خمسة وخمسون سنة تمر على ذكرى أجمع المؤرخون والمناضلون الوطنيون على أنها كانت محطة حاسمة، قادت مباشرة إلى الاستقلال وتوجت نضالات سياسية ومسلحة خاضها الشعب عبر التاريخ النضالي الطويل الذي بدأ ذات سنة ,1830 ولم يتوقف رغم اختلاف الإيديولوجيات وطرق وأشكال المواجهة السياسية والمسلحة ورغم الصراعات التي كانت وراء بعض الإنحرافات، لم تؤثر كثيرا في عظمة ثورة لا يزال ينظر إليها على أنها من أعظم الثورات. خمسة وخمسون سنة تمر على ثورة أول نوفمبر، وبين الأمس واليوم ذكرى وعبر وقيم ومثل جسدتها تضحيات من فضل حياة الآخرة على الدنيا وهم من قضوا نحبهم في سبيل الوطن، أما من كتب لهم الحياة، فقد سعوا إلى نقل هذه المثل التي بنيت عليها ثورة أول نوفمبر الى أجيال ما بعد الإستقلال لتكون لهم بمثابة المشعل الذي يفترض أن يقودهم إلى بر الأمان، فهل نجح هؤلاء في مهمتهم؟ وهل جيل اليوم بلغ مرحلة الوعي لاستيعاب المبادىء التي أسست عليها ثورة أول نوفمبر؟ وماذا عن نوفمبر 54 ونوفمبر اليوم الذي يمتاز بعودة الحديث عن الحركى والحقوق المزعومة لأبنائهم أو مطالبة الأقدام السوداء باسترجاع ممتلكاتهم التي هي في الأصل ممتلكات جزائريين سلبت منهم عنوة وقهرا ذات عام من القرن ما قبل الماضي، وما ذا عن الجرائم التي إرتكبتها فرنسا الإستعمارية طيلة قرن وربع قرن وهي تأبى اليوم الحديث عن الإعتراف بهذه الجرائم، كما تلح على ذلك الجزائر منذ مدة، وهل استنفذنا كل الطرق والوسائل لإرغام فرنسا اليوم على الاعتراف بجرائمها الاستعمارية التي هي في واقع الأمر وجهان لعملة واحدة. بعد خمسة وخمسين سنة عن اندلاع ثورة أول نوفمبر وبعد محاولات عديدة ومتكررة لتكريس المبادىء النوفمبرية واستلهام العبر من نضال كان متعدد الأشكال، تبدو الأوضاع اليوم بعيدة عن الأهداف المسطرة والمنتظرة، وكأن الهوة ما انفكت تتوسع بين جيل الأمس الذي كان وراء أعظم الثورات والذي يكاد يندثر بعد رحيل أغلبهم، وجيل اليوم وخاصة الشباب منه، حيث يكاد الحديث عن الثورة ومآثرها من آخر اهتماماتهم هو واقع مرير وجب الإعتراف به، ولكن أيضا التكفل به قبل فوات الأوان حتى لا نساهم في جعل أجيال اليوم، والأجيال القادمة متنكرة لتضحيات الأجيال السابقة التي تركت أمجادا ومآثر لا يمكنها أن تنضب، وستظل تمثل مصدر إلهام، خاصة في وقت الأزمات ولن تزول مهما طال الزمن.