جمع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الرئيس الفلسطيني محمود عباس برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في لقاء «تاريخي» على هامش الاحتفالات بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر. وتأتي الخطوة بالغة «الرمزية» وسط ترقب لفرص إعادة بعث مسار المصالحة الفلسطينية. نالت صورة الرئيس تبون وهو يتوسط أبومازن وهنية، ويشدّ على يديهما، عشية أمس الأول، بالمركز الدولي للمؤتمرات، اهتمام وسائل الإعلام الدولية واستقطبت جمهور المغردين والنشاط على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبر الجمع بين أهم شخصيتين سياسيتين فلسطينيتين، في مكان واحد، من أبرز اللحظات المميزة في الاحتفالات الضخمة التي أقيمت تخليدا لذكرى استرجاع السيادة الوطنية، إذ أثبت الجزائر، مرة أخرى، احتفاظها بالمكانة الخاصة التي توليها للقضية الفلسطينية مهما كانت الظروف. ويعد لقاء الرئيس الفلسطيني، محمود عباس برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الأول من نوعه منذ 6 سنوات، حيث كان آخر اجتماع لهما في العاصمة القطرية الدوحة، في أكتوبر سنة 2016. لذلك وصف مراقبون، الحدث الذي هندسه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ب «اللقاء النادر» والاختراق» الكبير في اتجاه مساعي إحياء مسار المصالحة الفلسطينية، بين حركتي فتح وحماس تحديدا وجمع كافة الفصائل حول مشروع تحرير وطني فلسطيني موحّد. الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، أرفقت صور استقبال الرئيس تبون، بالوفدين الفلسطينيين، بتعليق قالت فيه: «الرئيس الجامع يلاقي بين الإخوة الفلسطينيين، على أرض الشهداء في ذكرى الاستقلال». ولطالما شكل الانقسام الفلسطيني الحاصل منذ سنة 2007، «هما» للرئيس تبون، الذي أكد في مناسبات عدة أنّ «جمع» الفرقاء الفلسطينيين يعد هدفا استراتيجيا يدفع بالقضية العادلة والمركزية نحو الأمام. قبل المصافحة المصافحة النادرة بين عباس وهنية، جرت بحضور عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية زياد أبو عمرو، ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، وقاضي قضاة فلسطين، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، محمود الهباش، ومستشار الرئيس الدبلوماسي، مجدي الخالدي، والقيادي في حركة حماس، سامي أبوزهري. وفي وقت حاولت بعض الأطراف، تسجيل الموقف على أنّه لحظة فرضتها هيبة المكان (الجزائر) وقدسية الحدث، إلا أنّ الجهود الجزائرية التي بذلت في الأشهر الماضية، كانت كفيلة بالتأسيس للقاء مماثل، ولما لا الذهاب نحو تنظيم المؤتمر الجامع لكل الفصائل الفلسطينية الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في السادس من شهر ديسمبر 2021. وأعلن يومها الرئيس تبون، في مؤتمر صحفي مشترك مع محمود عباس الذي زار الجزائر وخصّ باستقبال تاريخي (21 طلقة مدفع بالمطار) عن «استضافة ندوة جامعة للفصائل الفلسطينية في الجزائر»، مؤكّدا أنّ «القرار اتخذ بعد أخذ رأي الرئيس أبومازن». ورحّبت كل الفصائل الفلسطينية، دون استثناء بمبادرة الجزائر، وأكّدت «أنّ تلبيتها فرض عين لأنّها فرص خاصة لا يمكن تفويتها، لأنّ الأمر يتعلق ببلد ملهم بثورته ويحمل الهم الفلسطيني في كل وقت ومكان». وشرعت جهات رسمية جزائرية، في استقبال وفود من مختلف الفصائل الفلسطينية، منذ جانفي الماضي، ورغم أنه لم يتسرب عنها الكثير لوسائل الإعلام، إلا أنّها شكلت مناسبة لاطلاع الجزائر، عن مقترحات كل فصيل من الفصائل وتصوره لإنهاء الانقسام وتكريس المصالحة. دور محوري التحركات الجزائرية في المسألة الفلسطينية، فجرت انفعالات هستيرية لبعض الأطراف التي تحاول، منذ عقود، احتكار الملف الفلسطيني، ثم انتقلت، في السنوات الأخيرة، للانحدار باتجاه التصفية النهائية للقضية، من خلال الضغط على الفلسطينيين للقيام بكافة التنازلات الممكنة. ومن أجل التشويش على الدور الجزائري، تحاول هذه الجهات حصر الدور الجزائري بخاصيتي «الفشل أو النجاح» في بعث مسار المصالحة الفلسطينية. غير أنّ حقيقة الاختراق الجزائري، يتعدى المصالحة كهدف مرحلي، ويمتد إلى القضية كهدف استراتيجي وبتخليصها من قوى تقليدية مديرة للملف برتابة وميوعة، وتكريس حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف. وترفض الجزائر بشكل قطعي، اعتبار حالة الانقسام الفلسطيني، مسوغا يبرر الإمعان في سلب الحقوق الفلسطينية أمام العالم. من أجل ذلك، وجه رئيس الجمهورية، رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، شهر رمضان الماضي، شدّد فيها على ضرورة التدخل لوقف الاعتداءات الصهيونية الهمجية على المسجد الأقصى المبارك. واتخذت الدبلوماسية الجزائرية، موقفا حازما وغير مسبوق، في الفترة ذاتها، ممّا يسمى لجنة القدس التي تتولى رئاستها المغرب، حين رفضن تحويل معاناة الفلسطينيين كمطية للإشادة بالجهود «الوهمية» للملك محمد السادس. وفي وقت استقبل مسؤولو الكيان الصهيوني وقتلة أطفال ونساء فلسطين في القصور، أصدر رئيس الجمهورية، حزمة من التدابير لصالح فلسطين، خلال زيارة عباس الماضي، إذ قدم مساهمة مالية ب 100 مليون دولار، وأضاف 100 منحة لطلاب فلسطين في الجامعات الجزائرية. وتسعى الجزائر، بإصرار بالغ «لوضع القضية الفلسطينية في صُلبِ أولويات قمة جامعة الدول العربية التي ستحتضها في الفاتح نوفمبر المقبل». وصرح الرئيس تبون باعتقاده أنّ « بلورةَ موقف موحّد ومشترك حول دعمِ حقوقِ الشعب الفلسطيني عبر إعادة التمسك الجماعي بمبادرة السلامِ العربية لعام 2002، سيكون له الأثرُ البالغُ في إنجاح أعمالِ هذه القمة». ويرتقب أن تتواصل جهود الجزائر، لتحقيق التقارب الفلسطيني، حول القضايا الخلافية التي تتعلق أساسا بتنظيم انتخابات عامة (رئاسية وتشريعية)، وتوسيع وعاء المجلس الوطني الفلسطيني وتعزيز منظمة التحرير الفلسطينية.