أمين الزاوي، أمل بوشارب، فيصل الأحمر، محمد يحياوي، مشري بن خليفة، محمد عبيدو، حمزة بونوة، حسان بن نعمان، يوسف شنيتي، وعبد الرزاق جلولي.. هي نخبة من أعلام الثقافة والإبداع في الجزائر، كلّ له جوابه عن سؤال موحّد، من شقّين: « بعد ستّين سنة من الاستقلال، ما الذي يتوجب على المثقف والفنان الجزائري فعله لتوطيد وتدعيم مكاسب الاستقلال.. وكيف يكون التطلع إلى المستقبل دون التنكر للماضي الحضاري والتاريخ الثوري؟».. اختلفت الإجابات، وتباينت الرؤى، لكنّها نبعت جميعا من حبّ الوطن، وصبّت في خدمته وحتمية الذود عنه. بمناسبة عيد استقلال الجزائر، يطرح سؤال واحد، موزّع على مجالات عدّة: الأدب (إبداعا ونقدا)، والفكر، والترجمة، والمسرح، والسينما، والفن التشكيلي، والنشر، وطبعا الإعلام الثقافي. وللإجابة عن السؤال، اقتربنا من عشرة أسماء تألقت في سماء الثقافة داخل الجزائر وخارجها: الروائي والأكاديمي د.أمين الزاوي، الروائية والمترجمة أمل بوشارب، الروائي والشاعر د.فيصل الأحمر، مدير المسرح الوطني الجزائري محمد يحياوي، الناقد والشاعر د.مشري بن خليفة، الناقد السينمائي والشاعر والكاتب الصحفي محمد عبيدو، الفنان التشكيلي ومؤسس «ديوانية الفن» حمزة بونوة، صاحب دار الأمة ورئيس لجنة النشر والتوزيع بالمركز الوطني للكتاب حسان بن نعمان، والزميلان بالإذاعة الثقافية، المثقّفان يوسف شنيتي وعبد الرزاق جلولي. أمين الزاوي: لا يكتمل الاستقلال إلّا بحضور الأدباء دافع د.أمين الزاوي، عن الأدباء خصوصا والمبدعين عموما، مهما كانت اللغة وأشكال التعبير. واعتبر أن الأدباء يقدمون رسالة دبلوماسية استثنائية، متسائلا عن السبب وراء غياب «جائزة الدولة التقديرية» التي تقدّم للكتّاب والأدباء. أكثر من ذلك، يرى الزاوي أن أدباء الجزائر، بنصوصهم الإبداعية، أعطوا معنى وبُعدا إضافيا للاستقلال، ويقول في هذا الشأن: «أنتمي إلى جيل فتح عيونه قراءة على نصوص العمداء من أمثال محمد ديب، ومولود معمري، وآسيا جبار، ومالك حداد، ومولود فرعون، والطاهر وطار، وعبد الحميد بن هدوقة وغيرهم، كنت أقرأ أدبهم مؤمنا بأنهم هم روح الوطن، وأن الاستقلال السياسي لا معنى له بدون هذه الروح الإبداعية التي تمثلها نصوصهم العالية، فأدبهم رسالة دبلوماسية استثنائية، فصوت البلد يصل قويا ومؤثرا إلى كل شعوب العالم عبر الرواية والشعر، أكثر منه من خلال السياسة أو الاقتصاد أو الحرب.» ويضيف: «الاستقلال الذي لا يعبر عنه الأدب وبقوة ولا يشارك في بناء حريته وديمومته الأدباءُ هو استقلال منقوص، لذا أعتقد أنه على الرغم مما أنجز خلال الستين سنة، إلا أن الأدباء يستحقون أكثر، فأنا أتأسف ألاّ تكون لبلدنا «جائزة الدولة التقديرية» وهي جائزة سنوية تعطى للكتاب في مختلف التخصصات، وهي عادة جارية في كل البلدان، أتأسف ألاّ يكون للأدباء أوسمة تمنح لهم سنويا، أن ألّا تحمل شوارعنا وفضاءاتنا التربوية والثقافية أسماء الأدباء بكل اللغات التي يكتب بها الجزائريون.» ويخلص الزاوي إلى أن «الاحتفاء بالأدباء الجزائريين على اختلاف لغات تعبيرهم ودون إقصاء، وعلى اختلاف حساسياتهم الجمالية والفكرية، هو الطريق الأسلم والأفضل لتعزيز الوحدة ولمّ الشمل.» أمل بوشارب: ضرورة تفكيك أجندات النيوكولونيالية تذكرنا الروائية والمترجمة أمل بوشارب بالتفاعل والاعتماد المتبادل الذي يفرضه زمن العولمة، مع ما يحمله من آليات الاستعمار الجديد، ما يتوجب أخذه بالحسبان للحفاظ على مكاسب الاستقلال. وتطرح الروائية رؤية لثنائية «المثقف والسلطة»، تذكر نوعا ما بما جاء في كتاب يحمل نفس الاسم لإدوارد سعيد. وترى بوشارب أنه «على المثقف أن لا يتخلى تحت أي ظرف عن موقفه النقدي حتى إن بدا الأمر أسهل نظريا في زمن الأزمات منه لزمن التمتع بالمكتسبات، وذلك بسبب وضوح علاقات الهيمنة في وقت الحروب وتحديدا مع الاستعمار التقليدي. إلا أن وظيفة المثقف تكمن في التنبّه لديناميكيات عمل السلطة وأشكال تكريس الهيمنة غير المباشرة في زمن السلم أيضا، والذي قد يكون زمن استعمارٍ جديد موارب.» والإحالة للسلطة هنا، تضيف محدّثتنا، «تتحدد بمعناها الأشد محلية ممثلة في سلطة رئيس البلدية في أكثر الأماكن نائية من القطر، لتصل إلى سلطة مدير صندوق النقد الدولي وصنّاع القرار العالمي الذين يهيمنون بشكل غير مباشر على حياة البشر في كل مكان. وأي محاولة للانحياز لسلطة ما على حساب أخرى يوقع المثقف في فخ خيانة دوره المتمثل في عدم الاستكانة مطلقا لأي من تشكلاتها محليا أو عالميا، حيث تصبح عملية مقاومة الهيمنة هنا مزدوجة.» وتختم أمل قائلة: «بعد 60 سنة من استرجاع السيادة الوطنية، لابد من التذكّر بأننا لا نعيش استقلالنا بمعزل عن العالم، وأننا في زمن العولمة لابد من النضال على نحو أفقي وعمودي من أجل الحفاظ على مكاسب الاستقلال وطنيا الذي لن يتم سوى من خلال تفكيك أجندات النيوكولونيالية على الصعيد العالمي.» فيصل الأحمر: تجديد الخطاب لمواجهة تحدّيات المستقبل من جانبه يطالب الأكاديمي والروائي والشاعر د.فيصل الأحمر بالتجديد في الخطاب، حفاظا على مكاسب ثورة نوفمبر. ويرى أن «خطاب الاستقلال الذي هو نفسه خطاب الثورة التحريرية يعاني من عطالة في الأداء ربطت مكاسب فعل الاستقلال بما يشبه التراث الخطابي الذي ارتبط بفكرة ضرورة المحافظة عليه، ثم أنتج الفكرة التي مفادها أن المحافظة على المكاسب هي نفسها المحافظة على «الصيغة الخطابية»... أي أننا قد أحلنا على «الوضع المتحفي» ذلك القالب اللغوي الجليل المقدس الموروث، في حين أننا الذي نعلم جميعا أن العمر التداولي لأي قالب لغوي لا يتجاوز عشرين سنة في أطول الخطابات عمرا قبل أن يصبح ظاهرة لغوية ميتة. لغة غير قابلة للانتقال على محور الزمن. قوالب تفرغ تدريجيا من المعنى...» ويضيف الأحمر: «أعتقد أن أفضل شيء نفعله لهذه الثورة العظيمة هو ضخها بتمثلات لغوية جديدة. سيكون الجهاز اللغوي ما بعد الاستعماري للفيلسوف إدوارد سعيد مثلا أكثر نجاعة من تكرار شعارات يضر بها ارتباطها بفترة زمنية معينة، إذا مرت الفترة ومات معها محتوى الشعارات.» ويخلص إلى أنه، «إذا كان أن نفكر في طريقة تجعلنا نواجه المستقبل بمكتسبات ثورتنا العظيمة، فلا بد في عرفي من ضخ تمثيلات جديدة على هذه الثورة، فلا بد من مبدعين كبار وأقوياء يدخلون رمزية الثورة في أعمال سينمائية كبرى وأعمال درامية تفرض نفسها، وبرمجيات أو ألعاب فيديو وما شابه مما ينتمي إلى الثقافة الجماهيرية الواسعة، ومما يعمل على هندسة مخيال الجمهور الشاب الذي هو الغاية المستهدفة من كل زحام يصيب الخطابات.» محمد يحياوي: على الإبداع أن يعمّق مشاعر الانتماء اقتربنا من محمد يحياوي، مدير المسرح الوطني الجزائري، ساعين إلى الاستفادة من رؤيته وتجربته باعتباره مسيّرا ومنتجا في مجال الفن الرابع. واعتبر مدير «محيي الدين بشطارزي» أن أهمية السؤال «تكمن في جوهر ممارسة الفن والمسرح على وجه الخصوص؛ فمن المتفق أنّ الفنون في مُجملها وباختلاف أنواعها تساهم على اقامة جوّ اجتماعي يسوده الالتزام والتآلف، بل إنّها تُعمّق الارتباط بالمكان والانتماء إلى الوطن، كذلك كان المسرح الجزائري إبان الثورة المجيدة بإبداع أبنائه، وعلى هذا الجيل، مبدعي وفناني الاستقلال، أن يبقوا على ذلك الالتزام...» «وهنا نشير؛ أنّه لا يمكن لمؤرخ للمسرح الجزائري أن يتجاوز تلك الأسماء التي أبدعت وضحت لأجل هذا الوطن، إلاّ وذكرها لما قدمته من نصوص وأعمال حوت قيما جمالية رائعة وقفت على مفاهيم ألقت الضوء على كثير من القضايا الإنسانية، بل كانت مساهمة في تكوين عقلية الإنسان الجزائري»، يقول يحياوي، مضيفا: «الإبداع هو وليد اللّحظة، وكنهه محطات الماضي وغايته إنارة الآتي، وعليه؛ فالممارسة الفنية على اختلاف أنواعها بمناسبة أو بشكل منتظم هي في الأساس بمثابة تطبيق عمليّ لتجربة الشراكة المجتمعية الهادفة، فلا يمكن للإبداع بحال أن ينفصل عن ماضيه بحاضره ومستقبله، وللتطلع إلى مستقبل دون التنكر إلى ماضينا، على المبدع أن يراعي فيما ينشئ من عوالم جمالية وفنية بالأساس على تعميق مشاعر الاعتزاز والفخر والانتماء، من هنا تتجلى أهمية ما ينتجه في بناء المجتمع، وكذا على تعميق هذه المشاعر بما تعلّق بتاريخ أمّته وغنى ثقافتها وسمو ما تركوه له أسلافه من إرث حضاري يعبّر عن فهمهم للوجود وفي إدارة أزمنة المحن التي تتخلل مساره الحضاري، فالفنون أيا كانت هي مصاحبة للإنسان في جميع أزماته ورخائه، إذ أنها المعبر عن الهوية ومقياس الحضارة وذاكرة الشعوب، والمجتمع بلا فن هو مجتمع عاجز عن تقديم الخدمة للإنسانية، من هنا وجب الرعاية أكثر بهذا الأسلوب التعبيري الإنساني...» مشري بن خليفة: المثقف لعب دوره قبل الاستقلال وبعده الدكتور مشري بن خليفة باعتباره أكاديميا، وناقدا، وشاعرا، ومتابعا للشأن الثقافي ركز في إجابته، على التزام المثقف الجزائري وانخراطه في القضية الوطنية، قبل ثورة التحرير وإبّانها، وفي مسيرة البناء والتشييد بعد الاستقلال، فهذا المثقف، لم يقصّر، ولم يتخلّ عن دوره الإنساني والوطني مع جميع العراقيل، والعوائق، والذهنيات، والصراعات، والتجاذبات. يقول بن خليفة: «أعتقد أن، المثقف الجزائري لم يتخلّ عن دوره الإنساني والوطني بحكم انتمائه لهذا الوطن، لأنه عبر التاريخ كانت له مواقف مشرفة ونضالية، حيث انخرط في الحركة الوطنية في ظروف صعبة أثناء الحقبة الاستعمارية، ثم التحق بالثورة التحريرية عن قناعة وساهم بفعالية في الكفاح المسلح لتحرير الإنسان والأرض من المستعمر الفرنسي، وساهم في الميدان بوصفه طبيبا أو ممرضا وفي الاتصالات بوصفه تقنيا أو في المجال الدبلوماسي للتعريف بالقضية الجزائرية عبر العالم والدفاع عن عدالتها في المحافل الدولية، أو في مجال الإعلام أو في المجال الثقافي والأدبي بالكتابة الفنية، كما انضم عديد المثقفين إلى الحكومة المؤقتة في تونس أو القاهرة.» ويرى بن خليفة أن المثقف «فاعل أساسي في المجتمع، وكان لزاما عليه أن يقوم بدوره التاريخي في تفعيل الواقع وتثويره بأفكاره ورؤاه، انطلاقا من رؤيته ومرجعيته الحضارية والتاريخية، ولهذا كانت مساهمته في مرحلة الاستقلال كبيرة، علما أن الجزائر عند استقلالها خرجت منهكة من حرب شرسة ضد الاستعمار، ومع ذلك استطاع المثقف الجزائري الانخراط بكل فعالية في مرحلة البناء والتعمير والتشييد وترميم الذاكرة وتكريس الفعل الثقافي والعمل على إعادة كتابة التاريخ برؤية وطنية، وتكريس الفعل الثقافي بوصفه عملا يحقق الوعي بالتغيير والتحديث.»