يبدو أن العصر الحجري قد ولى ولم يعد متواجدا بمجتمعاتنا المتحضرة التي تقوم بخطوات ضخمة للخروج من زمن التخلف ومظاهر الفقر المدقع التي تعتبر وهي مظاهر التخلف الاجتماعي والاقتصادي التي تضرب في العمق بتقدم وازدهار المجتمعات الإنسانية، لنتفاجأ اليوم بحقيقة أزالت الستار عن معاناة أخفتها بساطة العيش وقسوة الزمن وجعلتها بعيدة عن اهتمام وأنظار من هم غافلون عن حياة عائلات تسيطر عليهم البدائية والجاهلية..يتجرع السكان القابعون داخل أكواخ شبيهة بالكهوف الحجرية منها للسكنات القصديرية العادية حيث تجدهم يعيشون مرارة البؤس والحرمان، قسوة التخلف والجهل، الفقر والحاجة، لتفرض العزلة الخانقة والتهميش سيطرتها على هؤلاء البسطاء الذين حرموا من أبسط ضروريات العيش الكريم هذا رغم مناشدتهم للمسؤولين رفع الغبن عنهم وتوفير مرافق العيش الرغيد. فالمواطن القاطن بهذه المنطقة التي لا تليق حتى لعيش الحيوانات فما بالك بحياة أشخاص فقدوا الأمل في غد أفضل ومستقبل يضمن لهم ولأطفالهم كرامة وعزة المواطن الجزائري فبدءا من انعدام أبسط ضروريات العيش الكريم وصولا إلى صور التخلف واللامبالاة التي طغت على حياتهم المعدمة التي لا ترقى حتى إلى مستوى الفقر والعوز، وينتظر هذا المواطن التعيس ساعة الفرج والتغيير من حالة التهميش و سياسة اللامبالاة التي رمت بكل تداعياتها على نفسية و معيشة أهالي قرية الكاف التي أثرت سلبا على مستقبل شبابها و كسرت طموح متمدرسيها ليجدوا أنفسهم وسط دائرة التخلف و الإهمال. قرية الكاف بعين نحاس التابعة إقليميا لدائرة الخروب بولاية قسنطينة والتي تبعد عن ولاية قسنطينة 17 كلم تغوص منذ سنوات في زوبعة المجهول، وتهيم وسط دوامة الضياع، قرية سكنية تجعلك بمجرد دخولك إليها تشعر بما مر به إنسان الكهوف سابقا ذلك لما يعيشه أهالي الكاف من مفارقات عجيبة سيما ونحن في حياة التحضر والتقدم التكنولوجي، فالسلاسل الجبلية والكهوف الصخرية التي احتضنتهم جعلتهم يعيشون عادات غريبة وطقوس بدائية تعبر عن مدى التخلف الذي يعيش هؤلاء الأشخاص المقصيون من ملذات الحياة العادية، وسط جحيم الكهوف وقساوة القصدير وإقصاء المسؤولين الذين يمكن أنهم اغفلوا وضعية عنونتها البدائية والجاهلية وجعلت من تواجدهم وصمة عار على الجهات المعنية بملف التنمية بالولاية والتحسين من معيشة المواطن بداية من توفير السكن الاجتماعي الذي يعتبر أهم نقطة لمثل هذه الوضعية الحرجة التي لا يمكن لأي عقل بشري تصورها خاصة ونحن على أبواب الألفية الثالثة. »الشعب« وفي زيارة ميدانية وجولة استطلاعية قامت بها لقرية الكاف المنبوذة كشفت عن أصعب حالة يعيشها إنسان عادي، حيث تقبع حوالي 20 عائلة وسط أكواخ جدرانها صخور وقصدير وآخرون يستغلون الكهوف كسكنات تقيهم برودة الشتاء وحرارة الصيف، توجهنا نحو مساكنهم التي وجدناها معدمة يعتمدون على أبسط الإمكانيات للعيش وادنى الشروط لتوفير ما يسد رمقهم ورمق أطفالهم الذين أنهكتهم الأمراض التي تهدد حياتهم ذلك لغياب تام لأدنى ضروريات العيش الكريم، ليبدو لنا جليا أن زمن التخلف لازال يسيطر على عدد من المناطق بعاصمة الشرق الجزائري وهي في أوج مراحلها التنموية ومشاريعها القاعدية الواعدة التي استهلكت الملايير من أجل إحداث التغييرات بعديد القطاعات، وإحداث التغيير على ملامحها بداية من مشاريع تحديث المدينة والقضاء كليا على سلاسل الأكواخ القصديرية التي ضربت بجذور الولاية ليبقى تخطي مشكل التغاضي واللامبالاة هاجس الإدارة المحلية وحلم المواطن الطامع في تحسين ظروفه الاجتماعية، فما بالك في الانتقال من عالم العدم والعوز، وأوضح دليل على هذه الوضعية المزرية التي يتخبط فيها أهالي الكاف بعين نحاس منذ عقد من الزمن. انعدام أدنى شروط الحياة الكريمة بعد اقترابنا من السكان القاطنين بقرية الكاف الذين اعتادوا العيش في عزلة عن العالم الخارجي لمسنا حالة الحرج التي تنتابهم عند الحديث عن الوضعية التي يتخبطون فيها، تحدثوا لنا عن مدى استيائهم لسياسة التهميش والتغييب التي يتعرضون لها من طرف الجهات المسؤولة عن إخراجهم من مستنقع القصدير والكهوف الصخرية التي نقشت فيهم البدائية والقساوة وجعلت منهم قبيلة منبوذة بعيدة كل البعد عن مظاهر التمدن، وقفنا من خلال الجولة على حقائق أصابتنا بالدهشة والذهول ذلك لغرابة الموقف حيث يعيشون على ما يزرعون من خضر رغم أنها قد تكون ملوثة جراء قرب بئر المياه من المقبرة الخاصة بهم، كما تجد أطفالهم يأخذون من المقابر مساحة للعب سيما وأنهم لا يذهبون إلى المدرسة نهائيا، العائلات القاطنة بقرية الكاف يستغربون وضعيتهم المعيشية خاصة وأنهم تحت وصاية جهات معنية وعلى دراية بالوضعية المزرية التي يتخبط فيها السكان الذين يعيشون زمن التخلف والبدائية وجدناهم يعتمدون على طرق منها ما هو بدائي ومنها ما هو مخالف لأعراف الحياة السليمة، لتبقى العائلات عاجزة عن تخطي السلاسل الحجرية التي تحيط بالقرية لتثبت تواجد مثل هذه الحالات الشاذة بولاية صبت كامل اهتمامها على التنمية المحلية وترقية معيشة المواطن خلال تحقيق مشاريع ضخمة، وإطلاق عمليات إعادة الإسكان. السكان وفي حديثهم »للشعب« عن معاناتهم اليومية صبوا جل سخطهم واستيائهم على السلطات المحلية وحتى الولائية التي لعبت دورا كبيرا في تراجع وتدني المستوى المعيشي لهم وجعلتهم يجسدون البدائية في أوضح صورها و يمارسون طقوسا لم تتجاوز حدود التفكير البسيط دون علمهم أن بعضها يخالف أساليب الحياة السليمة، انعدام ضروريات العيش الكريم مع الغياب التام لأدنى فرص العمل جعلتهم يتخذون من الزراعة كمجال للاسترزاق والعيش إلا أن هذه المهن ما زالت غير قادرة على تأمين حياة كريمة لأصحابها بسبب ارتفاع كلفتها وشح المياه وارتفاع أسعار الأعلاف وانعدام المراعي ونقص الإمكانيات وهي الوضعية التي تركتهم وسط حلقة مفرغة عنوانها الضياع لا غير. ...التهميش بكل صوره وبراءة لا تذهب للمدرسة يعتبر انعدام الغاز الطبيعي بقرية الكاف مشكلا آخر يطرح العديد من التساؤلات لدى سكان الكهوف الذين عبروا عن معاناتهم مع هذه المادة الأساسية، سيما في فترات الشتاء والبرد حيث تنخفض درجات الحرارة خاصة وأن المنطقة تقع بأعالي عين نحاس ما يجعلها تعرف برودة لا تطاق وفي حديثهم عن الوضع أكدوا لنا أنهم يعيشون وسط الجحيم عنوانه الوحيد المعاناة هذا في ظل رحلة البحث عن قارورات غاز البوتان أو اللجوء إلى الاحتطاب الذي كثيرا ما يعرضهم لأخطار الحرائق التي يكون ضحيتها دائما الأطفال ولم يجدوا من بديل سوى ذلك في ظل الظروف المناخية القاسية التي تتطلب إمكانيات كبيرة للتعايش معها ولم يجد سكان القرية أي مبرر للسلطات العمومية التي تأخرت في مشروع استفادة المنطقة من الغاز وذلك بعد أن طلب منهم إصلاح القنوات بالمنطقة كشرط لتزويدهم بهذه المادة الضرورية غير أن السلطات لم تف بوعدها معهم بعد أن تكبدوا خسارة نحو 60 مليون كتكلفة إجمالية لإصلاح القنوات. تلاميذ قرية الكاف هم أيضا غير بعيدين عن المعاناة اليومية بدءا من بعد المؤسسات التعليمية وانعدام وسائل النقل والنقل المدرسي مما سبب مقاطعتهم لمقاعد الدراسة وهم في المراحل الابتدائية وصولا إلى قساوة التضاريس وبعد المسافة حيث يضطرون للتنقل مشيا على الأقدام وهو ما ساعد على التسرب المدرسي في أعمار مبكرة، وتتعدى معاناة الأهالي إلى انعدام قنوات الصرف الصحي ما دفعهم لإنجازها بطرق بدائية وعشوائية ليؤكدوا حاجتهم الماسة لتدخل السلطات المحلية لوضع حد للوضعية التي أدت إلى انتشار الأمراض المزمنة والحساسية والروائح الكريهة المنبعثة فضلا عن انتشار الحشرات الضارة خاصة مع ارتفاع درجة الحرارة يشكو شباب المنطقة من انعدام فرص العمل حيث تحولت البطالة إلى شبح يلازمهم إذ لم يجدوا من العمل بالزراعة ذلك باستغلال المساحة المحاذية للقرية والتي تبلغ مساحتها نحو 100 هكتار فضلا عن تربية المواشي والحيوانات التي تعتبر هي الأخرى مصدر رزق هؤلاء الشباب محرومين من مظاهر التمدن والتحضر فمن تجاهل السلطات لهم وضعهم في خانة المنسيين وجعلهم يقيمون دولة خاصة بهم لا علاقة لها مع باقي المناطق منها مساحة زراعية شاسعة تحاذي مقبرة عشوائية يدفنون فيها موتاهم هذه الأخيرة التي تأكل من أعشابها ماشيتهم، هذا وقد أكد السكان أنهم قدموا ملفات طمعا في الحصول على الدعم الريفي من أجل بناء سكناتهم البسيطة لكنهم لم يلقوا أي ردود شافية. المسؤولون مطالبون بالتحرك أرجع أهالي الكاف مسؤولية تراجع و تدني مستواهم المعيشي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للجهات الوصية سيما وان المنطقة تزخر بمميزات سياحية عالية كانت قد تحول المنطقة إلى واجهة سياحية من الطراز الأول وموقع أثري فريد من نوعه خاصة وأنها تتميز بمساحتها الشاسعة وهوائها النقي بينما تزيدها بعض الآثار والصخور المنقوشة جمالا هي ثاني منطقة لا تبعد كثيرا عن ضريح ماسينيسا الأثري، وعلى هذا الأساس وبناءا على الوضعية المزرية يطالب سكان الكاف بعين نحاس من السلطات أن تستمع لانشغالاتهم التي لا تخرج عن حيز العقلانية.