ندوة وطنية للإنعاش الفلاحي ضرورة يطمئن الخبير الاقتصادي إسحاق خرشي في حوار مع «الشعب ويكاند»، الجزائريّين بأنّ الدولة ستتحمّل فارق الأسعار بعد ارتفاعها، نظرا لطابعها الاجتماعي ولوضعها المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن كأولوية قصوى، مؤكّدا أنّ عقد ندوة وطنية للإنعاش الفلاحي سيسمح بوضع مخطط استراتيجي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الأساسية كالقمح والحليب والزيت النباتي، كاشفا أنّ الرقمنة وتغيير الذّهنيات هما أهم خطوتين لتنظيم وضبط السوق. - الشعب ويكاند: كيف ترون تذبذبات السوق العالمية؟ وما مدى تأثيرها على السوق الداخلية خاصة وأنّنا على مقربة أيام قليلة من حلول شهر رمضان المبارك؟ الخبير الاقتصادي إسحاق قرشي: قبل الأزمة العالمية، عرفت السوق الوطنية الكثير من المشاكل كارتفاع سعر اللحوم بسبب وقف استيرادها في السنة الماضية، لكن تمّ إعادة فتح الاستيراد تحضيرا لشهر رمضان 2022 من خلال استيراد 10 آلاف عجل استورد منه حتى الآن حوالي 4 آلاف عجل، وهو عدد غير كاف لتغطية السوق الوطنية. في المقابل كل دول العالم تبنّت سياسة عدم التصدير بسبب ضبابية المستقبل، وما ستكون عليه تأثيرات الأزمة بين روسياوأوكرانيا في الأيام القادمة، ما يعني انخفاض المعروض السلعي من المواد الغذائية في العالم، لذلك الدول التي لا تعتمد على إنتاجها المحلي للمواد الأساسية كالحليب، اللحوم، القمح، السكر والزيوت النباتية، كالجزائر التي لم تحقّق نسبة أكبر من 50 بالمائة على الأقل من الاكتفاء الذاتي، ستجد نفسها أمام مشكل توريد أو كميات. ربما سنعرف تذبذبا في شهر رمضان، لكن المشكل سيظهر جليا في الصيف المقبل، لأن المعروض السلعي لهذه المواد الأساسية في العالم سيقل بسبب أن الدول المنتجة للقمح مثلا كروسياوأوكرانيا في حالة حرب والدول المنتجة الأخرى تمتنع عن التصدير، وهو نفس ما وقع في الأزمة الصحية العالمية، حيث فضّلت الدول المنتجة للدواء الاحتفاظ بإنتاجها من الأدوية كبراسيتامول، فيتامين «سي» والكمامات للاستهلاك الداخلي. يجب وضع معايير جديدة، فحتى الإدارة في حد ذاتها والوزراء ومديري الهياكل المركزية من ناحية الذهنيات لا يمكن إعطاؤهم مخططا قديما ونطلب منهم تطبيقه، لأننا أمام رهان جزائر جديدة، لذلك لا بد من ندوة وطنية، لأنّنا إذا افترضنا البحث عن الأرقام الحقيقية لإنتاج الجزائر من الحبوب، اللحوم والبطاطا، وخريطة المشاريع الاستثمارية ومخطط عمل 2023 لن نجد أجوبة مقنعة، لذلك لا بد من ندوة وطنية للإنعاش الفلاحي مثلما فعلنا مع الإنعاش الاقتصادي، حيث استطعنا رفع المشاريع في مختلف مناطق الوطن. - تعرف السّوق الوطنية مشاكل كثيرة كالندرة والمضاربة والفوضى، هل الاستيراد الاستعجالي حل ناجع لمجابهة هذا الوضع؟ حقيقة يوجد مشكل تنظيم داخل السوق الوطنية، لكن يمكن اللجوء إلى الاستيراد الاستعجالي كحل لبعض المشاكل، حيث تحدث رئيس الجهورية عن هذه الصيغة لبعض المواد التي تعرف ندرة أو مضاربة في السوق، خاصة في المواسم كشهر رمضان أين يعرف المجتمع ارتفاعا في الاستهلاك بشكل غير عقلاني بدل العكس. لذلك يمكن التّوجّه إلى استيراد البطاطا مثلا لكسر سعرها وتحقيق في السوق خاصة وأنها لن تعود على الخزينة العمومية بالضرر بعدم استنزافها للعملة الصعبة، وعليه سيكون الاستيراد الاستعجالي حلا للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، حتى يكون للزيادات في الأجور كخفض الضريبة على الدخل معنى من خلال توفّر المعروض السلعي في السوق الوطني. فخفض الضّريبة على الدخل ومراجعة النقطة الاستدلالية، ورفع منحة أصحاب عقود ما قبل التشغيل إلى 13 ألف دينار، وأصحاب الشبكة الاجتماعية من 5000 دينار إلى 13 ألف دينار ونقلهم من وزارة التضامن والمرأة إلى الوظيف العمومي، هي كلّها إجراءات تصب في هدف واحد هو رفع القدرة الشّرائية، في المقابل المعروض سلعي القليل يساهم في رفع الأسعار، ما يجعلنا وكأنّنا تقدمنا خطوة إلى الأمام، وتراجعنا خطوتين إلى الوراء. وعليه للمحافظة على هذه مكسب الزيادة في الأجور يجب أن يقابلها توفير في المعروض السلعي، وقد قال رئيس الجمهورية إنّ أي سلعة يكون فيها مضاربة أو نقص نتوجه مباشرة إلى استيراد الاستعجالي لهذه السلع، بغية المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن، فبالنسبة للدولة لا يهم العجز في الموازنة بقدر أهمية المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن نظرا لطابعها الاجتماعي. - ندرة بعض المواد الواسعة الاستهلاك، وارتفاع أسعارها حتى وقت وفرتها، وما يحدث مع البطاطا، هل النّظام بحاجة إلى آليات تنظيمية جديدة، تمنع استغلال الوضع من سماسرة وأطراف لا علاقة لها بالفلاحة والإنتاج؟ المشكل مرتبط بالرّقمنة لأنّنا اليوم عاجزون عن تتبع مسار السلع من المنتج أو الفلاح حتى وصولها إلى المستهلك، المشكل موجود في سلسلة التوزيع، لذلك يقوم البعض بتخزينها من أجل المضاربة، بل وصل ببعض المضاربين إلى حيل جهنمية بعدم جني البطاطا، وإبقائها تحت التراب من أجل الإبقاء على ارتفاع سعر البطاطا في السوق، لذلك يمكن القول إننا أمام مشكل ذهنيات. إلى جانب مشكل الرّقابة الذي يستدعي تكثيف مجهودات الرقابة عند وجود مضاربة مع وجوب التوجه نحو الرقمنة حتى تتمكّن الدولة من الحصول على إحصائيات دقيقة لغرف التبريد والمخازن مع تحيينها في كل وقت، مثلما فعلت وزارة الصناعة الصيدلانية، حيث أنشأت أرضية رقمية يزودها الصيادلة كل أسبوع بكل ما تعلق بمخزون الأدوية وعملية بيع الدواء حتى تبقى متوفّرة في الصيدليات. لذلك لن يكون الحل بعيدا عن الرّقمنة، وتغيير الذّهنيات من خلال حملات تحسيسية لإقناع المستثمر أن ما يجنيه من بيع السلع بسعر منخفض أكبر بكثير ممّا يجنيه من بيعها بسعر مرتفع، وكذا اتباع سياسة الترغيب والترهيب في نفس الوقت من أجل ضبط السوق الوطنية وتنظيمها. - آخر تقرير لمنظمة التغذية العالمية يتحدث عن ارتفاع أسعار الحبوب والذرة، هل يؤثّر ذلك على غذاء الجزائريّين، من ناحية الوفرة والسّعر؟ حاليا ومستقبلا لن يؤثّر ارتفاع سعر الحبوب والذرة على الجزائر من حيث السّعر لأنّ الدولة ستتكفّل بفارق الأسعار لأنّها مدعّمة، أما من ناحية الكمية حاليا لن يكون هناك أي تأثير، خاصة وأنّ وزير الفلاحة صرّح مؤخرا أنّ الجزائر تملك مخزونا كافيا حتى نهاية السنة من الحبوب، لكن نحن في عالم متغير فحتى وإن كنّا نملك عقودا طويلة الأمد لتوريد الحبوب، يمكن لهذه الدول عدم الإيفاء بالتزاماتها بسبب الظروف الاستثنائية التي انجرّت عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. لذلك لا بد من عقد ندوة وطنية للإنعاش الفلاحي تحدّث عنها الوزير الأول في ديسمبر 2021، خاصة وأنّ الوضع الحالي مناسب جدا لعقدها من أجل معرفة كم نملك من عقار فلاحي، الإنتاج الفلاحي في الجزائر، كم يجب أن يكون الإنتاج والاستيراد، 2022 كم سننتج وكم سنصدّر ونستورد، ونفس الشيء بالنسبة ل 2023 و2024، إلى جانب كمية إنتاج الشُّعب، كل ذلك سيسمح بوضع خارطة للمشاريع الاستثمارية الفلاحية التي على أساسها نحدد احتياجاتنا الحالية والمستقبلية. فمن المتوقع إذا استمرّت الأزمة بين روسياوأوكرانيا ظهور أزمة حبوب أو أزمة توريد هذه المنتجات الغذائية صيف 2022، فالآن هو مشكل أسعار وبعد شهرين أو ثلاثة حسب سرعة الأحداث السياسية التي تقود الاقتصاد العالمي ربما سيصبح مشكل وفرة، التطمينات التي قدّمها وزير الفلاحة يجب أن يرافقها تخطيط استراتيجي للسنتين المقبلتين بتوقع المشاكل ورسم سيناريوهات حلها، لذلك ستتكفّل الندوة الوطنية للإنعاش الفلاحي بكل هذه الخطوات. أما فيما يتعلق بالأعلاف، كل شيء سيتأثّر أسعار النفط، الغاز، والفحم التي تعتبر مدخلات أساسية لأي صناعة، وأسعار الشحن والنقل مرتفعة في العالم، والجزائر تستورد الأعلاف بشكل كبير، لذلك حتى وإن لم يرفع سعرها فسعر الشحن مرتفع جدا، ما يعني عدم وجود وفرة في وسائل النقل، بالإضافة إلى أنّها تستعمل النفط أو الغاز كوقود وتعمل بالكهرباء، وهي مواد بلغت أسعارها مستويات قياسية في هذه الفترة، لذلك أي منتج مستورد ستكون أسعاره مرتفعة جدا. - هل يعني حديث «الفاو» عن ارتفاع أسعار الحبوب والذرة أو الغذاء بشكل عام، ارتفاع فاتورة الاستيراد؟ وكيف ستواجه الجزائر هذه الزيادات وهي من أكبر الدول المستوردة لها؟ تستورد الجزائر 7 ملايين طن قمح وتنتج 3.5 مليون طن، ما يعكس اعتمادها الكبير على الواردات الأجنبية، المشكل المطروح الآن متعلق بالأسعار لكن في المستقبل سيصبح مشكل كميات وعدم توفرها ما يزيد من ارتفاع أسعارها، بالنسبة للجزائر ولحسن الحظ يساهم ارتفاع أسعار النفط في خفض الضرر على الدولة من جراء ارتفاع أسعارها. فأسعار الحبوب وكل المنتجات التي يدخل في تصنيعها الكهرباء، الغاز والنفط سترتفع في العالم، لذلك ستكون الدول الأكثر تضرّرا هي الدول غير النفطية، وبنسبة أقل الدول النفطية ذات القدرة الإنتاجية الضعيفة مثل الجزائر، لذلك يمكن القول أن ما سنتحصّل عليه من إيرادات إضافية سيوجه لتغطية الفارق بين السعر العادي والأسعار المرتفعة حاليا. فلو كانت الجزائر دولة نفطية ذات قدرات إنتاجية كبيرة، سنستفيد بشكل واضح، فمهما ارتفعت الأسعار سيكون ما ربحناه أكبر، لكنها تنتج مليون برميل يوميا، وهو إنتاج ضعيف مقارنة بالسعودية التي تنتج 10 ملايين برميل وروسيا، وأؤكّد هنا أن كل ما تقوم به الدولة هو من أجل إبعاد الضرر عن المواطن وحمايته من تداعيات العملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، لذلك ستتحمل فارق السعر في السوق العالمي بالنظر إلى طابعها الاجتماعي. - كيف تقيّمون صحة التّوقّعات المتحدثة عن موازنة دون عجز، بمجرّد ارتفاع أسعار البترول؟ إذا تحدّثنا عن تعويض الدولة العجز في الموازنة من خلال أسعار البترول دون اللجوء إلى مداخيل أخرى كالضرائب أو أي مصدر آخر للعملة الصعبة، فيجب أن تتراوح أسعار البرميل الواحد بين 114 و118 دولار، أي في حدود 116 دولار للبرميل الواحد حتى نهاية السنة، بهذه الطريقة يستطيع الفارق بين السعر المرجعي 45 دولارا و116 دولار تسديد 30 مليار دولار، الذي يمثل العجز في الموازنة نهاية السنة. طبعا الأسباب السياسية تقف وراء ارتفاع الأسعار لأن الاقتصادية كانت وراء ارتفاعه إلى حدود ال 80 دولارا على أقصى حد 90 دولارا، أما السياسية فكانت سببا في تجاوزه عتبة ال 130 دولار، وفي بعض العقود العاجلة 140 دولار، وإذا استمرّت الحرب على هذه الوتيرة ممكن وصوله إلى 200 دولار في نهاية السنة، الفارق بين السعر المرجعي والسعر التسويقي الحالي لن تسدّد به الدولة العجز بصفة كلية حتى يصبح 0 دينار، لأنه أقل أهمية مقارنة بالقدرة الشرائية، ومعدل التضخم. لذلك لن تسدّد الدولة العجز فقط بالإيرادات الإضافية، فهناك احتياطي الصرف يجب رفعه خاصة وأنه في حدود 44 مليار دولار، فيما لا يجب أن يقل عن 40 مليار دولار، لذلك سيتم توجيه جزء من الإيرادات الإضافية لصندوق احتياطي الصرف، بالإضافة إلى وجود توقعات باستيراد المزيد من المواد الاستهلاكية لأنّ السوق الوطني يعرف نقصا في بعض السلع بسبب خفض فاتورة الواردات، ولأنّ توفّرها سيساهم في خفض الأسعار وهو الأهم، وعليه يمكن القول إن خفض الأسعار ودعم القدرة الشرائية أكثر أهمية عند السلطة العليا من العجز في الواردات. - في حال واصلت أسعار البترول الارتفاع، أي سياسة تطبّق للاستفادة من الوضع خدمة الاقتصاد والمواطن لتفادي أخطاء الماضي؟ ما أتوقّعه هو تخصيص الدولة جزء من الإيرادات لاحتياطي الصرف لضمان استيراد الجزائر لمدة 18 شهرا على الأقل، ولإبقائها بعيدة عن المديونية الخارجية أيضا، بالإضافة إلى التخفيف في إجراءات الاستيراد، ما يعني سماحها باستيراد بعض المواد كانت في السابق ممنوعة من الاستيراد لتوفر العملة الصعبة، لكن لن يصل الأمر إلى درجة استيراد السيارات بل فقط بعض المنتجات غير المكلفة للخزينة العمومية، أما الجزء الثالث فسيتم توجيهه لتسديد جزء من العجز في الموازنة. لكن ما يجب أن يكون أو من المفروض العودة إلى خطة الإنعاش الاقتصادي الاجتماعي 2020-2024 من خلال تمويل القطاعات المختلفة، ففي أفريل 2020 وصلت أسعار العقود الآجلة للنفط إلى -30 دولار للبرميل الواحد، ما استدعى حينها بحث الدولة عن استراتيجية للخروج من هذا المأزق، ثم في أوت 2021 وضعت خطة للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي، تعتبر خطة عمل لكل قطاع حتى يساهم في جلب العملة الصعبة من الخارج وخلق الثروة في الداخل. لكننا لم نتقدّم في هذا المخطط لغياب تمويل إضافي، لذلك إذا أردنا الاستفادة فعلا من ارتفاع أسعار النفط، من الواجب تمويل كل تلك القطاعات من خلال خطة العمل الموضوعة في قطاع الصناعة، المالية والفلاحة حتى نرفع الصادرات خارج المحروقات، وحتى لا يبقى اعتمادنا على محاولات فردية تنحصر في قافلات ترسل إلى دول إفريقية مثل السنيغال وموريتانيا. وهو ما يقتضي مخطّطا استراتيجيا 2020-2024 نقوم فيه على الأقل بتقييم ما تمّ إنجازه لمعرفة نسبة تقدم كل قطاع في تطبيق خطة العمل، لنقوم بعد ذلك بتمويل أو تمويل إضافي لها حتى نستطيع الخروج من التبعية النفطية، لأنّ محاولات التصدير الفردية لن تقدّم الإضافة بل بالعكس قد تخلق ندرة، وتأخذ من احتياجات السّوق الوطنية.