تسعى الجزائر إلى رفع تعميم استخدامها للطاقة المتجدّدة لاسيما الشمسية منها، والرفع من مساهمتها في إنتاج الطاقة الكهربائية إلى 50 بالمائة، وإنتاج 15 ألف ميغاوات بحلول 2035، ودخولها في مجال الهيدروجين الأخضر، خاصة وأنّها استهلكت ما بين 2010 إلى 2019 أكثر من 230 مليار م3 من الغاز، حيث ارتفع استهلاك الطاقة 59 % بمعدل 5 % سنويا. تدرك السّلطات التحديات المقبلة في حال استمرار الاعتماد على المصادر الأحفورية في إنتاج الطاقة، خاصة مع تزايد الاستهلاك المحلي للطاقة بسبب النمو الديموغرافي، وزيادة الطلب سيما في المجال الصناعي والفلاحي، ما يطرح مسألة مستقبل الأمن الطاقوي، والنجاعة الطاقوية، في الوقت الذي يتكون مزيج الطاقة الكهربائية حاليا ببلادنا من الغاز، الذي يمثل أكثر من 98 ٪ كمصدر لإنتاجها. وتتجاوز بذلك كمية الغاز المستهلكة محليا 46 ٪ من إنتاجها، أي أكثر من 47 مليار م 3 / سنة عام 2019، بمتوسط نمو سنوي يقارب 4 ٪، لذلك أصبح اللجوء إلى الطاقات المتجددة ضرورة للحد من الاستهلاك المحلي للغاز، وإزالة الكربون من هذا المزيج والحفاظ على كميات أكبر منه، وتوجيهه للتصدير أو للصناعة المنشئة للثروة، بالنظر إلى إمكانات الطاقة المتجددة غير العادية المتاحة للجزائر، على اعتبار أنها تتوفر على أكبر حقل شمسي في العالم. في المقابل تتوفّر بلادنا على إمكانيات هائلة في مختلف مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية الكهروضوئية، الطاقة الحرارية والرياح، حيث أظهرت الدراسات التي أجراها فريق البروفيسور حمودي بجامعة باب الزوار، على أساس شبكة مكوّنة من 4385 عقدة في جميع أنحاء التراب الوطني، إمكانات تصل إلى 242327 تيراواط ساعة / سنة، وهو ما يعادل 9.3 ضعف استهلاك الكهرباء حاليا في جميع أنحاء العالم حوالي 26000 تيراواط ساعة / سنة، إلا أنّ استغلالها لا يزال متعثرا ودون المستوى المطلوب. 5 مواقع محتملة لحقن الكهرباء.. يفرض الوضع الحالي التعامل بجدية في تجسيد التوجه نحو الانتقال الطاقوي، لأنّه لا مجال للتأخر بهدف تخفيف الاستهلاك المتنامي للكهرباء المعتمد على المصدر الأحفوري، ولهذا وضعت الجزائر إستراتيجية متكاملة لتحوّل طاقوي ناجع وسلس، يعتمد بالأساس على التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، وزيادة التصنيع المحلي، كما تركّز على زيادة المحتوى المحلي لاحتياجات المشروعات المخطط في إطار هذا البرنامج، بما يناسب قدرات وحدات التصنيع المحلية مثل توفير وتعميم استخدام المصابيح عالية الكفاءة الطاقوية والأجهزة الكهرو-منزلية منخفضة الاستهلاك الطاقوي والبطاريات والمحوّلات، إلى غيرها من التجهيزات الأخرى المتكيّفة مع المعايير الدولية المعمول بها في مجال الطاقات المتجددة. ويشهد مشروع الطاقة الشمسية في الجزائر -المعروف باسم «سولار 1000 ميغاواط» تطوّرات تهدف إلى تنفيذه، وتحقيق أعلى قدر ممكن من العائدات بأقل تكلفة؛ إذ كشفت الشّركة الجزائرية للطاقات المتجددة «شمس» عن تحديد وحجز 5 مواقع محتملة لكل محطة كهرباء، والتي جرى تأكيد نقاط الحقن الخاصة بها للكهرباء المراد إنتاجها. وتمّ سحب 110 مؤسّسة لدفتر الشروط الخاص بمشروع الطاقة الشمسية الكهروضوئية، على أنّ لكل مرشح الحق في المزايدة على قطعة واحدة أو أكثر، مع إجمالي السعة التراكمية القصوى لها 300 ميغاواط، علما أنّ أربع مصانع فقط لإنتاج الألواح الشمسية غير كاف مقارنة بالأهداف التي تطمح الدولة إلى تجسيدها في الميدان. في المقابل تمثّل أسعار الكهرباء أكثر من نصف أعباء ميزانيات البلديات، وهي تحديات تفرض تحقيق النجاعة الطاقوية التي لن تتحقق إلا بالانتقال الطاقوي كبديل استراتيجي في العديد من القطاعات، سيما الصحة، المؤسسات التربوية والإنارة. الخارطة الطريق لوزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، صدرت في جويلية 2021، أنّ السلطات تستهدف إنتاج ألف ميغاواط من الكهرباء انطلاقا من محطات شمسية، وتوفير استهلاك 400 مليون م3 من الغاز سنويا، وتقليص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بقدر ب 1.5 مليون طن في السنة، وإنشاء 4500 وظيفة مباشرة. برنامج المدى المتوسّط تجسّد ميدانيا برنامج الوزارة المسطّر على المدى المتوسط في مجالات التحول الطاقوي والاقتصاد من استهلاك الطاقة الأحفورية تمّ تجسيده ميدانيا بإنجاز عدة مشاريع على المستوى الوطني، وإبرام اتفاقيات قطاعية لتوسيع استخدام الطاقات المتجددة. وتمّ دخول حيز الخدمة عدد من المشاريع لإنتاج الطاقات المتجددة على غرار تشجيع المنتجين الذاتيين للطاقة المتجددة، وتوسيع استعمال الإنارة العمومية الذكية، وتحويل حوالي 200 ألف سيارة إلى نظام استهلاك غاز البترول المميع، وإعداد دفتر الشروط الخاص بإنجاز محطات الطاقة الشمسية بسعة ألف ميغاواط، ناهيك عن إنجاز مشروع استعجالي بتغيير «نمط الضوء» إلى «نمط ذي الكفاءة العالية» في بعض المناطق المعزولة المتواجدة على مستوى الهضاب العليا، خاصة في منطقة الاوراس، جرجرة والونشريس. أكثر من 700 مدرسة مزوّدة بالطّاقة الشّمسية ولكن.. في إطار الاتّفاقيات القطاعية، تعمل الوزارة الوصية مع وزارة السكن حاليا على تجسيد مشروع العزل الحراري للسكنات الاجتماعية باستعمال مواد عازلة تهدف إلى إنشاء طبقة عازلة حول البنايات لضمان درجة حرارة مريحة، ولتفادي استهلاك مفرط للطاقة. وفي نفس الإطار، باشرت الوزارة تنفيذ مشاريع مع وزارة الصحة لإنجاز نظام إنارة ذكية تستهلك طاقة كهربائية أقل بنسبة قد تصل إلى 80 بالمائة على مستوى المستشفيات والمراكز الصحية العمومية. وتمّ توسيع هذا البرنامج على مستوى عدة قطاعات على غرار التربية الوطنية، حيث أنّ أكثر من 700 مدرسة مزودة بالطاقات الشمسية استفادت من تركيب الأجهزة الكهروضوئية، غير أنّ هذا الرقم يبقى محتشما، ولا يعكس طموح الدولة. أما بالنسبة لقطاع الشؤون الدينية، فقد تم توقيع اتفاقية أيضا بهدف تعميم استخدام الطاقة الشمسية عبر مختلف مرافق التعليم القرآني من مدارس قرآنية وزوايا ومعاهد التكوين المتخصص، إضافة إلى المساجد وكذا المراكز الثقافية الإسلامية عبر جميع ولايات الوطن والثقافة. 30 بلدية بالعاصمة استفادت من مشروع الإنارة العمومية الذّكية تشكّل الإنارة العمومية على مستوى الطرق السريعة، نسبة كبيرة في ارتفاع فاتورة استهلاك الكهرباء، ما دفع بالعمل على تحقيق الفعالية الطاقوية على مستوى الجماعات المحلية، وقد قامت محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية بإعداد مرجع وطني في مجال الإنارة العمومية بالطاقة الشمسية الكهروضوئية، علما أن وزارة الداخلية قد انطلقت سنة 2018 في تزويد البلديات بأنظمة الإنارة العمومية الحديثة من مصابيح «اللاد»، الألواح الشمسية، الأعمدة الذّكية في إطار مشاريع استبدال الإنارة القديمة بمعدات الطاقة الشمسية. وفي هذا الصدد، استفادت 30 بلدية من ولاية الجزائر من مشروع الإنارة العمومية الذكية خلال برنامج النجاعة الطاقوية لوزارة الداخلية والجماعات المحلية، وسمح بتجاوز 26 بالمائة من أعمدة الإنارة تعمل بمصابيح «اللاد»، وأكثر من 2 بالمائة بالألواح الطاقة الشمسية، وهو مستوى ضعيف جدا لا يعكس الطموح. وسيتم قريبا إطلاق مشروع مماثل في ثلاث ولايات أخرى وهي البويرة، باتنة وتيسمسيلت فيما يخص الإنارة العمومية الذكية، ومشروع إنارة عمومية بطاقة شمسية تستفيد منها ولاية إليزي، وستسمح هذه المشاريع، التي دخلت حيز الخدمة والتي ستستلم قريبا، بترشيد استهلاك الطاقة وتقليص التبذير، ورفع حجم صادرات الغاز والبترول. سخانات الطّاقة الشّمسية لتقليص الاستهلاك يترقّب إنتاج 3 آلاف وحدة مدعّمة ب 50 % من سعرها من سخانات مياه تعمل بالطاقة الشمسية كمرحلة أولى، ضمن مبادرة أطلقتها السلطات، شاركت فيها 7 شركات وطنية بإنتاج نماذج سخانات مياه جزائرية بنسبة إدماج عالية، مع منحها حال كانت نتائج اختبار نجاعتها مقبولة علامة تجارية مسجلة. وتتميز نماذج سخانات الطاقة الشمسية بطاقة تخزين تقدّر ب 200 لتر، وهي نماذج لتطبيقات مستقبلية يمكن لمراكز الأبحاث تطويرها، وتندرج هذه الخطوة في سلوكيات المواطنة البيئية، التي من شأنها تقليص الاستهلاك الوطني للطاقة بنسبة 10 بالمائة، بما يعادل 2.5 مليار دولار. وتجدر الإشارة إلى أنّ عدم الوضوح في البرامج المختلفة التي أعلنت عنها الهيئات المختلفة المسؤولة عن البرنامج، كان له تأثير سلبي على النسيج الصناعي المحلي، ممّا عرض استثماراتها التي لم تستهلكها، وتلك التي لم تتحقق للخطر بعد أن تجاوزها الزمن من الناحية التكنولوجية. وبالنسبة لخطوط إنتاج الألواح الكهروضوئية، التي تمّ إنشاؤها منذ عام 2017، فإنّه من الضروري أن يكون هناك تعاون أفضل بين مختلف المتعاملين، ستسمح للسلطات العامة وأصحاب المصلحة المحليين، مثل مجموعة الطاقة الشمسية أو CAPC أو CGEA، برؤية أكبر لبرامج الطاقة المتجددة من أجل تقديم المزيد من المحتوى المحلي، وقبل كل شيء السماح بتوسيع نشاطهم على نطاق إقليمي أو قاري. وحسب دراسة للبروفيسور محمد محمودي، فإنه يجب أن يستدعي هذا النهج الخبرة الجزائرية لإجراء الدراسات الفنية والاقتصادية اللازمة لتأسيس رؤية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، من خلال الدعوة إلى دراسات مستقبلية إستراتيجية لبناء نموذج طاقوي فعّال يأخذ في الاعتبار خصوصية الأهداف الاجتماعية والاقتصادية للجزائر، ما من شأنه أن يسمح بتنويع منتجاتها التصديرية، مع الحفاظ على الطاقة والمياه والأمن الغذائي للأجيال القادمة.