زغلامي: توفر إرادة سياسية قوية خطوة مهمة لإحداث القطيعة تتوالى القرارات والإجراءات لإحداث قطيعة نهائية مع الفساد وكل مظاهره، وقد قدم رئيس الجمهورية منذ استلامه مهامه وعدا قاطعا بعدم ادخار أي جهد للقضاء على هذا "الوباء" من أجل انتقال "صحي" وقوي الى جزائر جديدة تبنى قواعدها على النزاهة والشفافية واستقلالية القضاء، تكرس مبادئها العدالة الاجتماعية ودولة القانون. وضع رئيس الجمهورية لبنة جديدة في بناء الجزائر الجديدة بتأكيده خلال آخر اجتماع لمجلس الوزراء أن "القضاء هو السلطة الوحيدة المخول لها الفصل في قضايا الفساد، وهي المصدر الأوحد لوضع الآليات القضائية، لوقاية المجتمع منه واستحداث وكالة وطنية لاسترجاع الممتلكات والأموال المُصادرة، كآلية جديدة تكون تحت وصاية وزارتي المالية والعدل". يعتبر المختصون الهيئة تأكيدا صريحا وتجسيدا ميدانيا لرغبة رئيس الجمهورية التي عبّر عنها في مناسبات كثيرة - في استرجاع الأموال العمومية المنهوبة والموجودة بالخارج، حيث أعلن في احد تصريحاته لوسائل الإعلام أن "ما حدث على أعلى مستوى في الدولة قد تمثل في نهبٍ لا يُغتفر لثروات البلاد، الأمر الذي أضر بالمواطنين". هي خطوة أخرى سبقتها خطوات متتالية كان آخرها إشراف الوزير الأول جويلية الماضي على التنصيب الرسمي لأعضاء السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد، حيث تؤدي الهيئة دورا فاعلا في مجال الرقابة على الممتلكات والأموال العمومية، فقد عبّر عن "مكافحة حازمة ضد الفساد، وتعزيز المراقبة وضمان نزاهة المسؤولين العموميين، والتسيير السليم للأموال العمومية وتكريس الشفافية". ولعل الملاحظ برأي مراقبين ان الممتلكات والأموال العمومية تحولت في الفترة السابقة الى بيئة خصبة لتنامي وتفشي ظاهرة الفساد المالي والاداري، ما استدعى البحث عن مؤسسات تساهم في أخلقة الحياة العامة وتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة والحكم الراشد والوقاية من الفساد ومكافحته، حيث تصب كل الجهود المبذولة على المستوى السياسي والاقتصادي في هذا السياق، وتندرج في إطار تجسيد التزام رئيس الجمهورية بالمكافحة "الحازمة" لهذه الآفة و«ضمان التسيير السليم للأموال العمومية". فيما كرّس دستور 2020 قبل ذلك مكافحة الفساد والوقاية منه "بتخصيص الباب الرابع من الدستور لمؤسسات الرقابة، ويشمل كل من المحكمة الدستورية ومجلس المحاسبة والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وخصص فصلا كاملا لرقابة مجلس المحاسبة واعتبره مؤسسة عليا مستقلة للرقابة على الممتلكات والأموال العمومية، يكلّف بالرّقابة البعدية على أموال الدّولة والجماعات المحليّة والمرافق العموميّة، وكذلك رؤوس الأموال التجارية التابعة للدولة". كل تلك الإجراءات مكنت الجزائر من استرجاع 850 مليار دولار من الأموال العمومية المنهوبة في صورة عقارات وأراض، حيث أعلنت وزارة العدل في بيان لها شهر ماي 2021 انه "في إطار مكافحة الفساد تمكنت الجهات القضائية من حجز ومصادرة العديد من الأملاك المنقولة والعقارية المتواجدة على التراب الوطني..." وتم " حجز 52.73 مليار دينار (400 مليون دولار)، منها 39 مليار دينار (300 مليون دولار) صدرت بشأنها أحكام بالمصادرة .. إضافة لذلك جرى الحجز على 1.95 مليون يورو (235 مليون دولار)، منها 678 ألف يورو تمت مصادرتها، فضلا عن حجز 213 مليون دولار، منها 198 مليون دولار تمت مصادرتها، ليكون مجموع ما تم حجزه حوالي 850 مليون دولار" وفق البيان. وذكر "حجز 4766 مركبة، منها 4689 إضافة إلى 6 سفن تمت مصادرتها"، وبشأن العقارات "تم حجز 301 قطعة أرضية عادية وفلاحية (زراعية)، منها 214 تمت مصادرتها، إضافة إلى 119 مسكنا و27 محلا تجاريا، دون أن تحدد قيمتها المالية". القطيعة.. في اتصال مع "الشعب"، أكد أستاذ علوم الاتصال البروفيسور العيد زغلامي، أن رئيس الجمهورية ومباشرة بعد انتخابه وضعت على طاولته ملفات شائكة ومعقدة. إلى جانب أن مكافحة الفساد كان أحد أهم التزامات رئيس الجمهورية فمنذ انتخابه اتخذ مجموعة من الإجراءات والآليات للمضي في تحقيق هذا الالتزام من خلال مكافحة الفساد بجميع فنياته وأشكاله ووسائله ومواصفاته. من البديهي -حسب المتحدث- أن وجود آليات كاستحداث هيئات ومكاتب حسبه، يستدعي توظيفها وتجسدها في الميدان من خلال الامتثال للقواعد القانونية، لان الهم الأول للدولة الآن هو كسب ثقة المواطن واستعادته في نفس الوقت لسيادته وعزته وكرامته، وأيضا استرجاع الأموال المنهوبة بطريقة قانونية. آلية جديدة.. عن استحداث وكالة وطنية لاسترجاع الممتلكات والأموال المُصادرة، قال زغلامي إنها آلية جديدة تضاف الى الآليات الأخرى، تؤدي دورا أساسيا في استرجاع الأموال المنهوبة، مبرزا ضرورة أن تكون هذه الهيئة مستقلة تحت وصاية وزارة المالية والعدل، خاصة وان الرشاوى والفساد بصفة عامة أخذ أبعادا دولية ما جعلها ظاهرة عابرة للأوطان، واصفا استرجاع الأموال المنهوبة الموجودة في البنوك الأجنبية والأوروبية بالمهمة الصعبة. استحداث هذه الوكالة يعني انها الإطار القانوني الذي يتم من خلاله الدخول الى مقاربة جديدة، تحت سلطة القضاء لوضع حد لثقافة الفساد والرشاوى التي أخذت أبعادا كثيرة في الفترة السابقة، حتى تعود الأمور الى نصابها وتستعيد السلطة ثقتها في أبنائها وثقة المواطن في بلده وفي الإجراءات المتخذة من طرف رئيس الجمهورية لإقلاع اقتصادي حقيقي، من خلال القضاء على المحسوبية، البيروقراطية، وكل العراقيل التي وقفت لوقت طويل في وجه الإنعاش الاقتصادي الذي نرتقب منه الكثير. وأبرز ان وجود إرادة سياسية قوية واستقلالية القضاء وحتى مساهمة ومشاركة المواطن في تنوير القضاء من خلال المعلومات التي يقدمها، بمثابة خطوات مهمة لإحداث القطيعة مع الممارسات السابقة، والسماح للجزائر بان تدخل في مقاربة جديدة أهمها العدالة الاجتماعية، دولة القانون، الشفافية وحرية التعبير، وغيرها من القيم الجوهرية التي ميزت التزامات رئيس الجمهورية.