خلفت نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر ماي الماضي ردود فعل مفاجئة من عديد الأحزاب وخاصة الجديدة التي حصلت على الاعتماد قبل 3 أشهر من الاستحقاقات، وبقدر ما نفترض بأن الانتقادات التي وصلت إلى حد التهجم على الجميع حقيقة إلا أن تقاليد التجربة الديمقراطية والممارسة السياسية تفرض الوقوف عند الكثير من النقاط الجديرة بالذكر. فالأحزاب السياسية، وخاصة منها الجديدة، أكدت أن هدفها، بعد الحصول على الاعتماد، هو المشاركة في الانتخابات التشريعية والتعريف بنفسها وقياس مدى قبولها في المجتمع حتى أن الكثير منها صرح بأنه قد لا يخوض الاستحقاقات بالنظر لضيق الوقت، وعليه فالفكرة العامة التي تكونت هي أن الأحزاب لم تجعل التشريعيات هدفا لها. وبالمقابل، تضمنت الحملة الانتخابية العديد من النقاط التي تقاطعت فيها وهي الدعوة للمشاركة بقوة في الانتخابات بغض النظر عن اللون الحزبي الذي سيختاره المواطن، ومنه إعطاء نظرة بأن نسبة المشاركة أو المساهمة في رفع نسبة المشاركة أكثر من 35,74 بالمائة التي سجلت في تشريعيات 2007 هي الهدف الرئيس من الاستحقاقات. وتحتفظ مختلف وسائل الإعلام بالكتابات والتسجيلات التي حملت مواقف الأحزاب التي صبت في خانة التفاؤل بانتخابات نزيهة وشفافة لتنقلب مباشرة بعد إعلان النتائج ب 180 درجة، ووجهت سهامها نحو السلطة لتحميلها الفشل الذريع الذي أصيبت به، وهو ما يعتبر تناقضا صارخا. ومن المؤشرات التي أغفلتها الأحزاب ما نقله التلفزيون الجزائري ومختلف وسائل الإعلام من صور تظهر ضعف الحضور الجماهيري في التجمعات الشعبية أثناء الحملة الانتخابية، فبعض الأحزاب لم يستطع حتى إقناع العشرات بحضور نشاطاته ليتبادر لنا هذا السؤال: لماذا لم تقدم الأحزاب تنبؤات أو توقعات لنتائج التشريعيات حتى نستطيع أن نصدق اتهامات الأحزاب؟!. وأيضا، لماذا لم تقدم الأحزاب انتقادات لنفسها وتحمل مؤطري الانتخابات ولجان التحضير التابعة لها مسؤولية الفشل الذريع؟، أليس جديرا بمسؤوليها الاستقالة وترك الفرصة لآخرين؟، هل يعقل أن تكون انتقادات الأحزاب صحيحة كلها دون أن ترتكب أخطاء؟!. لماذا اقتنع الأفافاس بما حققه؟ خرج حزب جبهة القوى الاشتراكية راضيا بنتائج التشريعيات، وقال أنه حقق ما كان يصبو إليه في موقف يحتاج إلى الكثير من التأمل والدراسة لأن الأفافاس المعروف بتمسكه بالمعارضة خالف الجميع وقدم نطرة إيجابية عن النتائج دون أن يتهجم على أحد. إن الحديث عن هذا الموقف ليس من باب المجاملة أو انتقاد مواقف الأحزاب الأخرى، ولكن من باب تقديم وجهات النظر وخلفياتها للوصول إلى الحقيقة التي يبحث عنها الرأي العام الوطني وحتى الدولي حول واقع الساحة السياسية. وبالإضافة إلى جبهة القوى الاشتراكية قدم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية درسا في الممارسة الديمقراطية من خلال اختياره خيار المقاطعة، وهو ما يحسب له، ويؤكد نضجه الكبير، وحتى انتقاده للاستحقاقات يعتبر موضوعيا طالما أنه لم يشارك فيها. ويبقى أمام الأحزاب فرصة كبيرة للتوغل في المجتمع، والتأكيد على جدارتها في نتائج أحسن من خلال التحضير الجيد للانتخابات المحلية المقررة في نوفمبر المقبل والتي تعتبر معيارا حقيقيا للحكم على انتقادات الانتخابات التشريعية من خلال النتائج. وعليه يبقى تقديم نظرة انتقادية للأحزاب نفسها أكبر عامل لتصديق انتقادها، أما أن تنتقد الجميع وتنسى نفسها فتلك هي الطامة الكبرى، ولن نستطيع أن نحلم بطبقة سياسية محترفة تبحث فقط عن الربح ولا تؤمن بالخسارة.