تأخذ الجماعات المحلية حيّزا هاما في الدستور الجزائري من ناحية التنظيم الإداري، لقربها واتصالها المباشر مع المواطن، وفي نفس الوقت مع صناع القرار على المستوى المحلي، وحتى المركزي في بعض الأحيان، وبالرغم من هذا فهي تشتغل بمنطق بعيد جدا عن الواقع المعاش، للتحول إلى أداة لتعطيل العديد من حاجات الساكنة بدل القيام بدور الواجهة الأولى للمواطن من حيث الوظيفة التنموية والسياسية والاجتماعية على حد سواء، لذا يرى العديد من المختصين والمشرّع الجزائري بضرورة إعادة النظر في فلسفة القانون الذي يحكم البلدية والولاية. يرى العديد من الأساتذة والمختصين، بأن القانون الحالي المسير للجماعات المحلية يكبح التنمية على المستوى المحلي بدل النهوض بها، ويقول أستاذ القانون بجامعة البويرة خير الدّين زيان، بأن الاعتماد على النظام القديم المتعلق بالمركزية والسُلّمية يعطي انطباعا بكون المنتخب مقيد من ناحية اتخاذ القرار، وحتى الوالي الذي يخضع للسلطة السُلّمية مباشرة. وأضاف زيان بأن العديد من المسؤولين لا يفرقون بين السُلّمية والوصاية، هذه الأخيرة التي تمارس وفق أولويات تكبّل النشاط والمبادرة على المستوى المحلي، و يضيف محدثنا بأن مصطلح «المعمول به» يتغلب في كثير من الأحيان على القانون، فتعود بعض المنتخبين على الرجوع إلى المركزية فاقم من تداعيات هذه الأخيرة على روح التنمية وتقدم المشاريع. وأضاف الدكتور زيان أنّ عدم تجريم فعل المسيّر يعتبر بمثابة الخطوة الهامة لتحرير المنتخبين من مخاوف الخطأ في التسيير، وعدم التفكير في المتابعات الجزائية مع كل مشروع تنموي خاصة في الآونة الأخيرة. من جهته يرى الدكتور سعيد عبد القادر عبيكشي، من خلال مقال له نشر عبر وسائط الاتصال، أن القانون الذي يخاطب مجموع الولايات 58 والبلديات 1541 بنفس اللغة وبنفس الالتزامات والواجبات والحقوق، وكأنها تتشابه في الجغرافيا والسكان والحاجيات والإمكانات، علنا مراجعته وتكييفه مع متطلبات العصر وحاجيات كل منطقة، فالواقع هو أن هذه الوحدات مختلفة بصورة كبيرة. وأضاف الدكتور عبيكشي أن ما تعيشه الولايات الحدودية من مشاكل ومتطلبات لا يكاد يقارب أو يلتقي مع ما تطلبه وتديره بلديات ساحلية، فهذا المثال يوضح أن الخيارات السلطوية على مسار الدولة الوطنية لم يكن قادرا على أن يمايز بين الأقاليم الجزائرية بالرغم من أن الواقع والتركيبة والمسارات تلزمه بذلك. وأكّد صاحب المقال أنّ الأمر أصبح مدخلا لتعطل الكثير من الخيارات التنموية رغم الرصد المالي الكبير لها، وهو ما يستلزم إعادة النظر في هذا التوجه بإلزامية معالجة القضايا والمشاكل والمتطلبات للأقاليم وفق منطق متمايز يخدم الخصوصية والخيارات التي يفرضها كل إقليم، وهو ما يتطلب مراجعة لمفهوم الإقليم والوحدة الإقليمية بصورة عميقة. وقال النائب البرلماني علال بوثلجة في حديثه ل «الشعب ويكاند»، إنّ التعديلات الأخيرة على قانون البلدية التي أقرّها مجلس الوزراء هي تعديلات طفيفة تهدف إلى تكييف قانون البلدية والولاية مع قانون الانتخابات الجديد. وأضاف النائب البرلماني والمأمول في مشروع قانون البلدية والولاية المرتقب تعديله في المستقبل القريب هو معالجة عدة نقاط وقضايا تتعلق بالتنمية المحلية وحرية المبادرة للمنتخبين، مؤكّدا أنه سيعمل برفقة زملائه النواب على أن يكون القانون شاملا ومتكاملا من كل النواحي المتعلقة بالتنمية المحلية خاصة، بإضفاء تغييرات عميقة وجذرية بما يعطي أكثر أهمية لمؤسسة البلدية، ويعيد السلطة الإقليمية لرئيس المجلس الشعبي البلدي. ودعا محدّثنا إلى مراجعة قانون الجباية العامة والجباية المحلية، هذه الأخيرة التي ينتظر منها تكريس مبدأ التوزيع العادل للثروة على كل الجزائريين، فاليوم طريقة حساب ميزانية البلدية والولاية فيها إجحاف على بعض البلديات، فتزيد البلديات الغنية غنى، والفقيرة تصبح أكثر فقرا. وفي هذه النقطة، أشار الدكتور عببيكشي في مقاله إلى أن مراجعة النظام الجبائي هو بمثابة المدخل الرئيس في مواجهة الوحدات المحلية لمشاكلها المالية والقضاء أو التخفيف من ديونها المالية، وإعطائها لاستقلالية أكبر في قراراها التنموي المحلي، والعمل على إشراكها في احداث هذه الضرائب وآليات تحصيلها وآليات توزيعها، ومراجعة نظام الحصص الذي يفرضه التسيير المركزي.