على الرغم من حملات التشويش التي أعلنها البعض لعرقلة وإجهاض الإصلاحات التي باشرتها تونس، فإنّ هذه الأخيرة ماضية في عملية تجسيد الإجراءات التي أقرّها الرئيس قيس سعيّد قبل سنة، والتي تتضمّن على وجه الخصوص تنظيم استفتاء على دستور جديد في 25 جويلية المقبل. حيث أكد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس فاروق بوعسكر، نهاية الأسبوع، أنّ الهيئة باتت على استعداد تامّ لتنظيم الاستفتاء على الدستور في موعده، وأنّ عدد التونسيين المسجّلين للاستفتاء بلغ 9 ملايين و296 ألفاً و64 شخصاً. كما نشر الرئيس سعيد في الجريدة الرسمية مشروع الدستور الجديد بما يتضمنه من تغيير في شكل النظام وتفاصيله حتى يطّلع عليه الشعب ويكون تصويته المرتقب قائما على مدى استجابة نص الدستور الجديد لطموحاته واحتياجاته. حتى الآن، تبدو الخطوات التي قطعتها تونس في مسار «تصحيحها الثوري «هامة بالرغم مما تعترضها من تحديات ومصاعب تفرضها المعارضة بكل أطيافها وأشكالها، والتي تصر على وضع العربة قبل الحصان، وجرّ البلاد إلى انسداد سياسي هي بالفعل في غنى عنه بالنظر إلى الأزمات التي تتخبط فيها، خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. إنّ مسار التغيير الذي أعلنه الرئيس التونسي في جويلية من العام الماضي والذي أنقذ البلاد حينها من انزلاق أكيد نحو العنف والفوضى، يمضي رويدا رويدا نحو الهدف المنشود وهو سد النقائص وملء الفراغات التي تركها دستور 2014 والتي كانت السبب في تسلّل الخلافات بين الرئاسة والبرلمان وأدخلت تونس في خرم إبرة، وكادت تعصف بانجازات تورثها، التي كانت بالفعل نموذجا للتغيير السلمي الناجح وللانتقال الديمقراطي الموفق في العالم العربي. الرئيس قيس سعيد، نفّذ، لحد الآن، تعهداته وهو ملتزم باحترام أجندة إصلاحاته ومواعيدها، والكرة الآن في مرمى المعارضة والرافضين له ولحكمه، فعلى كل هؤلاء أن يستوعبوا صعوبة الوضع الذي تمر به تونس، ويدركوا مدى خطورة التهديدات التي تواجهها، ليجنحوا إلى خفض التوتر أولا، والتوقف عن التصعيد والزج بالشوارع في مسائل سياسية لا تحل إلا حول طاولات الحوار، فخيارات الاضرابات والاحتجاجات التي تبناها البعض لا تضيف شيئا للبلاد والشعب غير تعقيد الوضع، وللمعارضة الحق في الدفاع عن مواقفها، لكن ليس باستعراض عضلاتها في الشوارع وتخوين هذا وذم ذاك، بل من خلال صندوق الانتخابات. لهذا من المهم أن ينخرط التونسيون في عملية الاصلاح بالإقبال على الاستفتاء، فتزكية الدستور الجديد أو رفضه يتوقف في كل الأحوال على رأيهم ومن المهم جدا الانتهاء من مسألة الدستور الجديد للمضي إلى الانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر، ومن ثمة تشكيل برلمان جديد بصلاحيات محددة تخدم تونس وشعبها وليس أحزاب ومجموعات كل همها ما تكسبه وما تجنيه في لعبة التحالفات وشد الحبال. تونس في مفترق الطرق، والمخرج الآمن هو ذلك الذي يعتمد على الحوار وصناديق الاقتراع ليتحقق التغيير الهادئ كما حصل عام 2011.