إذا كان لرمضان نكهة خاصة عندما يتم قضاؤه في كنف العائلة، فإن لرمضان أيضا نكهة خاصة بمطاعم الرحمة وعلى عكس ما قد يعتقد البعض، فإن العشرات من الصائمين الذين تجبرهم ظروفهم على قضائه بعيدا عن عائلاتهم ينجحون في خلق ظروف حميمية وأجواء من الدفء تعوضهم ولو بدرجة أقل عن الأجواء العائلية بمعية المشرفين عليها. كانت الساعة تشير إلى الساعة الخامسة والنصف عندما وصلنا إلى مطعم الرحمة الكائن ببلدية بلوزداد، استقبلنا المشرف عليه العيد كنوز، ورغم أن الإفطار كانت يفصلنا عنه ثلاثة ساعات كاملة إلا أن القائمين على الطبخ ومن يساعدونهم كانوا قد انتهوا من كل التحضيرات. حكاية السيد كنوز مع مطاعم الرحمة تعود إلى سبع سنوات مضت حين عرض عليه صديق ميسور الحال ليلة رمضان تحضير الأكل للمحتاجين وعابري السبيل عموما، ولأنه عمل خيري فإن العملية جرت في 24 ساعة حسبما روى المشرف على المطعم ل «الشعب»، مشيرا إلى أن مصالح الولاية لا تتأخر أبدا في منح التراخيص بفتحها. ويشرف على الطبخ عائلة السيد كنوز التي تحرص على تحضير قائمة الأكل طيلة الشهر الكريم، حيث تلتحق باكرا بالمطعم لتجهيز الأكل وتنظيف المكان وتهيئته لاستقبال عابري السبيل ربع ساعة قبل الأذان بعد تجهيز كل الطاولات. وللتفرغ لهذه المهمة النبيلة المندرجة في إطار التضامن ومساعدة ليس المعوزين فقط وإنما كذلك الأشخاص الذين اضطرتهم ظروفهم سواء تعلق الأمر بعملهم أو تنقلاتهم الاضطرارية أو حتى أولئك الذين يرافقون المرضى القادمين من ولايات بعيدة لتلقي العلاج بمستشفيات العاصمة والعاملين بمختلف الورشات الذين يمثلون الشريحة الأكبر، يضحي السيد كنوز بعطلته إذ يودع طلب الحصول على عطلته في شهر رمضان من كل سنة، لينصرف الى أداء مهمة أخرى تتمثل في الإشراف على مطعمين ببلكور وبباب الوادي. ويحرص المشرفون على المطعم على الانتهاء من الطبخ وتحضير الطاولات لضمان التنظيم وتفادي الفوضى لاسيما وأنه يستقبل أزيد من 100 عابر سبيل يوميا، على أن يجد الصائم كل شيء جاهز، وتزامنت زيارتنا للمطعم مع تحضير أطباق تقليدية جزائرية تماما مثل تلك التي تحضر في البيوت، فإضافة إلى طبق الشوربة تم تحضير طبق الجلبانة بالجزر والسلطة والتحلية التي تكون عادة فواكه، كما أن القائمين على المطعم يقدمون وجبة السحور إلى ضيوفهم مرة كل يومين. ولعل ما يميز المطعم تخصيص مكان للعائلات التي تتنقل إليه للإفطار، وهي ظاهرة جديدة حسب السيد كنوز نظرا لاستفحال الفقر من جهة، كما أن فتح الطريق السيار شرق غرب وتزامن رمضان مع فترة العطل شجع العائلات على التنقل لاسيما وأن الفترة التي يقضونها في الطريق تقلصت بشكل كبير. وإذا كانت البيوت وقضاء رمضان في كنف العائلة له نكهة خاصة، فإن المشرفين على المطاعم وكذلك الذين يرتادونها قد نجحوا في خلق أجواء مميزة في محاولة لتعويض الصائمين عنها، وقد ساعد توافد نفس الأشخاص على نفس المطاعم على ذلك، مع العلم أن الأمر يتعلق أساسا بالعمال في الورشات المجاورة بالإضافة إلى المعوزين. وتزامنت زيارتنا لمطعم آخر يتواجد بنفس الحي الشعبي الذي وصلنا إليه في حدود الساعة السادسة مساء أي ساعتين قبل الإفطار مع التحضيرات، وعلى عكس المطعم الأول، فإن هذا المطعم الذي يتسع ل 40 شخصا ما يضطرهم لتوزيع الصائمين على فوجين، يتعامل مباشرة مع البلدية منذ عدة سنوات حيث يشرف على كل العملية ويدفع الفاتورة النهائية للبلدية التي تعوضه وبالتالي، فإنها تمول العملية بنسبة 100 بالمائة. وبهذا المطعم الذي وجدنا فيه أربعة شباب على قدم وساق لتحضير الأكل للصائمين الذين يطرقون أبوابه مثلما جرت العادة ابتداء من الساعة السابعة والنصف أي نصف ساعة قبل الإفطار، إلتقينا بصائم قدم من ولاية عنابة في مهمة ،أصر على أن يأكل وجبته رفقة الصائمين، رغم أنه وفق ما أكده ل«الشعب» ميسور الحال وبإمكانه تناول وجبته في الفندق، إلا أنه أراد أن يتناولها مع عابري السبيل بمطعم الرحمة وهي المرة الأولى لأن الأجواء حسبه ستكون أحسن من الفندق.