نتطلع لتكون القمّة العربية فُرصة لرفع وتيرة التّعاون العربي المشترك حرصت المملكة العربية السعودية على طرح القضية الجزائرية إبان الاحتلال الفرنسي في مجلس الأمن الدولي من خلال جامعة الدول العربية باعتبارها القناة الشرعية والجامعة لمواقف العرب، هذا ما يبرزه السفير السعودي بالجزائر الدكتور عبد الله بن ناصر البصيري في حوار مع «الشعب» بمناسبة الذكرى ال68 لثورة نوفمبر. ويؤكد السفير أن القضية الجزائرية كانت الشغل الشاغل للقيادة السعودية في ذلك العهد. بحيث تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الذي كان أميرا للرياض آنذاك، أمر صندوق دعم الثورة الجزائرية، وقد أطلقت المملكة على حج 1957 حج الجزائر، لتعريف ألوف الحجاج المسلمين بمعاناة شعب عربي في منطقة المغرب العربي. واعتبر البصيري تزامن انعقاد القمة العربية في الجزائر مع الذكرى ال68 لاندلاع الثورة، بأنه يحمل رمزية ثمينة، وقال إن «المملكة تتطلع لتكون القمة العربية فرصة لرفع وتيرة التعاون العربي بناء على رؤية توافقية للوصول إلى عمل عربي مشترك». الشعب: يعلم الجزائريون أن المملكة العربية السعودية بادرت بعد شهرين فقط من انطلاق ثورة نوفمبر، وجعلت من القضية الجزائرية مسألة دولية، وسارعت القيادة السعودية إلى جمع الدعم الدولي للجزائر، هل لسعادتكم أن تستحضروا معنا تلك الأجواء؟ الدكتور عبد الله بن ناصر البصيري: في الحقيقة، سؤالك هذا يثير الكثير من الذكريات والشجن، فاستحضار تلك الأجواء يشعر الإنسان بحالة نادرة من الفخر والاعتزاز والكرامة، ففي تلك الأيام الخالدة من التاريخ، تجسدت الأخوة العربية والإسلامية في أبهى صورها، فقد استفزت المظالم التي ارتكبها الاستعمار في حق الشعب الجزائري الشقيق، مشاعر الملايين من الشعب السعودي الذين تنادوا إلى نصرة الأشقاء الجزائريين بالغالي والنفيس، هذا على المستوى الشعبي. أما على المستوى الرسمي فقد أصبحت القضية الجزائرية الشغل الشاغل للقيادة السعودية في ذلك العهد، ممثلة في المغفور له بإذن الله الملك الراحل سعود بن عبد العزيز، وولي عهده المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبد العزيز، حيث قامت القيادة باتخاذ عدد من الإجراءات الدبلوماسية الجريئة والصريحة من أجل تعريف المجتمع الدولي بهذه القضية وإدراجها على جداول أعمال المؤتمرات الأممية، مما هو جدير بالذكر في هذا السياق، أن مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله - كان أميرا للرياض في ذلك الوقت، وقد تولى بنفسه أمر صندوق دعم الثورة الجزائرية، إيمانا منه بالواجب الديني والإنساني تجاه الجزائر الشقيقة. اسمحي لي في هذا الصدد، أن أشير إلى حقيقة مهمة وهي أن حكومة المملكة كانت تدرك في ذلك الزمن أن استمرار الاستعمار هو استمرار لنظام عالمي وحشي ومتخلّف، وإذا أردنا الوصول إلى عالم متحضر فلابد من انتهاء الظاهرة الاستعمارية. - كان الملك سعود أوّل متبرع بماله الخاص للثورة الجزائرية، ويحفظ له كثيرون كلمة مضيئة قالها للمناضل الجزائري أحمد توفيق المدني جاء فيها: «أنتم تدفعون ضريبة الدم ونحن ندفع ضريبة المال، والله يوفقنا جميعا»، هل يمكنكم سعادة السفير أن تحدّثونا عما مثّلت الثورة الجزائرية للملك فيصل خاصّة والمملكة العربية السعودية وشعبها الشقيق؟ الثورة الجزائرية مثلت للقيادة السعودية حينها هاجسا مصيريا، فقد كان لدى هذه القيادة غيرة عالية على العروبة والإسلام، كما كان لديها وعي فطري بخطر المطامع الاستعمارية ودورها في تجزئة المنطقة العربية وتشرذم أبنائها، من جهة أخرى، فإن الملك سعود رحمه الله، أراد بكلمته هذه أن يؤكد أن مساهمة بلاده المالية في دعم الثورة ليست إلا استجابة لفريضة الجهاد من أجل الحق والعدل. أما الشعب السعودي فقد أعادت الثورة الجزائرية إلى ذاكرته أياما مجيدة من التاريخ العربي والإسلامي عندما خاضت المنطقة العربية نضالا طويلا لصد الحروب الصليبية ودفع اعتداءاتها الآثمة، ولذلك اعتبر الشعب السعودي دعم الثورة الجزائرية امتدادا لذلك التاريخ المجيد. - يتردّد كثيرا أن المملكة العربية السعودية خصصت حج عام 1957 ليكون دعما للثورة الجزائرية، فما هي الفكرة من ذلك؟ نعم، حسب الكثير من المصادر التاريخية، فقد أطلقت المملكة على حج 1957 «حج الجزائر»، وقد كانت الحكمة من ذلك التعريف بحق الجزائريين وعدالة قضيتهم عبر موسم الحج الذي يلتقي فيه مئات الألوف من المسلمين من شتى بقاع الأرض، وكلما ازداد عدد العارفين والمؤمنين بهذه القضية، كلما ازداد الانحياز العالمي لصالحها ونصرتها، وهكذا هو دأب المملكة مع أشقائها. - القضية الجزائرية كانت حاضرة في أوّل قمّة للجامعة العربية فور تأسيسها بقصد رفعها إلى مجلس الأمن، حدّثونا سعادة السفير عن دور المملكة العربية السعودية في أوّل قمة؟ أوّد أولا أن أشير إلى نقطة هامة، وهي أن المملكة العربية السعودية تؤمن بأن الجهود الدبلوماسية حتى تثمر على الصعيد الدولي، فلابد من استخدام قنوات صحيحة ومنظمة. انطلاقا من هذا المبدأ، حرصت المملكة على أن يتم طرح القضية الجزائرية في مجلس الأمن الدولي من خلال جامعة الدول العربية باعتبارها القناة الشرعية والجامعة لمواقف العرب، ولأن ذلك من شأنه إعطاء زخم وثقل أكبر للقضية الجزائرية النبيلة. - في الفاتح من نوفمبر، تكون المملكة العربية السعودية حاضرة بالقمة العربية التي ستنعقد بالجزائر، ماذا ينتظر الأشقاء السعوديون منها؟ وما هي الرؤى التي يمكن أن تمهد السبيل نحو عمل عربي مشترك؟ يسرني بداية أن أقدم للجزائر الشقيقة التهنئة بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، وإنني اعتبر تزامن انعقاد القمة المقبلة مع هذه الذكرى أمرا يحمل رمزية ثمينة، إجابة لسؤالك، أود القول إن المملكة العربية السعودية تتطلع أن تكون القمة العربية فرصة لرفع وتيرة التعاون العربي وبناء على رؤية توافقية للوصول إلى عمل عربي مشترك. - ما هو صدى الثورة الجزائرية في الشارع السعودي؟ موقف المملكة والشارع السعودي مع الجزائر كان قويا جدا، أنتم قمتم بثورة عظيمة، بعد استقلال الجزائر كانت فيه أفراح في السعودية ورقص وغناء وطرب، وطلب الملك سلمان آنذاك، من الشعب كله التبرع، حتى الطلبة في المدارس، والملك سعود حينما دخل مقر الأممالمتحدة، دخله بعلم الجزائر. في مكة، يوجد شارع اسمه شارع «الجزائر»، وأول مرة يطلق على «الحج» اسم «حج الجزائر» أو صندوق دعم الجزائر، لم يسبق وان سمينا حج المملكة العربية السعودية. قبل حصول الجزائر على الاستقلال، دخل الملك سعود مقر الأممالمتحدة، وقال: أنا أمثل الجزائر، والمملكة العربية السعودية قطعت علاقاتها مع فرنسا، وبعد الاستقلال، زار الملك فيصل الجزائر، يقول لي رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل إنه استقبل الملك فيصل بن عبد العزيز، وأخذه إلى وهران في عهد حكم الرئيس الراحل هواري بومدين، وقبل الذهاب إلى وهران، سلمه سجلا يكتب فيه كلمة، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم توقف الملك فيصل، ولم يكتب شيئا، يقول قوجيل سألته لماذا؟ فرد الملك فيصل أنه تذكر شيئا قاله للفرنسيين. يقول: «أثناء الاحتلال كنت في فرنسا، وأقول للفرنسيين إن شاء الله الوعد في الجزائر، فاستغرب الفرنسيون من كلام الملك فيصل، كيف الوعد في الجزائر وهي محتلة من قبل فرنسا». ويضيف: «الآن تذكرت الوعد في الجزائر، وها آنا الآن في الجزائر». نبارك لكم الذكرى ال68 لاندلاع الثورة وانعقاد القمة العربية.