وراء المقاطعة، خاصة مع قانون الانتخابات الجديد الذي منع نواب العهدتين من المشاركة، وهو ما يفسّر أنّ إطارات هذه الأحزاب كلّها سكنت المجلس لأكثر من عهدتين، وهذا لانعدام فرصة ترشّحهم، حيث اختبئوا وراء فكرة المقاطعة، أو لأن السلطة أعطتهم ضمانات في السابق، حيث كانت تمنحهم نسبة معينة من المقاعد في المجالس، فعندما غابت الضّمانات والجهات وفقدوا الأمل بالدخول إلى المجالس عن طريق قواعد لعبة أفضل وأحسن، مقارنة بما مضى لهذا تحوّلوا الى مقاطعين. - وهل يساوي إبعاد المُحاصصة في الحظوظ بين كلّ المترشّحين؟ ضروري، فمثل هذه الأمور كانت تمارس، حيث كانت القوائم الحرة وأحزاب صغير لها كفاءات تذهب ضحيّتها، باسم المحاصصة والتوازنات التي كانت تحدث داخل المجالس المنتخبة على حساب الكفاءات الشباب والأحزاب، لكن في الأخير تذهب مقاعدهم وفق تفاهمات سياسية، ومحاصصة، حيث ظُلمت هذه الأحزاب والقوائم الحرّة. - كيف تتوقّعون المشهد المقبل في البرلمان؟ أتوقّع أن يكون هناك صعود قوي للقوائم الحرّة، في المقابل ستبقى السيطرة موزعة بين الأحزاب الكلاسيكية التّقليدية، مثل «الأرندي»، «الأفالان»، «حمس»، جبهة المستقبل، وحركة البناء ستستمرّ، وأعتقد أنّ الحكومة القادمة سيتم تشكيلها من خلال هذا التحالف بين الأحزاب التي لا تصل إلى درجة السّيطرة، وذات أغلبية وستتشكّل الحكومة القادمة بتحالفات بين الأحزاب السياسية التي ستكون لها كلمة في المشهد السياسي المرتقب.