مع تعرض الاقتصاد العالمي إلى هزّة قوية، قبل أيام قليلة، إثر انخفاض سعر العملة الأوروبية الموحدة اليورو مقابل الدولار الأمريكي، إلى أدنى مستوى منذ 20 عاما، يبقى التساؤل كبيرا حول تداعيات الحدث على الاقتصاد الجزائري، الذي يشهد مرحلة فارقة في تاريخه، في ظلّ تهافت أوروبي غير مسبوق على السوق النفطي الجزائري، الذي لا يزال يتقدّم صادرات الجزائر، والعمل على تحقيق إقلاع اقتصادي يمكن البلاد من خلال الاعتماد على الإنتاج الصناعي والخدمات من رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات. يؤكد الأستاذ في الاقتصاد بجامعة ورقلة ناصر سليمان، أنّه أيّا كان تفسير الظاهرة، سواء انتعاش سعر الدولار بعد رفع معدلات الفائدة الأمريكية أو تراجع اليورو بسبب الانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم في أوروبا إلى مستويات قياسية، فالنتيجة واحدة وهي تعادل اليورو والدولار في سعر الصرف، يوم 12 جويلية، الحالي ولأول مرة منذ 2002، بل إنّ سعر اليورو انخفض عن سعر الدولار في بعض الفترات، خلال الأيام القليلة الماضية، قبل أن يعود إلى تفوق طفيف عن الدولار. وأورد المحلل الاقتصادي، أنّ تداعيات الحدث على الاقتصاد الوطني يتجلى في جانبين، الأول تحسن طفيف في القدرة الشرائية للجزائر فيما يتعلق بالواردات، أيّ المشتريات من الخارج، لأنّ معظم صادراتنا هي من المحروقات ونقبض مقابلها بالدولار، ومعظم وارداتنا من الاتحاد الأوروبي وندفعها باليورو، وبالتالي فنحن نقبض بعملة قوية وندفع بعملة تشهد تراجعاً، لذلك يضيف ناصر سيكون هناك تحسنا طفيفا لأنّه ليس بالقدر الكبير، كما أنّه غير مضمون الاستمرار كما سنرى لاحقاً. أما النقطة الثانية، وفق شروحات الخبير الاقتصادي، فتظهر في احتياطي الصرف للبلاد، حيث يصبح في وضع أكثر أمناً لأنّ معظمه بالدولار، وهو يشهد انتعاشاً وقوة، في الآونة الأخيرة، وقد يستمر في قوته مادام هناك طلبا كبيرا على الطاقة، وهي في معظمها مسعرة بالدولار عالمياً. وأسهب ناصر سليماني، في الدفاع عن تحليله بالقول « درسنا في الاقتصاد، أنّ انخفاض سعر العملة لأيّ بلد سيؤدي إلى ارتفاع صادراته، ونحن ثلثي وارداتنا تأتي من الإتحاد الأوروبي. أضف إلى أنّ معظم احتياطي الصرف عندنا بالدولار، لأنّ 96 بالمائة من صادراتنا محروقات، وهي مسعرة عالمياً بالدولار مع نسبة قليلة من العملات الأخرى وليس سلة متنوّعة من العملات. وحول حتمية ارتفاع سعر الدولار، الذي يؤدي إلى انخفاض سعر النفط، أكد ذات المتحدث أنّ «الأمر كان ليكون صحيحا في الحالة العادية، أما حالياً وفي ظلّ تزايد الطلب العالمي على الطاقة، فالدول كلها تطلب الدولار لشراء الطاقة، أو تطلبه كملاذ آمن بعد رفع أسعار الفائدة الأمريكية عدة مرات». وأكد الأكاديمي ذاته، أنّ تأثير الحدث الاقتصادي على الجزائر، سيكون تأثرا طفيفا إذا استمر تراجع اليورو، حيث ستتحسّن القدرة الشرائية الخارجية للجزائر من خلال الواردات، وربما ينعكس ذلك على انخفاض طفيف في الأسعار بالنسبة للسلع المستوردة من الإتحاد الأوروبي، وللمواد الأولية لصناعتنا، لافتا إلى أنّه وبعد رفع سعر الفائدة من البنك المركزي الأوروبي، ربما سيتحسن سعر الأورو. وفي سياق ذي صلة، شدّد المختص في الشأن الاقتصادي، أنّه بالنسبة لليورو يبقى غير مستقر وليس بالضرورة أن يبقى في تراجع، خاصة بعد أن قرر البنك المركزي الأوروبي، نهاية الأسبوع الماضي، رفع أسعار الفائدة ب 50 نقطة أساس (أي 0.5 %) لأول مرة منذ 2011، ممّا قد يؤدي إلى تحسّن في سعر صرف اليورو، خلال الأيام القادمة.