شارك أول أمس بقصر الثقافة مفدي زكرياء في اختتام الاحتفالية الأدبية الشعرية الموسومة ب»الشعر لغة الوطن الشامخ»، ثلة من أساتذة وأكاديميين وشعراء، وذلك تحت إشراف وزارة الثقافة والفنون، بالتنسيق مع بيت الشعر الجزائري، حيث عرفت الفعالية برنامجا ثريا توزع بين تثمين الحركة الشعرية الجزائرية، وبين الالتفاف حول الإبداع في النظم الشعري الشعبي، إلى جانب التفكير في آلية رصد المادة الشعرية بكل أشكالها خاصة الشاهدة على التاريخ بكل ما يحمله من صور لبطولات ونضال الشعب الجزائري العصي على الاستعمار في كل الأزمنة. تطرّقت الدكتورة سليمة مسعودي في مستهل الجلسة التي ترأسها الدكتور عبد الحميد بورايو، المخصّصة لليوم الثاني والأخير من الفعالية مداخلة دارت حول «مقاربات تأويلية وجودية لنصوص من الشعر الجزائري»، إلى مسألة إعادة البحث في المعنى والفكرة في الشعر عن طريق الفلسفة، ويأتي هذا المنطلق الفكري للشعر تأسيسا للمعرفة الإنسانية، حيث طرحت المتحدثة أمثلة لأنساق شعرية ذات الدلالة للمقاربة التأويلية. وفي ذات السياق، غاصت المتحدثة في العمق الشعري برؤية فكرية، كما عرَّجت عن شعر الديوان «فالشاعر وهو يقارب شعره وكلماته فإنه يكون في ميزان مستمر ليتمظهر بها.. كما ينتقل عبره من جرح المعنى واليقين إلى جرح اللغة، وذلك من خلال علاقة مجازية.. لأن فلسفة الشعر لا تُبنى إلا على المجاز»، كما استشهدت في مداخلتها على غرار مفهوم نص الديوان بالنص الصوفي، إضافة إلى نص المخاطبات، محاولة منها إعادة البحث عن المعنى والفكرة عن طريق الفلسفة، التي تمثل الكلام غير الشعري وفق الرؤية التأويلية. الشاعر لعب دور الإعلامي والمؤرخ أما الأستاذ بشير بديار تناول في مداخلته «الشعر الشعبي الجزائري.. المقاومة والنضال في عهد الاستعمار»، نصوص من شعر المقاومة التي كانت خلال القرن 19، شعر يتميز بروح إعلامية حيث من خلاله أراد الشاعر أن يقدّم للشعب الجزائري تفاصيل تاريخية ملحمية، فنظرا لغياب المؤرخ فإن الشاعر لعب دور الإعلامي والمؤرخ، حيث أعطى الشعر صبغة ملحمية. كما قرأ الأخير على الحضور، نماذج شعرية ذات العلاقة القوية بين الأبيات المنظومة وبين الروح الوطنية، ومن بين الأسماء البارزة التي ذكرها والتي تعرضت للاضطهاد والسجن بسبب الشعر القومي النضالي الذي كان محل تهديد بالنسبة للمستعمر الشاعر علي بن بخبخ وعبد الله بن كريو والشلالي، عبد الرحمان طه، وغيرهم من الشعراء المجاهدين الذين لم يتوانوا لحظة في نشر الحماس بين أفراد الشعب ضد العدو المستدمر الغاشم، وذلك من خلال أشعارهم التي تتغنّى بالوطن.. فيما تحدّث الدكتور أحمد حمدي عن شخصية لإحدى الشاعرات الغابرات، المجاهدة ابنة وادي سوف فاطمة منصوري، التي أبدعت في تصوير المحطات العصيبة التي مرّ بها الشعب الجزائري إبان الاحتلال الفرنسي، وهذا من خلال العديد من أبياتها ذات الطابع الشعبي على رأسها قصيدة تحت عنوان «ونغني ماني خايفة» التي كان يحفظها العامة عن ظهر قلب، والذي بسببها تم زجها في سجن «لامبيس». وفي ذات السياق، أشار المتحدّث في مداخلته الموسومة ب»قراءة في شعر فاطمة منصوري.. تجربة الشعر والسجن من أجل الوطن»، إلى هذه الشخصية التي خدمت الوطن في أوج الدمار، لما تمّ استرجاع الحرية غابت عن الأنظار، فضلت أن لا تأخذ مقابل واجبها الوطني تجاه قضيتها أي وثيقة ولا أي تعويض، كما ذكر بأنه كان هو المبادر في تقديم هذه الشاعرة كمبحث علمي، قائلا إن «مسيرة هذه الشاعرة الحقيقية الرقيقة الثائرة ظاهرة تحتاج إلى عناية خاصة، وإلى اهتمام من طرف الجامعة وتحويل مسيرتها إلى تراجم أو إلى مذكرات تخرج». محمد الطاهر التليلي خلال وبعد الاستعمار من جهته، أرخى الدكتور بشير غريب في نافلة اللقاء الشعري الأدبي مداخلة جاءت تحت عنوان «شعر الأطفال نموذج المقاومة والصمود.. عند الشيخ محمد الطاهر التليلي خلال وبعد الإستعمار»، بظلال معرفية على ضوء ما قدّمه هذا الرجل الهمام الذي يعتبر من بين الشخصيات الإصلاحية البارزة في ڤمار بوادي سوف، فلقد عرف عنه كفقيه ومصلح ومربي، في حين بالرغم ما في جعبته من ذخيرة شعرية لم يكن معروفا كشاعر، ويعتبر من الأوائل الذين كتبوا في المجال الموجه للطفل. وبمسقط رأسه وادي سوف أسّس أول مدرسة مُعرَّبة «مدرسة النجاح»، التي كانت على منهج جمعية العلماء المسلمون فذكر المتحدث بأن الشيخ محمد الطاهر التليلي كتب العديد من القصائد والأشعار للأطفال، كما له دراسات بحثية وفي جعبته الكثير من المخطوطات التي اندثرت لأسباب عديدة، مضيفا أنه كان يركز في كل درس سواء في الفقه أو العلوم على نماذج شعرية، ومن أهم المواضيع التي عالجها (قصائد ثورية، ترسيخ العقيدة، الثوابت الوطنية، النصوصو المرجعية للطفل)، حيث كان يرافق كل هذا الزخم المعرفي وصلات موسيقية والتي كان يشرف عليها صديقه الشيخ السعداوي. كما تأسف الدكتور بشير غريب على التهميش والتعتيم الذي نال من مسيرة هذه الشخصية التي قدمت الكثير للنشء بل ودثرت أرواحهم طواعية بحب الوطن، وعلمت ضمائرهم التسلح بالعلم وغذت إنسانيتهم بالكلام القوي الراقي، حيث قال في هذا السياق: «كان يستعين المؤرخ أبو القاسم سعد الله على مخطوطات التليلي الموثوقة نظرا لدقتها وتحليلها، كما لمع صيته في العديد من الملتقيات الشعرية، فيما استطاع أن ينجح ويكون من الأوائل الذين كتبوا في الشعر المسرحي، ولقد تميزت أشعاره الموجهة للنشء بالبساطة بالترميز إلى الشخصيات المحببة للأطفال، التي كانت معروفة في ذات المنطقة كي يقرب المغزى لهم بأسلوب ذات الصلة بالبيئة وبالوطن. للإشارة، تمّ على هامش الاحتفالية فتح باب المناقشة، حيث عقب الحضور على مضمون المداخلات، كما كانت الفرصة لطرح أفكار ذات الصلة بضرورة جمع الرصيد المترامي الأطراف للشعر الشعبي، نظرا لغناه بالمادة التاريخية، وعلى غرار قراءة في نماذج من البناء الأدبي للشعر الحساني، عرف الحدث إلقاءات شعرية قدمتها مجموعة من الشعراء من مختلف ولايات الوطن.