يشتكي سكان وعشاق مدينة سكيكدة، من التدهور المستمر الذي تعرفه مدينتهم التي تعانق البحر في سكون تام، واقتنعوا بأن العديد من المدن الجزائرية التي كانت قبل عقود قليلة أقل جمالا منها تجاوزتها الآن في العديد من المجالات.. ففي الوقت الذي تطورت فيه مدن، لم تعرف مدينة سكيكدة نفس التطور إذا لم نقل أنها تتدهور من يوم لأخر، ولعل موقعها الجغرافي باعتبارها لا تقع بين مجموعة مدن وإنما معزولة في الساحل بحيث لا تشكل منطقة عبور إلى أية منطقة أخرى، كان سببا في ذلك.. كما يعزو السكيكديون تخلف مدينتهم وتدهور المحيط المعيشي فيها إلى عدم جدية المسؤولين الذين تعاقبوا عليها، يضاف إلى ذلك عدم وجود نواة صلبة من الأعيان الذين يدافعون عنها ويطورونها بسبب حداثة المدينة وعدم تمتعها بتاريخ قديم من شأنه أن يخلق فيها ترابطا اجتماعيا وتقاليد مشتركة تجعل من سكانها يشعرون بأنهم عائلة واحدة وعليهم أن يعملوا معا للدفاع عنها وإعلاء شأنها بين المدن.. مدينة على وشك الانهيار ويذكر العارفون بالمجتمع السكيكدي أن أهل المنطقة اعتقدوا في يوم من الأيام، وخاصة في السبعينات، أنهم متطورون بالنظر لمدن أخرى مجاورة، وأن مدينتهم من أجمل المدن نظرا لبناء العمران على الطريقة الأوروبية وكان بها مجتمع يعتبر نفسه متحضرا، فبقوا رهينة هذا الاعتقاد الخاطئ، في الوقت الذي عملت فيه المدن الأخرى على البناء والتطوير مما أدى إلى تسجيل تطور في الثقافة والعقليات، ليستفيق أهل سكيكدة على فاجعة أن مدينتهم من أوسخ المدن وأنها متخلفة عمرانيا وتجاريا وثقافيا ورياضيا، إلى درجة أن أغلبية أبنائها الذين يغادرونها للعمل أو غيره يقررون عدم العودة إليها، وهذه حقائق يعترفون بها. فمدينة سكيكدة اليوم خاصة المدينة القديمة التي كان يتباهى بها أهلها، هي على وشك الانهيار بسبب قدم المباني وانعدام الصيانة، وقد أكد لنا خبراء في مجال العقار بالمدينة خطورة الوضعية ووصولها إلى نقطة اللارجوع، مما يتعين حسبهم تهديم كل المدينة القديمة وتشييد مدينة جديدة مكانها، وهي تحتل موقعا استراتيجيا من خلال قربها من الميناء والشواطئ. من جهة أخرى، يمكن تسمية مدينة سكيكدة ب »مدينة الأكواخ«، حيث تنتشر في محيطها عدة أحياء فوضوية وقصديرية، وهو ما يؤكد أزمة السكن الخانقة التي تعرفها المدينة والولاية ككل بسبب قلة المشاريع وضعف مؤسسات الانجاز، يضاف إليها ندرة برامج الترقية العقارية، ولا ننسى انتشار البعوض بها بسبب قلة النظافة، فالمدينة من أوسخ مدن البلاد باعتراف سكانها بسبب قدم أحيائها وضيق شوارعها، وقد انعكس ذلك على انتشار كبير لحشرة البعوض التي يسميها السكيكديون (الوشواشة) خاصة في الأحياء الواقعة جنوبالمدينة في مواقع منخفضة كأحياء مرج الديب و20 أوت وصالح بوالكروة والممرات.. وهي أحياء يمر بجانبها وادى يسمى وادى الزرامنة، الذي كثيرا ما تسبب في فيضانات حيث تتسرب مياه الأمطار عند فيضانه إلى البيوت كما حدث سنوات 1984 وتسبب آنذاك في خسائر بشرية كبيرة عندما غمرت المياه البيوت وغطتها تماما، وكما حصل في 2004 وفي العام الماضي. من يتكفل بمشاكل السكان؟ ويشتكي السكان من إهمال السلطات المحلية للوادي خاصة هذا الموسم حيث لم تقم بتنظيفه كما يحدث كل صيف من كل ما يعيق حركة المياه، بالإضافة إلى الروائح الكريهة المنبعثة منه باعتباره مصبا للمياه القذرة التي لم تعمل السلطات على تخليصهم منها بإنجاز قنوات صرف المياه القذرة عوض مرورها غير مغطاة في ممر خاص، وعندما تختلط بمياه الأمطار يصبح كل الوادي ملوثا، وهو العامل الذي جعل من حي 20 أوت ومرج الديب اللذين يمر بهما الوادي معسكرا حقيقيا للبعوض الذي ينغص حياة السكان. والكل يتذكر المأساة التي وقعت في رمضان الماضي، عندما سقط صبي في الثالثة من العمر قبل دقائق من وقت الإفطار في إحدى البالوعات بحي مرج الديب ، مما تسبب في اندلاع احتجاجات ، فوجود بالوعات غير مغطاة في شوارع المدينة أصبح أمر جد عادي، فالتهيئة وإصلاح ما فسد من طرقات أو أرصفة أو تسرب للمياه آخر الاهتمامات لدى السلطات المحلية، ويبدو أن المير المنتخب للعهدة الحالية والذي غرق إلى اليوم في قضايا تتعلق بتسيير البلدية كان سببا في ما يشبه استقالة المسؤولين عن أية مبادرات لتحسين وجه المدينة التي تسير بسرعة نحو التدهور. ولا ننسى درجة التلوث الشديدة التي تعرفها بسبب المركبات البترولية المنجزة قربها، والرطوبة الكبيرة التي تسجل بها، مما يصعب حياة المرضى بالربو ومختلف الأمراض التنفسية، الأمر الذي دفع بالكثير من السكان لمغادرتها باتجاه مدن أقل رطوبة، وفي هذا الصدد يتعين قول كلمة عن القطاع الصحي العمومي الذي تعرف خدماته تدهورا شديدا وبيروقراطية خانقة تشترك فيها معه أغلب الإدارات، فالبيروقراطية منتشرة بشكل رهيب وتلاحظ أساسا من جمود الموظفين وعدم سلاستهم في التعامل مع المواطنين، وتعقيد أغلب المعاملات، ويعتقد الكثيرون أن العقلية الإدارية السلبية السائدة تعتبر من الأسباب التي أدت إلى تخلف المدينة. وفي هذا الصيف شهدت أحياء كثيرة من المدينة انقطاعات متكررة في الكهرباء صباحا ومساءً، مما يهدد بإتلاف الأجهزة الكهربائية إذا لم تتم المبادرة إلى قطع الكهرباء عن هذه الأجهزة. غلاء في مختلف السلع والخدمات كما تعرف المدينة غلاء فاحشا في مختلف السلع والخدمات بسبب عزلتها وعدم وجود نشاط تجاري مكثف وتنافسي بها، فعلى سبيل المثال فإن إرسال ورقة عبر الفاكس يتم ب 50 دج، ويمكن ملاحظة ارتفاع الأسعار طوال السنة، وخاصة في فصل الصيف حيث يكثر الإقبال على المدينة للاصطياف، وتنتشر التجارة الفوضوية وسط المدينة القديمة بسبب بائعي الملابس والهواتف النقالة بشكل غريب يؤدي إلى تعطيل حركة مرور السيارات في أزقة المدينة القديمة الآيلة أصلا للإنهيار، وكذا في الحي الشعبي المعروف باسم »لاسيا« وهو معقل الجريمة في المدينة، ويباع فيه الخبز مساء ب 20 دج بشكل عادي وفي ظروف غير صحية تماما. وفي سكيكدة يمكنك ملاحظة الانتشار الواسع لمحلات الأكل الخفيف خاصة »البيزا« التي دخلت الثقافة السكيكدية من الباب الواسع، وغيرت أسلوب حياتهم، فالمحلات المختصة بذلك تعرف إقبالا مستمرا ودون انقطاع تقريبا من الصباح الباكر إلى المساء، وأصبحت »البيزا« وما شابهها فطور الصباح عند الكثيرين، وفي نفس الوقت تنتشر صناعة المرطبات التي يجيدها تحضيرها السكيكديون على النمط العاصمي تقريبا وبأسعار معقولة مقارنة بمدن أخرى، وهذه مفارقة في سكيكدة المعروفة بغلاء الأسعار بها. ومن أوجه العشوائية في المشاريع الحديثة للمدينة استفادتها منذ 3 سنوات من مصعد هوائي (تيليفيريك) بمحطتين إلى حيي بوعباز وبويعلى انطلاقا من محطة نقل المسافرين، غير أن المشروع فشل بسبب عدم الاقبال عليه من طرف المواطنين بسبب أن المحطتين لا تعرفان حركة كثيفة، خاصة حي بويعلى المكون في غالبه من تجزئات أي بعدد سكان قليل ومعظمهم يملكون وسائل نقل. فضائح ومشاريع »مهزلة«.. كما لا تخلو المدينة من الفضائح ولعل إحداها بناء عمارة في إطار الترقية العقارية داخل الملعب البلدي 20 أوت الواقع وسط المدينة بطريقة مشبوهة، ويبدو أن تدخل المعنيين أوقف المشروع »المهزلة«، وحال دون استكماله وتوزيع سكناته على المحظوظين في مدينة تعاني من أزمة العقار شديدة بسبب طابعها الجغرافي. وإذا كنا قد تطرقنا باختصار لبعض الظواهر السلبية بالمدينة فإن زرقة البحر وواجهتها البحرية المتاخمة للمدينة غطت نسبيا على مثل هذه الظواهر، فهي مكان للاصطياف والراحة والتجول والتأمل في مياهها الزرقاء طوال السنة، وهي ملجأ سكان سكيكدة الذين يستقبلون ضيوفهم بجولة بالسيارة على طول الواجهة البحرية الممتدة على مسافة 3 كيلومترات من المدينة إلى قرية سطورة التاريخية، ويتأسف المرء لعدم استغلال هذا الموقع السياحي على الوجه الأمثل، حيث مازالت شواطئها تعاني من قلة النظافة والاهتمام اللازم، مما ينفر المصطافين الذين يتوجهون إلى شواطئ العربي بن مهيدي المعروفة بجان دارك، وتشتكي المدينة من قلة المرافق السياحية حيث تتوفر على فندق واحد من 3 نجوم بوسط المدينة وآخر بسطورة والبقية فنادق لا ترقى لمستوى فنادق سياحية حقيقية. الزائر للمدينة بعد زيارة سابقة، وعوض أن يعاين تحسنا في أوضاعها الشاملة يصاب بالخيبة، ويتأسف لحالها رغم توفر البلدية على مداخيل كبيرة وانتشار الصناعة البترولية وتوفر عوامل الازدهار السياحي، ويشعر أن المدينة التي لا تتوفر على محلات كبيرة فاخرة وعصرية كغيرها من المدن، تسير بسرعة السلحفاة، وهي وضعية لا يبررها إنجاب الولاية لنخبة من أبنائها في كل المجالات خاصة من المقيمين بها، من الذين لم تتح لهم الفرصة لإعطائها الإضافة وإخراجها من وضعيتها المؤسفة، وهي التي قدمت شهداء قرابين للحرية ولعل آلاف الشهداء الذين سقطوا بالمدينة وضواحيها إثر هجمات (20 أوت 1955) أحسن دليل على ذلك.