ختان الأطفال، التهجد في المساجد والوزيعة أهم التقاليد مع اقتراب هذه الليلة المباركة التي ينتظرها الجميع بشوق كبير، والتي تبدأ الاستعدادات لها، ابتداء من اليوم العشرين من شهر رمضان العظيم، حيث تنتعش تجارة موسمية خاصة بيع البخور والشموع، فضلا عن أنواع كثيرة من الحناء والسواك التي تستعمل للزينة في تلك الليلة التي تعد آخر احتفال روحي متميز قبل عيد الفطر. كما تقبل الأسر التلمسانية على شراء ألبسة تقليدية جديدة وأنواع جيدة من البخور تليق بهذه الليلة المقدسة التي تعتبر من خير الليالي عند الله سبحانه وتعالى التي تعد العبادة فيها خير من ألف شهر، فضلا عن ذلك يحافظ التلمسانيون على إقامة عادات روحية واجتماعية متنوعة منها مرافقة أبنائهم إلى المساجد مرتدين اللباس التقليدي بهدف تشجيعهم على الصلاة والعبادة، كما تتميز ليلة القدر أو ليلة السابع والعشرين من رمضان في تلمسان وضواحيها على غرار باقي ليالي الشهر الكريم، بنكهة ورائحة خاصتين لما تحتله من مكانة وأهمية بالغة في قلوب الجزائريين عامة وتلمسان خاصة، فهي ليلة، بالدرجة الأولى، للتسابق إلى المساجد من أجل العبادة والاستغفار وكذلك موعد للإكثار من الدعاء. إلى جانب هذا، فهي موعد لتواصل الأرحام وتلاقي الأسر في مناسبات قلما تتكرر على مائدة الشاي والحلويات والسمر والحديث الحلو الذي تزينه البوقالات، فلا يكاد يخلو بيت تلمساني من مظاهر الاحتفال بالليلة المباركة، من خلال صنع أجواء، كلٌّ حسب إمكاناته، غير أنها تشترك في أنها أجواء مغمورة بالفرحة والبهجة بالليلة المباركة. بالرغم من ان المساجد وطيلة شهور السنة ممتلئة عن آخرها بجموع المصلين، لكنها في ليلة القدر تصنع لنفسها الاستثناء، حيث يهرع المصلون جماعات جماعات لتأدية صلاة التراويح، التي تكون في أيامها الأواخر من أجل ختم كتاب الله مع الإمام وكذلك التذرع إلى الله بخالص الدعاء، وعادة ما تقام في المساجد بعد الفراغ من صلاة التراويح في الليلة المباركة. تعرف المساجد في هذه الليلة المباركة اكتظاظا لا نظير له حيث تقام مراسم صلاة التراويح لتليها صلاة ختم القرآن وبين الفينة والأخرى تخصص فقرات للأذكار والوعظ والإرشاد، يستغلها الناس للإتيان بما لذّ وطاب من المأكولات من كسكس وشاي وفواكه جافة وفطائر لمن يلتزمون بحصن المسجد. ففي هذه الليلة يجتمع الرجال من أجل الذهاب إلى المسجد حيث يبقون إلى الصباح، أما النساء فينهمكن في إعداد المأكولات وهي غالبا عبارة عن طاجين يقوم الرجال بحمله إلى المسجد. وليس بالبعيد أيضا عن جوّ الاحتفال في هذه الليلة التي تستغلها معظم الأسر التلمسانية على اعتبار أنها ليلة مباركة من أجل ختان أبنائها، إذ شاع في تلمسان في السنوات الأخيرة ختان الأطفال في هذا اليوم، لأنها الفرصة التي تجنب الآباء ذوي الدخل المحدود عناء مصاريف كثيرة، لذا تراهم يقومون بختان أبنائهم ضمن احتفالات جماعية يقوم بإحيائها ذوو البر والإحسان. فضمن جوّ أسري مفعم بمشاعر الأخوة تتكفل العديد من الجمعيات الخيرية بالتنسيق مع المصالح الاستشفائية بإقامة حفلات ختان جماعي للصغار وسط أهازيج الزرنة وزغاريد العائلات التي لم يسعفها مالها ولم تمكنها قدرتها الشرائية من الاحتفال بولدها. طقس آخر ارتبط بليلة القدر لا يمكن إغفاله مع كل مناسبة، هو «الوزيعة» أو «القرعة» التي دأبت بعض القرى والدواوير للجهة الجنوبية لدوائر تلمسان على تنظيمه منذ القدم في إطار التضامن والتكافل بين عائلات الدوار الواحد، إنها عملية تضامنية تتوخى تعزيز الروابط الاجتماعية بين أهل الجماعة من السكان وبذل ما في الجهد من أجل الحفاظ عليها، حيث تختلف طقوسها من دوار لآخر وإن اجتمعت في طريقة تنظيمها ما بين توزيع ثمن الذبيحة بين أهل الدوار وما بين أريحية محسنيه. من أهم عادات ليلة القدر لدى العائلات التلمسانية، زيارة المقابر والترحم على الأموات، في صبيحة اليوم السادس والعشرين، حيث تستيقظ الأسر للسحور، وبعد صلاة الفجر تبدأ تلاوة القرآن، إما بالمساجد أو بالمنازل، وبعدها يتجه أفراد الأسرة إلى المقابر لزيارة أهلهم وذويهم للترحم عليهم محملين بالتمر والتين الجاف للتصدق وقراءة القرآن.