أعطى رئيس الجمهورية منذ 1999 الأولوية القصوى للسكن، هذا الملف الثقيل الذي ورثته الحكومات المتعاقبة، كان ولازال الحمل الثقيل الذي أرهق كاهل السلطات العليا في البلاد، خاصة والتهاب أسعار العقار وكذا مواد البناء، أين وضعت المواطن البسيط بين المطرقة السندان، مطرقة الارتفاع المذهل في سعر الأراضي والعقارات، التي باتت لا تتماشى والمواطن متوسط الدخل، وكذا الموجة الكبيرة التي شهدتها أسعار مواد البناء أين وصلت إلى معدلات خيالية، فإذا كان للمواطن الشجاعة في اقتناء عقار، فمن أين له أن يوفر مواد البناء، ضف إلى ذلك شح وندرة اليد العاملة في البناء، فقد بات البناء عملة نادرة، يكفيك أن تحوز على احدهم وتحدد معه موعدا فقط، أما السعر فهو الذي يشترط على صاحب البناء كما يهوى له. ما عليك إلا الرضوخ لطلباته وإلا العروض كبيرة ومغرية جدا بالنسبة له. أما السكن الاجتماعي الموجه إلى الفئات ضعيفة الدخل ممن لا يتجاوز دخلها 30000 دج فالمنافسة عليه شرسة جدا، خاصة وتغير التركيبة الاجتماعية للأسرة الجزائرية، التي كانت بالأمس تؤمن بالعائلة الكبيرة أين ينشأ الأطفال في أسرة الجد والجدة حتى سن متقدمة جدا وتشكل اسر أخرى، أما حال الأسرة اليوم، فالسكن أصبح ضروريا بل شرطا أساسيا لكل من يرغب بالزواج، مما ضاعف الطلب على السكن والإيجار. موازاة مع هذا الواقع الذي يعيشه المجتمع الجزائري، اجتهدت السلطات العليا في خلق العديد من الصيغ للاستفادة من السكن، بناءا على دراسات مست مختلف الشرائح الاجتماعية، وكذا انطلاقا من كل بيئة اجتماعية وما تتطلبه من إمكانيات وما تفرضه من قيود، فأبقت على السكن الاجتماعي والذي يعد أهم صيغة حافظت ولازالت تحافظ على التركيبة الديموغرافية للمجتمع، فالسكن الاجتماعي هو حلقة الوصل بين الطبقة الكادحة وباقي الطبقات الاجتماعية لان ذلك المواطن البسيط الذي يجري ويكدح وراء لقمة العيش من أين له أن يوفر سكنا لإيواء أبنائه تجاوز سعره المليار سنتيم إذا لم تلتفت إليه الدولة وتمنح له سكنا بأسعار رمزية، لكن في الآونة الأخيرة بات السكن الاجتماعي عبئا ثقيلا أرهق كاهل الدولة، خاصة وارتفاع حدة الاحتجاجات والنزاعات التي تصاحب كل عملية توزيع وإسكان جديدة بناءا على ما تقوم به مصالح كل ولاية من دراسات ومعاينات للوضعية العامة للمواطنين، يقول احد المواطنين المشكلة ليست في الدولة، فهي قائمة على قدم وساق للتكفل بمواطنيها، لكن الإشكال على مستوى هاته الممارسات البيروقراطية والمحاباة ككل عملية توزيع. وأمام محدودية السكن الاجتماعي في التكفل بكل طلبات الإسكان، اجتهدت الدولة في وضع العديد من الصيغ الأخرى والتي كان لها دورا كبيرا في فك هذه الأزمة الكبيرة في الجزائر، فكانت صيغة السكن التساهمي الموجهة إلى أولئك الذين تجاوز دخلهم 30000دج من أبناء الطبقة الوسطى حلا ناجعا كذلك في احتواء أزمة السكن، وهذا دائما في ظل إعانات الدولة التي تجاوزت 700000 دج لكل مستفيد إلى جانب صيغة البناء الريفي والتي تعد أهم وأنجع صيغة عرفها قطاع السكن منذ الاستقلال. بالعودة إلى طبيعة المجتمع الجزائري، والذي يمثل في تركيبته أزيد من 60٪ مناطق ريفية متوزعة على ربوع الوطن وحتى بعض المدن الحديثة فهي لا تكاد تخلو من الطابع الريفي، بغض النظر عن أعماق الريف الجزائري والذي في مجمله لايتمتع بكثافة سكانية عالية مقارنة بأوربا. فعلى ضفاف أكبر المدن الجزائرية شيدت القرى والبلديات منذ سبعينيات القرن الماضي، ومدت الطرق باتجاه هذه القرى، وكذا هيئت وجمع السكان في مداشر واحدة من اجل تحسين المستوى المعيشي لهؤلاء، وتسهيل توصيل هذه التجمعات السكانية الصغيرة بمختلف ضروريات الحياة خاصة الكهرباء والماء. بقيت هذه القرى تنزح باتجاه المدن ككل مناسبة، وزاد الأمر تعقيدا تدهور الوضع الأمني في التسعينيات، أين باتت هذه القرى خاوية، فهجر الناس مداشرهم وقراهم وتخلوا عن اغلب نشاطاتهم الزراعية كتربية الماشية، وزراعة الخضر والفواكه الموسمية واغلب النشاطات التي تتطلب من المزارع حضورا دائما، ماعدا أنهم ابقوا على زراعة الأرض السنوية وهجروا باقي النشاطات الأخرى. فشكل هذا الأمر عبئا ثقيلا على المدن، أين زادت الحاجة إلى الشغل والسكن. إلى غاية 1999 أين تمت الالتفاتة إلى الريف مجددا، من خلال إعادة تأهيل هذه المناطق الريفية، وكذا بعض المناطق شبه الحضرية التي لم يتجاوز تعداد سكانها الأربعة آلاف نسمة، فكان البناء الريفي الحل السحري الذي أعاد توزيع السكان من جديد، وفك الخناق عن المدن، فهب هؤلاء السكان إلى قراهم من جديد، وأعادوا بناء سكنات جديدة على أنقاض سكناتهم القديمة. وأنت تتجول بربوع الوطن ترى كيف الريف قد أعيد تأهيله من جديد، حقيقة انه الإنجاز الذي يجب أن نقف عنده، هذه السياسة الرشيدة التي من الناحية المالية غير مكلفة، كذلك من جهة أخرى أعيد الناس إلى قراهم بطريقة ذكية ليشاركوا في تشييد بيوتهم بأيديهم. ترى ما السر في نجاح صيغة البناء الريفي؟وهل نجح البناء الريفي في تأهيل الريف من جديد؟ أم نجح لأنه فك الخناق عن أزمة السكن في المدن ؟ كباقي الصيغ السكنية الأخرى، هل يعاني البناء الريفي من بعض العوائق؟
البناء الريفي: الأرض الموجهة للإنجاز مجانا وإعانة مالية تتجاوز 700000 دج
يقول مواطنو الجهة الشرقية من الوطن، إن البناء الريفي نجح لسببين رئيسيين، السبب الأول هو العقار في القرى والمداشر والبلديات الريفية، فالبناء الريفي يهب لساكنه العقار مجانا، وهذا أمر لم تحتويه أي صيغة سكنية من قبل، الأمر الثاني تلك الإعانة المالية التي تمنحها الدولة لكل مستفيد، هذه الإعانة تعتبر محفزا كبيرا جدا للمستفيد في مباشرة تشييد منزله، فان صعوبة انجاز السكن هي الأرضية، فيكفيك أن تخرج من الأرضية لتجد نفسك قد قاربت على إنهاء الأشغال ماعدا التهيئة الداخلية للسكن فذلك يكون بناءا على قدرة كل فرد. إضافة إلى ذلك الصيغة المالية التي تمنح إلى المستفيد من طرف الدولة، فهي صيغة مضبوطة ومدروسة وموجهة إلى انجاز السكن بطريقة ممتازة، فتمنح الإعانة للمستفيد من البناء الريفي على أقساط ارتباطا وعملية الانجاز، وكذا وقوفا على نسبة الانجاز بالتوثيق والصور، وهذا لغلق أي مجال للتلاعب والمناورة والكسل بالنسبة للمستفيد، فالمستفيد لا تمنح له الإعانة المالية إلا إذا أنجز الأرضية، ويعاد تصويرها وتوجيهها إلى الجهات المعنية ليضخ له في حسابه الجاري أول قسط من هذه الإعانة المالية، وبنفس الطريقة تسير الأمور إلى غاية اكتمال السكن بصفة قانونية وبمعايير محددة مسبقا، ليكتمل معه ضخ أخر قسط مالي من هذه الإعانة المالية باتجاه المستفيد. وأعيد تفعيل السكن الريفي في السنوات الأخيرة، فلم يعد يشمل سكان المداشر والقرى فحسب، بل تم تمديده الى التجمعات السكانية الريفية المتوسطة، بمعدل اقل من أربعة آلاف ساكن، فاستبشرت العديد من بلديات الوطن خيرا بهذا القرار الشجاع الذي فك الخناق عن الصيغ السكنية الأخرى، كما عرف البناء الريفي السير بوتيرة عالية جدا، ولاقى نجاحا باهرا مقارنة بالصيغ السكنية الأخرى. لكن أحيانا تتحول هذه النعمة إلى نقمة، خاصة وقد أضحت بعض الأطراف في بلديات شرق البلاد تتلاعب في توزيع السكن بهذه الصيغة، أين بات يعيش عراقيل كبيرة في توزيعه، فأصبح كغيره من الصيغ الأخرى التي شابتها العديد من الممارسات البيروقراطية، فكيف هي وضعية توزيع السكن الريفي في البلديات الشرقية؟ السكن الريفي يوزع على أنه سكن اجتماعي في بعض البلديات بشرق البلاد أضحى الحصول على سكن اجتماعي أسهل من ناحية الإجراءات البيروقراطية من حصولك على سكن ريفي، القانون كان واضحا، ومرنا في صيغة توزيع البناء الريفي وهذا هو السر في نجاح هذه الصيغة، فيكفيك أن تكون لك قطعة ارض لتحصل على بناء ريفي وتستفيد من إعانة مادية وهذا في المنطقة المصنفة انها من حقها الاستفادة من هذه الصيغة، أما وانك تخضع لمعاينة ولمساءلة عن عدد أبنائك ودخلك ووضعك المالي ووضع سكنك، وترتيبك ضمن قائمة للاستفادة من السكن، وتوضع لك لجان لتدخل بيتك وتعد أوانيك، فهذا أصبح سكنا اجتماعيا وليس سكنا ريفيا، لقد أصبحت العملية في غاية التعقيد، وقد تسير الأمور عكس ما وضعت له. حقيقة من حق الجهات المعنية دراسة حالة كل مستفيد، لكن بصيغة البناء الريفي وليس بصيغة البناء الاجتماعي، وكذلك القانون كان شفافا جدا في توزيع البناء الريفي، فما الغرض من هذه التعقيدات، إضافة إلى تجميد الاستفادة لأعوام، ففي بلدية وادي الزناتي وخاصة قرية عين التراب استفاد العام الماضي حوالي 30 شخصا من البناء الريفي، لكن لحد الساعة لم يباشر أي احد عمليات الانجاز، وكما سبق ذكره العملية كانت وكأنها توزيع سكنات اجتماعية شابتها العديد من التجاوزات، إضافة إلى تأخر التوزيع ونحن على مشارف الانتخابات البلدية الجديدة، مما يعمق الإشكال أكثر، خاصة بالنسبة لأولئك المستفيدين القدامى، فمن يتابع انجاز سكناتهم إذا جاءت إدارة جديدة للبلدية ؟ما يريده المواطنون الذين التقت بهم الشعب بهذا الملف، هو إعادة تأطير توزيع البناء الريفي من جديد، فنظرا لنجاعة هذه الصيغة، يجب أن تبقى محافظة على مميزاتها، ولا يجب ربطها بباقي الصيغ السكنية الأخرى وإلا فقدت خصوصيتها. حقيقة لقد كان البناء الريفي ولازال الحل الأنجع في القضاء على أزمة السكن في اغلب البلديات ذات الطابع الريفي في الجزائر، لكن هذه الصيغة يجب احترامها والإحاطة بها، وتركها كصيغة فريدة مميزة وإعادة تفعيلها أكثر لتشمل باقي التوزعات السكنية الحضرية والتي تقارب 8000 نسمة في المستقبل لان المجتمع الجزائري عموما في تركيبته أغلبه ريف. العيفة.س