ونحن نتابع بفخر واعتزاز هبّة الشعب الفلسطيني للذّود عن المسجد الأقصى والقدس بالرغم ممّا يعترضه من تقتيل وقمع على يد قوات الاحتلال الصهيوني المدجّجة بالسلاح، تستوقفنا مقولة رئيسة وزراء الكيان الغاصب «غولدا مائير» (الكبار يموتون والصغار ينسون)، في إشارة إلى أن فلسطين سينساها أبناؤها مع مرور السنين، وبأن عامل الزمن قادر على قتل قضية العرب الأولى وإطفاء شعلتها إلى الأبد، لكن لو عادت الصهيونية «مائير» من قبرها، لرأت شيئا لن يسرّها بالتأكيد، فالكبار فعلا رحل الكثير منهم، وهذه سنّة الحياة، لكن الشباب اليافع التي راهنت على نسيانه لأرضه وقضيّته، واقف يدافع بصدور عارية عن مقدّساته وعن فلسطين كلّها، مؤكّدا حقيقة أخطأها غلاة الصهيونية كلّهم، وهي أن الفلسطيني ومهما طال الزمن وتباينت موازين القوة واختلّت، فهو لن يتخلى عن أرضه ومسجده، كما أنه مستعدّ للشهادة من أجلهما. «غولدا مائير» لو عادت من قبرها وشاهدت شباب فلسطين كيف يرابط في الأقصى للدفاع عنه، وكيف يقاوم بالحجر جيشا مسلحا، لطلبت الموت من جديد، فالصغار لم ينسوا كما توهّمت، وها هم يقاومون الاحتلال بما يملكون من قوّة، وخيبتها بكلّ تأكيد ستكون أكبر عندما تقف على الشباب الفلسطيني، الذي يعيش في أراضي 48، أي داخل الكيان الغاصب، وهو يتقدّم المرابطين في الأقصى و يصدّ اقتحامات المستوطنين، ويدافع عن سكان الشيخ جراح المهددين بالطرد بنفس روح التضحية التي يبديها أترابهم في الضفة وغزة وغيرها. المحتلون الصهاينة يعتقدون دائما بأنهم قادرين على فعل كلّ شيء بما في ذلك نزع ارتباط المرء بأرضه، ويظنون بأنهم بالجزرة أو بالعصا يمكنهم من تجريد الفلسطيني من الانتماء لوطنه، فيغادر إلى المنافي أو يستكين لقدره ويرضخ لجلاده، لكن غاب عن هؤلاء الجبابرة بأن الشعوب مستعدّة دائما للتضحية بنفسها من أجل أرضها وحريتها ومقدّساتها، وهذا حال الفلسطينيين، الذين يضعون إسرائيل في مأزق حقيقي، فبعد سبعة عقود من الاحتلال ما زالت جذوة المقاومة متّقدة، وستظل كذلك حتى يتحقق النّصر، ولن نشكّ أبدا في أنّ النّصر آت مهما طال الزمن، خاصة مع صغار فلسطين البواسل، يتوارثون قضيتهم جيلا بعد جيل، ويقدمون التضحيات الجسام في انتظار يوم مشهود يعلو الحق وينهزم الباطل، ويعود فيه الحق لأصحابه.