تعتبر الانتخابات المحلية التي ستجرى في 29 نوفمبر المقبل اختبارا حقيقيا للأحزاب الجديدة من أجل تحقيق الانتشار، وتوسيع الوعاء الانتخابي وضمان مكانة في التسيير المحلي تحضيرا للاستحقاقات التي ستلي رئاسيات 2014 . تسعى الأحزاب الجديدة التي تأسست بعد فيفري 2012 إلى تدراك هزيمة التشريعيات التي جرت في 10 ماي 2012 وخرجت بها الأحزاب الجديدة بخفي حنين بعد اكتساح القوى التقليدية للبرلمان. ويظهر أن التشكيلات التي اعتمدتها الداخلية قد استفادت كثيرا من صدمة الانتخابات السابقة بعد أن انتهجت خططا غير واقعية تمثلت في الدعاية للمشاركة القوية بدلا من التعريف ببرامجها واستقطاب أكبر قدر ممكن من الأصوات لتستفيق في 11 ماي على تسونامي خطف كل أحلامهم وأطماعهم السياسية أمام حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وليتأكدوا من أن طريق السياسة والنضال أكبر من أن يتحقق في حملة انتخابية مدتها 21 يوما. وستكون الانتخابات المحلية محطة للتخلص من ردود الفعل التي خلفتها التشريعيات والتي جعلت هذه الأخيرة تنقلب على كل شيء وتوجه انتقادات حادة للسلطة وللأحزاب التقليدية التي اتهمتها بشتى أنواع الاتهامات غير أن مرور الأيام كشف هشاشة تلك الأحزاب التي بدأت فيها الحركات التصحيحية وحالات العصيان التي نقلت صورة أخرى عن انتخابات 10 مايو الماضي وأرادت القواعد أن تحمل مسؤولي الأحزاب جزءا من المسؤولية بسبب ضعف الاستراتيجيات والدخول في معترك التملق بالدفاع عن نسبة المشاركة أكثر من الدفاع عن مصلحة الحزب كما أن لجوء البعض للتحالفات جعل القواعد تتحرك لتمنع الزعامات من السير على خطى نفس الأحزاب التي عرفت الظهور في بداية التسعينيات والتي لم تستطع فرض نفسها، أمام تجربة الحزب العتيد وزحف التجمع الوطني الديمقراطي وحنكة حركة مجتمع السلم وجرأة الجبهة الوطنية الجزائرية. والعارف بقضايا السياسة والانتخابات يكتشف أن الأحزاب الجديدة وبحكم افتقادها للتجربة تكون قد أخطأت المشاركة في الاستحقاقات التشريعية، لأن فترة تحضيرها كانت قصيرة وتكون قد أنقذت الأحزاب التقليدية من مأزق حقيقي بسبب هاجس العزوف وبالتالي تكون قد عملت على الغير وهي التي تتهجم على الفاعلين السابقين من الأحزاب في صورة تؤكد كل التناقضات للمشهد السياسي في الجزائر. التنشئة السياسية تبدأ من المحليات تحاول الأحزاب الجديدة لعب ورقة الفتوة لإقناع المنتخبين بالتصويت عليها ومنحها فرصة التسيير المحلي في ظل حالات الانسداد والمشاكل التي تعرفها الكثير من البلديات وإذا تمكنت الأحزاب الجديدة من إقناع المواطن، فإن حظوطها في التغيير وتحييد القوى التقليدية سيكون كبيرا ومنه تعبيد الطريق للانتخابات التشريعية المقبلة التي ستجري في ربيع 2017 . وتملك الانتخابات المحلية أهمية كبيرة بالنظر لارتباطها بالسلطة التنفيذية، فتسيير الجماعات المحلية ليس بالأمر الهين في ظل ازدياد ما يسمى ب ''الجواري'' حيث يجد المنتخب المحلي نفسه وجها للوجه مع المواطن ومنه، فالنجاح في حل مشاكل القواعد سيدفع بالحزب نحو الأعلى ويزيد من شعبيته. وستجد الأحزاب الصغيرة نفسها أمام امتحان عسير خاصة أمام ''الأفلان'' و''حزب العمال'' و''جبهة القوى الاشتراكية'' و''تكتل الجزائر الخضراء'' و''التجمع الوطني الديمقراطي'' التي شرعت في التحضير مبكرا تفاديا لأية مفاجآت غير سارة قد تجعل أوضاعها الداخلية على المحك وتفتح المجال للانقلابات وحركات العصيان التي بدأت في التوسع والانتشار بسبب كثرة المترشحين والمناصب المحدودة بالإضافة إلى بروز الكثير من الانفرادية في تسيير الأحزاب وتغييب رأي القواعد في الكثير من الملفات وهو ما يزيد من حالات الاحتقان. ويبقى تحضير المراقبين وبرنامج انتخابي واقعي والتقرب من القواعد أحسن مفتاح لتجنب الصدمات وأما التركيز على الانتقادات الهدامة وتتبع عورات الغير وتسويد الواقع والتركيز على الدعاية واستمالة وسائل الإعلام أوراق خاسرة من الآن لأن وعي الشعب الجزائري بات أكبر من أن تحاول أحزاب فتية استغلال بعض الدقائق للتحريض والدعوة للرجوع للوراء.