جسّدت معارك ثورة التحرير المظفرة بجبال المنطقة الثامنة بالولاية الخامسة التاريخية بعين الصفراء (ولاية النعامة حاليا) أسمى قيم البطولات والتضحيات في مواجهة المستعمر الفرنسي من أجل استرجاع السيادة الوطنية. أبرز الباحث في التاريخ المعاصر مبخوث بودواية من المركز الجامعي "صالحي أحمد" للنعامة، أن المعارك التي شهدتها منطقة الجنوب الغربي زعزعت أركان المستعمر الفرنسي وآلته الجهنمية والهمجية، وهي "الأحداث التي ننقلها لتترسخ في أذهان الأجيال الصاعدة بتدوين الشهادات الحية للمجاهدين وتشجيع الدراسات والبحوث المتخصصة حول البطولات والملاحم التاريخية لشهداء ومجاهدي الثورة التحريرية". وكما ورد في السجل الذهبي الذي أصدرته مؤخرا مديرية المجاهدين وذوي الحقوق لولاية النعامة، فقد تمّ إحصاء وتوثيق 61 معركة كانت المنطقة الثامنة وتحديدا القطاع الثالث بعين الصفراء الذي امتد نحو الجنوب الغربي مسرحا لها وخصوصا في الفترة الممتدة بين 1957 إلى 1961، والتي مثلت محطات تاريخية هامة كان لها الأثر الإيجابي في مسار الثورة التحريرية المباركة. ومن بين تلك المعارك التي وقعت بجبل عيسى سنتي 1957و1958 وبجبل مكثر في 1958 و1959 ومعركة جبل مرغاد سنة 1957 تحت قيادة علقمة الحاج، وكذا معركة جبل تانوت وقائدها بودلال الميلود ومعركتي جبل بني سمير وواد سيدي سعيد سنة 1960 وكلخابو أواخر سنة 1960 والعرجة منتصف العام 1961 إلى جانب معارك أخرى دارت رحاها بمغرار وبوعمود والخروبة وبلكرش وبني سكير والركنة الحمرا، وغيرها من المناطق بين سنتي 1960 و1961. ويضاف إليها العملية العسكرية الشهيرة لاقتحام مجاهدي جيش التحرير الوطني لأحد مراكز الجيش الفرنسي بطريق الدزيرة بعين الصفراء، فضلا عن عشرات الكمائن والاشتباكات البطولية في مواجهة المستعمر إبان تلك الفترة. وأشار الباحث المتخصّص في تاريخ المقاومة الشعبية وثورة أول نوفمبر رميثة عبد الغني، إلى أنّ معركة جبل إمزي أيام 6 و7 و8 ماي 1960 تحت قيادة سي أحمد سعدون، والتي وقعت وسط سلاسل جبلية كثيفة وأودية صعبة بين جيش المستعمر الفرنسي، الذي حشد 2.400 عسكري والفيلق الثاني لجيش التحرير الوطني بزهاء 300 مجاهد تعد من الملاحم الثورية البارزة التي شهدتها المنطقة الثامنة بالولاية الخامسة التاريخية . خسائر فادحة للمستعمر الفرنسي استخدم العدو في هذه المعركة أسلحة الدمار، وارتكب جرائم ضد الإنسانية من خلال قصف المنطقة بقنابل "النابالم" المشتعلة والمحرقة والمحرمة دوليا في محاولة يائسة منه لإخماد لهيب الثورة، كما استعمل فيالق تضم أشرس الفرق العسكرية المدججة بشتى أنواع الأسلحة، وهي الوقائع التي وردت تفاصيلها أيضا في شهادة حية أدلى بها المجاهد العقيد خليفي بونوة. وكان من نتائج تلك المعارك البطولية، أن تكبد المستعمر الفرنسي خسائر فادحة، حيث كان عادة ما يقيم بعد انتهاء المواجهات المسلحة مع المجاهدين بجبال المنطقة لعدة أيام من أجل جمع جثث قتلاه وإحصاء الخسائر التي تجرعها في العدة والعتاد، كما كان لهذه المعارك الأثر الإيجابي على الصعيد الخارجي وعلى المفاوضات، وكذا على الموقف الدولي من القضية الجزائرية، وفق نفس الباحث. وتواصلت المعارك بالجهة الى غاية وقف إطلاق نار، حيث شارك فيها مجاهدو جيش التحرير الوطني ببسالة وحنكة رغم أسلحتهم المتواضعة مقابل قوات المستعمر من مختلف التشكيلات البرية المدعمة بأسراب الطائرات العمودية وسلاح المقاتلات التي ملأت الأجواء. وفي خضم تلك الملاحم البطولية، ضاعف المحتل الفرنسي حملات التمشيط التي نفذها ضد السكان وعزلهم بإقامة المحتشدات وإحراق منازلهم، وشن الاعتقالات لترهيبهم ومنعهم من الانضمام للثورة ودعمها. وتجدر الإشارة إلى أنّه من بين قادة المنطقة الثامنة للولاية الخامسة التاريخية الممتدة من عين الصفراء الى غاية شمال ولاية بشار العقيد لطفي (بن علي بودغن) وقايد أحمد ومحمد بن أحمد عبد الغني والعقبي وصالحي أحمد. وقد حاول المستعمر بشتى الوسائل عزل هذه المنطقة من خلال خط موريس القاتل، الذي زرعه بألغام الموت والأسلاك الشائكة والمكهربة وإنشائه لمعتقل الدزيرة بعين الصفراء ومركز للتعذيب والاستنطاق بمحطة القطار لجنين بورزق وكذا مركز ثانوي للتحقيقات بمشرية، إضافة إلى 126 برج للمراقبة ومحتشدات منها محتشد حرشاية.