مؤسسة الجيش حافظت على هيبتها أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أنه بصدد إعادة البلاد بعدما كانت على حافة الانهيار. وأشاد بالدور الاستراتيجي للجيش الوطني ووفائه لمؤسسات الجمهورية، مشددا في الوقت ذاته على التصدي بكل حزم «للمغامرين» والمحرضين على العنف. في حوار لا يمكن وصفه إلا ب «المرجعي»، أجاب فيه على أسئلة الكاتبين الصحفيين الجزائريين، كمال داود وعدلان مدي، المقيمين بالجزائر، لمجلة «لوبوان» الفرنسية، قدم رئيس الجمهورية، جوهر أولوياته والتزاماته في عهدته الرئاسية الحالية. وخلال المقابلة الصحفية، التي استغرقت عدة ساعات، فضل الرئيس تبون، الرد بكل «صراحة» و»وضوح» على حوالي 40 سؤالا، في مكتبه ودون حضور فريقه الرئاسي من المستشارين والمساعدين، بحسب المحاورين. رئيس الجمهورية، قدم صورة مقربة عن الجزائر، في السنوات الأربع الأخيرة، وكيف بلغت حافة «الانهيار» المؤسساتي، باستثناء مؤسسة الجيش الوطني الشعبي التي حافظت على «هيبتها»، وما ينبغي فعله لإعادة بناء «الجمهورية» التي تسع جميع الجزائريين. التمعن في إجابات الرئيس تبون، تتيح فهم الدوافع وراء عبارة «إعادة بناء كل شيء تقريبا»، بعدما وضعت الدولة معظم أدواتها وأجهزتها وخاصة «الإدارة» في خدمة «العصابة» أو «من يطلق عليهم - خطأً - اسم الأوليغارشية، لأنهم في الحقيقة مجموعة لصوص»، يؤكد الرئيس. عند توليه مهام الوزير الأول سنة 2017، تيقن يومها أن «البلاد تسير بخطى ثابتة نحو الانهيار»، وتأكد أن «الانحراف المستمر للمؤسسات سيضرب الدولة الوطنية في الصميم وليس السلطة فقط، خاصة بعدما أصبحت كافة القرارات تتخذ داخل فيلا في أعالي العاصمة». وفي إشارة إلى أحداث صائفة 2017، لفت رئيس الجمهورية إلى خطورة المرحلة التي وصلتها البلاد، لا تقل عن خطورة محاولة التصدي لما كان يجري، «فقد دفعت مع عائلتي ثمن مبدئي القاضي بفصل المال عن السياسة»، ليضيف بأن «الجزائر مرت بمرحلة يعتبر فيها مواجهة النظام خطوة قاتلة». الشعب والحراك خلال ذات المقابلة، أشاد الرئيس كثيرا بالشعب الجزائري، لأنه «أنقد البلاد من السقوط المميت»، عندما «اجتمع بعفوية في الشارع لإسقاط العهدة الخامسة» في حراك استحق وصف «الأصيل والمبارك». وأثنى في السياق، على عبقرية الجزائريين الذين جمعهم التظاهر السلمي والحضاري، لوقف «مهزلة سياسة»، واحتكموا إلى «العقل»، عندما اختاروا الذهاب إلى صناديق الاقتراع، في 12 ديسمبر 2019، من أجل استعادة الشرعية الدستورية لمنصب رئيس الجمهورية، رافضين الاستجابة لدعاة المراحل الانتقالية. ومن أجل هذا، لم يعد الرئيس تبون يستخدم أبدا كلمة «حراك»، لأن «الأشياء تغيرت كثيرا وانحرفت للأسف»، فمبدأ حرية الكلام والتعبير كحق لكل جزائري، لا يعني «أبدا قبول إملاءات الأقلية». وقال: «تصيبني الدهشة عندما أسمع سياسيين ينتسبون للتيار الديمقراطي، يعارضون الانتخابات ويطالبون بمرحلة انتقالية تسير بالتعيينات». مضيفا: «لماذا تريدون تعيين أشخاص لتسيير البلاد؟ من أنتم؟ من عيّنكم ملوكا على الشعب». وتابع: بأن «ما تبقى اليوم من الحراك مجموعة تطالب «بدولة إسلامية»، ومجموعة أخرى تقول «لا للإسلام»، وحركات اختارت طريق العنف، وبالتالي وجب التعامل معها كتنظيمات إرهابية، على غرار ما يسمى بحركتي «رشاد» و»الماك». فالأولى «شرعت في الحشد لمواجهة الجيش ومصالح الأمن» وأما الثانية «فقد حاولت استخدام سيارات مفخخة وتفجيرات خلال مسيرات الجمع». ليؤكد أن تجاوز صراع الأفكار إلى الدعوات للعنف «ينفد الصبر». فمهمته كرئيس للجمهورية وكقائد أعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع الوطني، «حماية المتظاهر والشرطي على حد سواء». وبثقة كبيرة، أكد الرئيس تبون أن ممتهني الفوضى و»المغامرين» بصدد إضاعة الوقت فقط، وأنهم يرتكبون خطأ فادحا عندما يعتقدون أن شروعه في الإفراج عن المعتقلين في وقت سابق «ضعفا». الجيش وبالرغم من أن وسائل الإعلام الفرنسية، دأبت على التعاطي مع دور المؤسسة العسكرية الجزائرية، كمادة «دسمة»، تجاوب الرئيس تبون مع الأسئلة ذات الصلة، بكل صراحة ووضوح. حيث سجل بكل فخر وفاء «الجيش وعلى رأسه الفريق السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، أثناء فترة مرضي»، كاشفا أنه كان يتحادث معه «كل صباح». بينما أجرى في ذات الفترة الصعبة (الإصابة بفيروس كورونا) تقييما لمحيطه المباشر «فالبعض ظن أن السفينة غرقت، وأنتم تعلمون ما هي طينة من يغادر لحظة الغرق». وأكد الرئيس تبون، أن الجيش كان المؤسسة الوحيدة التي ظلت واقفة، بعد الانهيار المؤسساتي الذي ضرب مفاصل الدولة، وظل ثابتا على مبادئه بعد الحراك المبارك، عندما طلب منه أخذ السلطة وإسقاط العهدة الخامسة. وقال: «إن وزن الجيش واقع إيجابي. لو لم نملك جيشا عصريا ومحترفا لكان الوضع في الجزائر أسوأ من ليبيا وسوريا»، فهو «لم يستول على السلطة ولن يفعل ذلك، لأنها مؤسسة تحترم القانون». ودافعت المؤسسة العسكرية، منذ 02 أفريل 2019، عقب شغور منصب رئيس الجمهورية، بقوة عن الحل الدستوري للأزمة، وحرصت على دعم المسار الانتخابي، تماشيا ونص الدستور. وتابع: «الجيش، انسحب من الساحة السياسية منذ نهاية سنوات الثمانينات... والزمن الذي كان فيه ضباط من الجيش أعضاء في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني قد ولّى». مشددا على «أن الجيش لم يعد يمارس السياسة». أولويات الرئيس إجابات رئيس الجمهورية، على أسئلة محاوريه، أكدت أن التزاماته 54 (برنامجه الانتخابي)، مستلهمة من تشخصيه للواقع «الخطير» الذي بلغته الجزائر، قبل 22 فيفري 2019، حيث اختزل أولوياته في إعادة «بناء مؤسسات الدولة»، وأيضا «جعل البلاد تقف على قدميها مجددا، وجعل الجمهورية تسع جميع الجزائريين». فالضرر الجسيم الذي أصاب الدولة يبرر، بحسبه، سبب ترشحه للرئاسيات الماضية «باسم الشعب» و»الشباب»، ورفض التقدم للمنافسة تحت عنوان حزب أو كيان سياسي أو جمعوي. ولا يرى الرئيس تبون، خللا، في كونه حاليا خارج غطاء الأحزاب أو عدم انخراط المعارضة والمجتمع المدني، وقال: «عندما تسترجع المؤسسات وظائفها ومكانتها وتتخلص من سطوة المال الفاسد، عندها نفكر في إنشاء حزب رئاسي». الانتخابات التشريعية وبالنسبة للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 12 جوان الجاري، قال رئيس الجمهورية، إن «ما يلاحظه يجعله يقول إن أغلبية الجزائريين لا ترفض الانتخابات، وإن الادعاء بوجود مقاطعة، مجرد هالة إعلامية تمنحها مؤسسات الصحافة في الخارج، لأقلية الداخل وهذا عين التغليط». وأكد الرئيس، حرصه على نزاهة الانتخابات، عندما أشار إلى عدم اكتراثه بما يطلق عليه «الإسلام السياسي»، وقال إن «هذا الأخير الذي لا يعطل التنمية وتطوير البلد لا يزعجني»، مستطردا بأن « إسلاموية التسعينات، لن أسمح بعودتها أبدا». نريد الاعتراف الكامل وفي سياق آخر، قال رئيس الجمهورية إن «الجزائر تريد اعترافا كاملا، من فرنسا عن الجرائم التي ارتكبتها في الحقبة الاستعمارية»، مشيرا إلى وجود ثلاث مراحل مؤلمة لن تمحى من ذاكرة الجزائريين. وقال «بداية الاستعمار مع إبادة دامت أربعين سنة لقبائل عن بكرة أبيها، وقرى كاملة أبيدت ومحارق اقترفت. ثم أتت بعدها مرحلة النهب حيث صودرت أراضي الجزائريين لتوزع على الأوروبيين»، مضيفا «ثم فظائع 8 ماي 1945، حين سقط 45 ألف شهيد، ثم حرب التحرير عندما حمل الجزائريون السلاح لتحرير البلاد». وأكد في هذا الملف الحساس، أن «الاعتراف بهذه الأفعال مهم للغاية»، مفيدا «كل هذا لا يعني جيل الرئيس ماكرون، ولا جيل المثقفين الفرنسيين الذين لا لوم عليهم». قبل أن يستطرد قائلاً: «ما نريده هو تضميد جراح الذاكرة والاعتراف بها، لنخرج من خرافة أن الجزائر أرض مباحة جلب الاستعمار لها الحضارة». وحذر من أنه «إذا لم تقام جسور صلبة بين الجزائر وباريس في عهد رئاسة ماكرون لفرنسا، فلن تضرب مستقبلا وسيبقى الحقد سيد الموقف». لن تفتح الحدود مع المغرب وبشأن الجارة الغربية (المملكة المغربية)، قال رئيس الجمهورية إن مشكلة «المغرب أنه كان دوما السبّاق للعدوان علينا»، ليؤكد أن الجزائر لن تبقى تتفرج على حجم التدفق الهائل من الهجمات السيبرانية والإجرامية في شكل المخدرات والمواقف العدائية في المحافل القارية والدولية، حيث «سنرد على أي عدوان قد يطالنا». وبلغة حازمة، شدد الرئيس تبون، أن الجزائر لن تفتح حدودها البرية المغلقة منذ 1994، «مع جار يعتدي علينا يوميا». ووصلت اعتداءات نظام المخزن المغربي إلى محاولة إغراق السوق المالية الجزائرية بأوراق نقدية مزورة، تمكنت الأجهزة الأمنية من حجزها الأسبوع الماضي بولاية تلمسان. وشدد في المقابل، على أن القضية الصحراوية ستظل مسألة تصفية استعمار، وأن «هناك جيل في الصحراء الغربية أشرس من أجداده ويتطلع لتحرير أرضه».