كان عضوا مؤسسا للجنة الثورية للوحدة والعمل وكان كذلك من بين مجموعة ال,22 ومجموعة ال9 قادة التاريخيين الذين أعطوا إشارة الثورة التحريرية، إنه المجاهد الراحل ''رابح بيطاط''. هذا الرجل الذي اقتحم مبكرا دروب النضال الوعرة، وتمكن من أن يكون قائدا على المنطقة الرابعة (الجزائرالبليدة) بعد مشاركته الفعّالة في التخطيط وتنفيذ اندلاع الثورة التحريرية سنة ,1954 كما يعد من بين القادة الخمس التاريخيين. ولد رابح بيطاط في 19 ديسمبر 1925 بمشتى كاف بني حمزة على بعد 4 كلم من عين الكرمة ولاية قسنطينة. نشأ ودرس بالمدرسة القرآنية، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة بالعربية وحفظ ربع القرآن الكريم (سورة يس)، ليلتحق بعد ذلك بالمدرسة الفرنسية عبر إكمالية ''جول فيري'' الخاصة بالأهالي، والتي تقع على بضع خطوات من دار المصري، وقد دخل هذه المدرسة في فاتح أكتوبر ,1931 وكان والده آنذاك عاملا بمرأب ''سيتروان''. وحسب شهادة السيد طاهر سياري قريبه وزميله في الدراسة، فقد كان رابح بيطاط نبيها متفوقا، بحيث كسب تعاطف معلمته الفرنسية ووالد الكاتب الكبير ''مالك حداد'' الذي كان يعمل معلما بنفس المدرسة والذي ساعده في تحضير إمتحان المرحلة الإكمالية، وإلى جانب ذلك كان يتابع دروسه بالعربية في مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على يد الشيخ ''محمد بالعابد'' الذي زرع فيه ورفاقه بذور الوطنية وحبّ الوطن، كما كان مواضبا على حضور دروس الشيخ ''عبد الحميد بن باديس'' قبل وفاته. غير أن ظروف الحرب العالمية الثانية وانعكاساتها على الوضعية الاجتماعية للعائلة، جعلته ينقطع عن الدراسة ويخرج مبكرا إلى الحياة العامة التي إقتحمها من بوابة الحلاقة وهو في الثانية عشر (12) من عمره. وقد امتهن بعد ذلك النجارة والخراطة، كما عمل مساعد محاسب، قبل أن يشتغل في معمل بن شيكو للتبغ. اكتشف هذا المجاهد الفذ، كل شيء مبكرا، فبالاضافة إلى أنه خاض مجال العمل وهو في بداية مرحلة المراهقة، فقد اكتشف مبكرا كذلك دروب النضال الوعرة، التي اختارها بحبّ وقناعة، وأشدّ هذه الدروب خطورة وأكثرها تضحية (طريق حزب الشعب الجزائري) الذي انضم إليه سنة ,1943 بهدف الكفاح في سبيل الإستقلال التام للجزائر بجميع الوسائل بما في ذلك العنف. وقد تدرج المناضل الشاب في السلّم الحزبي حتى أصبح من أنشط عناصره، شارك في مظاهرات (1 ماي 1945)، وكان من مؤطري مظاهرات ال(8 ماي) من نفس السنة، بصفته مسؤولا في مصلحة النظام، وحسب شهادته شخصيا، يقول إن مسؤولي حزب الشعب أعطوا تعليمات واضحة للمشاركين في المظاهرات، منها أن تكون المشاركة سلمية وألا يحمل المناضل معه ولو إبرة، ومما يذكره في هذا الشأن، أن قوات الأمن حاصرت المتظاهرين عندما وصلوا قبالة سينما ''سيرتا'' وتجنبا للوقوع في الفخ المنصوب لهم، أعطيت الأوامر بالتفرق والانتظار والعودة إلى منازلهم، غير أنه فوجئ بعد ذلك بمجازر (ڤالمة وسطيف وخراطة). وبعد هذه الأحداث تقلّص النشاط الحزبي إلى أدنى مظاهره، إلى غاية صدور قانون العفو العام سنة ,1946 لتعود الحياة السياسية للإنتعاش مجددا، وهذا ما سمح للمجاهد الراحل ''رابح بيطاط'' بأن يكون ضمن العناصر المؤسسة ''للمنظمة الخاصة'' بهدف الإعداد للثورة المسلحة في أجل مسمى، وقد تلقى تدريبات على السلاح والقتال، وكذا على صنع القنابل التقليدية، وكل ما من شأنه أن يساعد على العمل الثوري. وفي مارس ,1950 أعلنت إدارة الاحتلال عن إكتشاف ''المنظمة الخاصة''، فتلقى ''بيطاط'' وزملاءه من المسؤولين أوامر بالمغامرة والهروب حتى لا تتمكن السلطات الاستعمارية من اكتشاف أمرهم ومطاردتهم لاعتقالهم أم لقتلهم، وفعلا فقد تمكن من الهروب، ولم يكتشف أمره. كان ''رابح بيطاط'' من ضمن المجموعة ال5 التي سميت نفسها بمجموعة ''المحايدين''، ويتشكل أعضاؤها من: (بوضياف، بن بولعيد، بن مهيدي، ديدوش مراد، ورابح بيطاط)، هذه الهيئة قامت بتأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل. كان من بين المهندسين والمنفذين لاندلاع الثورة التحريرية، حسب ما ورد في كتب التاريخ، منها الكتاب لصاحبه محمد عباس، فإن ''بيطاط'' ورفقاؤه لم يكونوا يعتبرون الإستقلال هدفا في ذاته، بل مجرد وسيلة لفتح باب التحول الاجتماعي والاقتصادي على مصراعيه أمام الشعب الجزائري. وبالنسبة لاختيار تاريخ الفاتح نوفمبر لاندلاع الثورة التحريرية فيفسره هذا المجاهد بنفسه، أنه تمّ على أساس عاملين، أولهما أن العادة جرت على تسجيل الأحداث الهامة بأول الشهر، وثانيهما، أنه كان يوم عطلة، ومن ثم يمكن من مهاجمة الثكنات والحصول على الأسلحة التي كان الثوار يومئذ في أشدّ الحاجة إليها. وقد تمّ تعيين في الاجتماع الأخير ''للجنة الستة'' ''رابح بياطاط'' مسؤولا على المنطقة الرابعة (العاصمة وضواحيها) بمساعدة بوجمعة سويداني وأحمد بوشعيب، وعشية إندلاع الثورة واجه قائد المنطقة الرابعة بعض المتاعب، جراء إنسحاب بعض المناضلين من أنصار اللجنة المركزية، حدث ذلك بعد اللقاء الفاصل بأولاد يعيش بين لحول وبوضياف. تمكنت الشرطة الفرنسية من إلقاء القبض على ''رابح بيطاط'' بمقهى ''رامبارميدي'' بالقصبة، حين وجد نفسه محاصرا من رجل الأمن الفرنسي من كل جانب، وبدأت رحلته مع التعذيب والإستنطاق. بقي القائد أسيرا بين أيدي الجلادين ببوزريعة 11 يوما، تعرض خلالها إلى شتى أنواع التعذيب منها كسر فكه نتيجة اللكمات العنيفة التي تلقاها على وجهه، ويروى أنه حاول الإنتحار مرتين، واتبلاع حبة سم، كما قطع وريد يده بواسطة آلة لقص الورق، لكن هذه المحاولات أخفقت وكان في كل مرة ينتبه رجال الأمن للأمر فيسارعوا لإنقاذه لحاجة التحقيق. وبعد انتهاء محنة التعذيب والإستنطلاق، نقل إلى سجن ''سركاجي'' في انتظار محاكمته، وكان خلال هذه الفترة على صلة منتظمة ب''عبان رمضان'' بواسطة المحامي بن التومي والمناضل ''محمد درارني''. جرت محاكمة ''بيطاط'' في الأسبوع الثاني من شهر أفريل ,1956 فكانت فرصة لتحويل المحكومة إلى منبر للتعريف بالقضية الجزائرية ومقاصد الكفاح التحرري الذي يخوضه الشعب الجزائري بقيادة جبهة وجيش التحرير. غير أن هذه المرافعة لم تمنع المحكمة من إصدار حكمين بالأشغال الشاقة في حقه مدة كل منهما 20 سنة، وبعد صدور الحكم في 16 أفريل، نقل إلى سجن الحراش، حيث أدركه مؤتمر ''الصومام'' الذي عين خلاله عضوا دائما في أول مجلس وطني للثورة التحريرية. وغداة الإنقلاب على الجمهورية الفرنسية الرابعة في 13 ماي 1958 حاولت مجموعة من المتطرفين استغلال إهتزاز السلطة بالجزائر لاقتحام سجن الحراش وتصفية عدد من كبار المساجين، وتبعا لذلك، قررت السلطات الجديدة من بينهم القائد ''بيطاط'' الذي دخلها من سجن ''لي بومات'' الشهير في مرسيليا وغادرها من قصر ''أولونوا'' في 18 مارس .1962 ليعود إلى الجزائر فور الإعلان عن الإستقلال في 3 جويلية ,1962 بعد 7 سنوات قضاها في السجون الإستعمارية. عين في 21 سبتمبر ,1962 نائبا لرئيس مجلس أول حكومة جزائرية ليستقيل بعد ذلك بسنة. وفي 10 جويلية 1965 عين وزيرا للدولة، فوزيرا للنقل، ثم رئيسا لأول مجلس شعبي وطني في عهدته الأولى، الثانية والثالثة إلى ,1990 توفي هذا المجاهد الفذ في (10 أفريل 2000)، رحل الرجل وبقيت إنجازاته خالدة. حياة / ك