تشير المجاهدة عقيلة وارد في حوار خصّت به ''الشعب'' بمقر الجريدة، أن أحداث الثامن ماي ,1945 كانت بمثابة المقدمة لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر، معتبرة التاريخ ملكا للجماعة، وليس ملكا لأشخاص. نحتفل في هذه الأيام بالذكرى ال54 لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر، فماهي ذكرياتكم عن سنوات النضال والجهاد؟ نحن لا نولد مناضلين أو مجاهدين، ولكن من حياتنا اليومية نتعلم، فأنا عشت في وسط عائلة مناضلة، والوالد كان نقابيا. والثامن من ماي 1945 تاريخ ترك وقعه الكبير في نفسي وأنا بنت التسع سنوات. أتذكر يوم 7 ماي ,1945 زارنا ببيتنا في قسنطينة المناضل في حزب الشعب الجزائري محمد تريكي، الذي لم ينم الليل وهو يردد الأناشيد الوطنية، وبخاصة ''حيّو الشمال الإفريقي'' بانتظار موعد الثامن ماي. وفي الثامنة صباحا من يوم الغد، غادر البيت متوجها نحو قالمة ليكون مع الإخوة في الحدث. وفعلا سقط شهيدا في ميدان الشرف بعد تعذيبه، وعدد كبير من المناضلين، وكانت من بينهم الشهيدة زهرة رڤي. هذا الحدث جعلني أتساءل عما يحدث في البلد، خاصة وهذا الرجل كنت أعرفه وعائلته. لذا أنا أظن أن (8 ماي 1945) كان مقدمة لثورة (1 نوفمبر 1945). ❊ كيف كانت بدايتك، وما هو أول عمل قمت به لصالح الثورة؟ لم أبدأ نضالي في ,1945 ولكني أتذكر أول عمل قمت به كان في ,1956 أثناء إضراب الطلبة الجزائريين، وكنت مكلفة آنذاك بتوزيع البيانات على الشعب بعد الإطلاع عليها وكتابتها بواسطة الآلة الراقنة، وهذا دون علم الأب الذي أحضر لي هذه الآلة من مكتبه خصيصا لأتدرب عليها. ثاني عمل كان في ,1957 في إضراب السبعة أيام، حيث كنت أشتغل كاتبة في الإدارة الفرنسية، ولكن بعد ثلاثة أيام ونصف من إضرابي جاء الجيش الفرنسي وأعادني للعمل. ذلك قبل أن تحكم ''اليد الحمراء'' على والدي بالموت، ما اضطره لمغادرة الوطن نحو فرنسا، وبعده بفترة إلتحقت العائلة به، وعند وصولنا باريس طلبنا الاتصال بجبهة التحرير هناك. ❊ باعتباركم عضوا في فيدرالية جبهة التحرير في فرنسا، كيف تصفي لنا مشاركة المهاجرين الجزائريين في الثورة؟ أودّ التكلم عن نظام فيدرالية فرنسا التي قامت بعمل جبّار لتجنيد الجالية الجزائرية في فرنسا، فكل العمال الجزائريين كانوا يساهمون ب30٪ من أجورهم لصالح الثورة، رغم ما كانوا يتعرضون له من سوء معاملة من طرف الشرطة الفرنسية، وصعوبة حالتهم الاجتماعية، إذ كانوا يقيمون في البيوت القصديرية ولهم عائلات في الجزائر تنتظر منهم في كل شهر المصروف. 80٪ من ميزانية الجبهة كانت تأتي من فرنسا، فأنا أقدّر مشاركة العمال الجزائريين في فرنسا. ❊ كيف ترين اليوم علاقة الجزائري بالتاريخ؟ أولا، أتأسف كثيرا لأن المدرسة لم تقم بدور جبار لنقل التاريخ لأولادنا، فلنكون على علاقة مع التاريخ يجب أولا أن نعرفه، أن يعرف الشباب ماذا أعطى الشعب الجزائري لتحرير البلد. صحيح أن العائلة هي التي تربي أولادها على التاريخ، ولكن المدرسة والكتاب المدرسي لهما دور فعّال في هذا المجال. فابنتي اقتربت من شباب تسألهم عن شارع العربي بن مهيدي فلم يعرفوه رغم ما قام به هذا الشهيد البطل. ❊ وبخصوص الشهادات التي تقدم من حين لآخر من قبل المجاهدين، ما هو رأيك في الطريقة الملائمة للتعامل معها؟ أولا، بكتابة التاريخ، فنحن نعرف أن في كل ثورة صفحة بيضاء، فكتابة التاريخ يجب أن تكون مرجعا لأولادنا، والندوات والمحاضرات وما يقدم من شهادات في المناسبات التاريخية مهمة، ولكن لا يجب أن ننتظر (17 أكتوبر) حتى نتحدث عن الحدث أو (11 ديسمبر) حتى نتحدث عن المظاهرات، فهناك بلدان تتكلم دائما عن تاريخها. ❊ ماذا عن التشنجات التي ترافق نشر مذكرات بعض الفاعلين في الثورة؟ أظن أنه لما نكتب لا نتكلم عن أنفسنا، فالتاريخ تاريخ البلد، والتاريخ ملك للشعب وليس ملك أشخاص لأن هذا الشعب عانى من ويلات المستعمر لذا يجب أن يعود التاريخ له، ومن جهة أخرى، كل شخص عاش تجربة من حق الشعب أن يطلع عليها بكل ما تحمل من سلبيات. ❊ في ,1971 عاد الحديث عن التعذيب الذي مارسه المستعمر ضد الجزائريين بعد نشر الجنرال ماسو كتابه ''معركة الجزائر الحقيقية'' وأيضا باعتراف الجلاد ميسونيي بمشاركته في 200 عملية إعدام ضد الفدائيين الجزائريين، وفضح الصحيفة الفرنسية ''فلورانس بوجي'' للجنرال موريس سميث.. هنا يطرح السؤال، رغم اعترافات الفاعلين والمؤرخين، يبقى التعنّت الفرنسي في رفض تقديم الإعتذارات للجزائريين. فما رأيك فيما يحدث؟ ربما لم نكن واقعيون لكي تقدم فرنسا الإعتراف، فمعاناة الشعب الجزائري يجب أن تعترف بها فرنسا. حقيقة توجد كتب فرنسية عديدة تعترف بما قام به المستعمر من جرائم ك ''إينودي'' بوصفه في كتابه ''ٌفىكىٍف مٍْمن فج'' ما جرى في قسنطينة، إذ كان الجيش الفرنسي يطلق الكلاب على عائلات المساجين الجزائريين التي كانت تجيء للإطمئنان على حياة أو موت أبنائها، وبابون الذي قام بجريمة (17 أكتوبر) كان واليا على قسنطينة، أيضا. إذا هذه الأحداث واضحة، وان كان بابون مات، فيجب الحكم عليه ولو بعد مماته. ❊ ما هو العمل لإجبار فرنسا على الإعتذار، فالأقوال وحدها لا تكفي؟ لا، الأقوال مهمة جدا لدفع فرنسا للإعتذار، أما أشياء أخرى فهناك منظمات في بلادنا كجمعية الثامن ماي مثلا تقوم بها، فهي المخولة للمطالبة بذلك. ❊ في رأيك، هل هذه المنظمات تقوم بدورها؟ نعم، فحاليا، جمعية (الثامن ماي) تحضّر في ملف حول المجازر لتقديمه، وكذلك تحضر لكتاب حول ما جرى في 8 ماي .1945 ❊ صرّح المؤرخ الفرنسي بنيامين سطورا أنه على الجزائر أن تطالب بمعرفة قائمة المفقودين ال 3024 في معركة الجزائر. هل توافقينه الرأي؟ نعم، أوافقه الرأي، فالجزائر يجب أن تكون واقفة على هذا الأمر، لكي تعرفه، فحتى قائمة المفقودين في مظاهرات (17 أكتوبر) غير معروفة، فهناك من يقول 200 مفقود، ولكنني أظن أنهم أكثر من ذلك. لذا فعلى الجزائر تتبع هذه الملفات. ❊ ماهي نشاطاتك اليوم؟ أنا حاليا عضوة في المنظمة الوطنية للمجاهدين، وسنشارك في ندوة عالمية بباريس ما بين 18 و20 من الشهر الجاري، تجمع كل المجاهدين حول العالم، وستكون الجزائر ممثلة بطرف نسوي يضمّ إضافة لي المجاهدة ''زهرة كول''. شيء آخر، أنا رئيسة جمعية الدفاع وترقية حقوق المرأة، وأظن أن النساء الجزائريات قدمن تضحيات وشاركن في بناء الجزائر، لذا من حقهن أن يكون لهن نفس الحق مع الرجل، فصحيح أن الدستور أعطى لهن حقوقا، ولكن التشريعات القانونية تقيّد هذه الأخيرة. ف. ز حاجي