بحلول المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة تحل معها بعض الظواهر والسلوكيات المختلفة، ومع حلول شهر رمضان الفضيل حضرت بعض السلوكيات السلبية التي تعلن عن وجودها هي الأخرى كالتبذير الذي تتجسد معالمه بشكل كبير خلال هذا الشهر الفضيل حيث لا يتوانى عدد كبير من العائلات الميسورة والمرتاحة ماديا في المبالغة والإفراط في نفقات شهر رمضان وكأنه شهر الأكل وملء المعدة والبطون، في حين نجد أن هناك الكثير من الفقراء والفئات البسيطة تخلو مائدتها الرمضانية من دون شك من أبسط الأطعمة إلى جانب غياب اللحوم والفواكه. أضحت مسألة التبذير والإفراط في النفقات المختلفة مشهدا يوميا لدى بعض المواطنين والعائلات الجزائرية التي تجعل من شهر رمضان الكريم فرصة مواتية لتجسيد هذا السلوك السلبي من خلال تحضير مائدة تحتوي على الكثير من الأطعمة والمأكولات المختلفة بما فيها تلك التي لا تستهلك والتي غالبا ما ترمى في اليوم الموالي في أكياس القمامة المختلفة. وفي ظل هذا الواقع السلبي المنافي لجوهر شهر رمضان الكريم المتمثل في تنمية الرصيد الروحاني توجد فئة ليست بالقليلة من الفقراء والمحرومين وأصحاب الدخل البسيط الذين قد يحرمون من أبسط المأكولات في الأيام العادية فما بالك بالشهر الفضيل الذي يسارع فيه الكثير لاقتناء ما لذ وطاب. ومن أجل كشف خبايا هذا الواقع السلبي ارتأينا الاقتراب من بعض المواطنين والعائلات للتعرف عن كثب كيف يقضون الأيام الأولى من شهر رمضان الكريم. اقتناء كل ما تراه العين والنتيجة تبذير ورمي في القمامة.. البداية كانت مع السيدة صفية “41 سنة” متزوجة وأم لطفلين، التقيناها وهي بصدد وضع أكياس الأغراض والحاجيات المختلفة التي اقتنتها داخل سيارتها لتتجه بها إلى حي 1000 مسكن بعين تموشنت حيث تقيم وأسرت لنا بأن شهر رمضان يعد مميزا بالنسبة لها ولعائلتها الصغيرة إذ تحرص هي وزوجها على اقتناء مختلف أنواع الأطعمة والمأكولات لتحضير مائدة تليق بهذا الشهر الكريم. أما عن مسألة التبذير والإفراط التي حاولنا الاستفسار عنها فأكدت أن شهر رمضان بالفعل يجعل الكثير من الأشخاص يعمدون إلى التبذير ربما عن غير قصد لاسيما بالنسبة للعائلات الميسورة ماديا حيث لا تتردد في اقتناء كل ما تراه العين رغم أنه وفي بعض الأحيان لا تتعرض بعض هذه المأكولات للاستهلاك فيكون مكانها بالتالي أكياس القمامات والنفايات لتختم المتحدثة بالقول أنها شخصيا تسعى لتوفير كل شيء لعائلتها ولو بكمية كبيرة خاصة وأنها من العائلات الميسورة والمرتاحة ماديا. توفير كل أنواع الأطعمة من أجل “الديكور” والأمر سيان بالنسبة للسيد محمد “45 سنة” الذي التقيناه بأحد شوارع عين تموشنت المعروف وهو يحمل الكثير من الأكياس التي كانت مملوءة عن آخرها على ما يبدو رغم أننا نعيش الأيام الأولى من الشهر الفضيل فقط وعند اقترابنا منه أكد لنا أنه شخصيا اعتاد الإفطار على مائدة متنوعة تحوي الكثير من أصناف المأكولات المختلفة حتى لو لم تستهلك المهم توفرها على المائدة بالنسبة له. وعن سؤالنا له إذا كان ذلك سيؤدي إلى التبذير فأكد أنه وفي أحيان كثيرة بالفعل يعمد هو وزوجته إلى الإفراط والمبالغة في نفقات هذا الشهر، كما ذكر أن هذا التصرف المنافي ينتهج بشكل كبير من قبل العائلات المرتاحة ماديا التي تقتني الكثير من الأطعمة والمأكولات ليس بغرض الأكل بل لوضعها كديكور فقط لفتح الشهية كما يقال ثم يكون مآلها الرمي في القمامات. ..ومنهم من يضطر لرمي بقايا الأطعمة في أكياس القمامة أما السيدة جازية “38 سنة” التي جمعتنا بها الصدفة بأحد محلات بيع اللحوم فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك حين ذكرت ل”الشعب” أنها ما دامت مرتاحة ماديا فلا مانع من الإكثار والإفراط في النفقات خلال الشهر الفضيل خاصة وأنه يحل علينا مرة واحدة في العام، فلا بأس أن نستقبله بشكل مبالغ فيه قليلا حسب حديثها، لتضيف في ذات السياق أنه بالنسبة لها فهي بالفعل تقوم بتحضير مائدة تحتوي على كل المأكولات والأطعمة المتنوعة يوميا خلال مدة الشهر خاصة وأن “زوجها من الذين يأكلون بعيونهم أكثر” لتذكر أنها في مرات كثيرة تضطر إلى رمي بعض المأكولات والأطعمة التي لا تتعرض للاستهلاك والتي تبقى لفترات طويلة في الثلاجة في القمامات حسب ما باحت به لنا وهي التي كان بإمكانها أن تقدمها للآخرين من الفقراء والمعوزين الذين يحلمون بمائدة رمضانية مقبولة. وإذا كان هناك الكثير من الصائمين خاصة لا يتوانون في تجسيد مختلف مظاهر التبذير خلال شهر رمضان المبارك بعد أن جاد عليهم الخالق بنعمة المال فإن هناك في المقابل فئة كبيرة من الفقراء والمحرومين التي يزيد شهر رمضان المبارك في معاناتها وعوزها حيث يقف عجزها المادي حائلا دون تناولها بعض ما تشتهيه وتقتصر مائدتهم الرمضانية على أكلات بسيطة للغاية وقد يغيب اللحم وتغيب معه الفواكه أيضا وبين هذا وذاك لا يجد المواطن البسيط أو “الزوالي” إلا قضاء الشهر الكريم بشكل أقل من البساطة نفسها. نشتهي بعض الأطعمة في رمضان لكن لا نتناولها وليس بعيدا عن هذا الموضوع دفعنا فضولنا للاقتراب من بعض الفقراء والمحرومين وأصحاب الدخل البسيط حيث التقينا في هذا الإطار بخالتي صليحة “58 سنة” في إحدى حافلات النقل وهي في وضع مرهق تبدو من خلال ملامحها غارقة في الهموم والمعاناة المختلفة التي كشفت عن جزء صغير منها ل”الشعب” حيث أكدت أنها وعائلتها لم تقضي شهر رمضان بشكل فعلي منذ فترة طويلة صياما وإفطارا لكن أي إفطار، يقوم على إعانات المحسنين لا غير، فزوجها يعاني من مرض الربو الذي منعه من العمل وولديها البطالين أدى إلى تدني وتقهقر مستوى معيشتهم، في حين أن هناك من بين أولادها ابنتها المعاقة إعاقة كاملة، وهو ما قصم ظهرها حيث تشتغل كعاملة نظافة من أجل توفير الدواء، وما يسد الرمق أيضا لتضيف أن الأسعار مرتفعة للغاية حتى في رمضان حيث يشتهي جميع أفرادها تناول بعض الأطعمة لكن لا يمكن توفيرها نظرا للحاجة والعوز. بعض الأطعمة حلم صعب المنال.. أما السيدة نصيرة “50 سنة” الأرملة التي تعيش معاناة حقيقية بكل تفاصيلها المأساوية رفقة عائلتها المتكونة من ثلاث بنات والتي تقطن في أحد الأحياء الشعبية بعين الطلبة فتؤكد من جهتها أنها تعاني الأمرين مرارة ظروف معيشتها الصعبة هي وبناتها الثلاث منذ أن فارق زوجها الحياة لتجد نفسها تعيش في ظل معاناة حقيقية تنوعت بين العوز والحاجة والحرمان ومسؤولية توفير ما تحتاجه بناتها الثلاث اللائي يحجمن عن السؤال والطلب لمعرفتهن المسبقة بأوضاعهن المادية.. تؤكد هذه الأرملة أنها في الحضيض وما زاد في تألمها وحز في نفسها أكثر هو حلول المناسبات الدينية كشهر رمضان الفضيل الذي بات بالنسبة لها ولبناتها شهرا عاديا للغاية حيث لا تقتصر حسبها مائدتهم المادية إلا على أبسط المأكولات فقط، في حين تغيب بعض الأطعمة المهمة، أما الفواكه واللحم فأضحت بالنسبة لها ولبناتها مجرد حلم قد لا يتحقق لا سيما بعد أن قامت بجولة في مختلف الأسواق والمحلات أين وقفت عن كثب على كارثة الأسعار التي دوختها وجعلتها تتحسر على بناتها الثلاث اللائي سيحرمن من الكثير من المأكولات حتى البسيطة منها نتيجة الأسعار الملتهبة ويفتقدن بذلك بعض الأطعمة المفضلة لديهم كالفواكه. رمضان شهر روحاني وليس مناسبة لملء البطون وبالنسبة لخالتي الزهرة “65 سنة” التي التقيناها وهي في حالة يرثى لها بصدد التسول أمام أحد محلات بيع الخضر والفواكه فقد أكدت من جهتها أن شهر رمضان أضحى في الآونة الأخيرة شهرا لأصحاب الجيوب الممتلئة والميسورين والمرتاحين ماديا، خاصة مع هذا الغلاء الفاحش الذي بات نارا تحرق كل من يقترب منها حسبها، فالفقير والزوالي لا يمكنه أن يقضي شهرا رمضانيا لائقا مثل المرتاحين ماديا الذين في مرات كثيرة لا يترددون في التبذير والإفراط ورمي مختلف الأكلات والأطعمة في مختلف أكياس القمامات لتذكر أن هذا الشهر يحرم الكثير من الفقراء والبسطاء و”الزوالية” من تناول بعض الأطعمة التي يشتهونها، مؤكدة أن رمضان هو شهر العبادة والتقرب للبارئ وشهر الرحمة والتكافل والسعي للقيام بمختلف الحسنات لكن للأسف رمضان في الأعوام الأخيرة أصبح فرصة للتنافس على التبذير والإفراط والمبالغة في النفقات التي توافق هذا الشهر الفضيل هذا التحسر الكبير جعلنا نسألها عن حالتها خلال شهر رمضان فأكدت أنها تعتمد على صدقات المحسنين وأهل البر وهو ما يمكنها من تحضير مائدة بسيطة للغاية لها ولابنتها الوحيدة المطلقة التي تعيش معها منذ فترة هي وابنها.