ساهمت جريدة “الشعب" لسان حزب الشعب الجزائري في تثقيف العديد من الجزائريين من جيل الستينات والسبعينات، نظرا للمواضيع الثقافية التي كان طاقمها للتحرير آنذاك يختارها بعناية في ملحقه الثقافي. وقد كسبت جريدة “الشعب" في تلك السنوات لغاية التسعينات قراءها الأوفياء الذين ينتمون في معظمهم الى الطبقة المثقفة والجامعيين المتعطشين لإنماء معارفهم والرقي بمستواهم. ومن بين هؤلاء القراء والذي كان له الحظ رفقة بعض زملائه بالجامعة لكتابة مقالات على صفحات هذه الجريدة العريقة. الأستاذ والمحامي عامر ارخيلة الذي استقبلنا بمكتبه للحديث عن بدايته مع جريدة »الشعب« التي ستحتفل بميلاد تأسيسها في ال 11 ديسمبر 1962، هذا التاريخ الذي اختير لها تخليدا لمظاهرات ال11 ديسمبر 1961، والتي كانت سببا في التعجيل باستقلال الجزائر. لتكون بذلك الجريدة الوطنية الرسمية الناطقة باللغة العربية بعد جريدة “المجاهد"، ولتثبت الانتماء العربي الإسلامي للشعب الجزائري بعدما حاول الاستعمار الفرنسي طمس هويته طيلة 132 سنة. الشعب: بداية كيف كانت بدايتك مع جريدة “الشعب"؟ عامر ارخيلة: أول لقاء في حياتي بالورق الصحفي كان عن طريق جريدة “الشعب"، لأنه خلال سنوات 1963، 1964 كنت طفلا أدرس بالعاصمة وكان والدي يحضر جريدة “الشعب" يوميا لأقرأ له ما يحدث، ولم أكن حينها أميز ما أقرأه وبقيت على هذه الحال. وبما أنه لم يتح لي فرصة الدراسة بالمدرسة النظامية، فقط كنت أتعلم بالمدرسة القرآنية فكانت “الشعب" مدرستي الأولى وأتطلع من خلالها للعالم، لاسيما في الصفحة الدولية. مما خلق لي ميلا سياسيا والاهتمام بالقضايا الدولية وأتفاعل مع مواضيع الانقلابات السياسية، كما تعرفت على ساسة وشخصيات وطنية وغربية من خلال مطالعتي للجريدة. وأشير هنا الى أنه في مطلع السبعينات حين كنت أحضر لنيل شهادة البكالوريا، يومها الصحافة العربية كانت محدودة جدا، فقط “الشعب" التي كان عليها تهافت كبير، خاصة الأسبوع الثقافي الذي كانت تصدره ويضم مواضيع متنوعة منها الرواية، القصة القصيرة، النقد الأدبي، وألوان من النثر والشعر، ولا أتذكر يوم إصداره ربما يوم الاربعاء وكونت مجلدات من هذا الملحق ما أزال احتفظ بها. فكانت كتابي الأول وكنت أقول لزملائي بأن أستاذي المميز ينتظرني كل صباح وهو “الشعب"، كما تمكنت من التعرف على أقلام جزائرية عديدة ودفعني للاحتكاك بهم من خلال الأمسيات الفكرية والثقافية التي كانت تنظم بالعاصمة سنة 1963 لغاية مطلع الثمانينات. ثم انتقلت الى المجاهد الأسبوعي فانتقلت من مرحلة القارئ الى كاتب بجريدة “الشعب"، وحينها كان لي زملاء الذين كانوا يدرسون معي بكلية العلوم السياسية كهميسي مصطفى وبشير حمادي لأن “الشعب" فتحت صفحاتها للطلبة وكان هناك مشروع مجتمع، دفعنا للكتابة. وقد عاشرت عهد بن صالح وبلعيد أوسعيد وزير الإعلام الحالي. مرحلة أخرى في جريدة “الشعب" لما انفتحت على الساحة الإعلامية في نهاية الثمانينات وكانت المدرسة التي تخرج منها الأغلبية الساحقة من الصحافيين الذين أسسوا عناوين جرائد وحتى الأقلام المعروفة اليوم ترعرعت في أفضل يومية وهي “الشعب"التي كانت بمثابة الأم التي أنجبت الأقلام الإعلامية الموجودة اليوم على الساحة. الجريدة مرت بمراحل انتقلت فيها من صحيفة عمومية الى حزبية في فترة محددة شهدت نقلة. ما تقييمكم لمسار جريدة “الشعب" التي سنحتفل بخمسينيتها في ال11 ديسمبر؟ جريدة “الشعب" تتجنب إعلام الإثارة وهي تملك رسالة هادفة، كونها ملتزمة بقضايا المجتمع لتفادي جانب الإثارة الذي اختصت به العديد من الصحف الخاصة. مما أثر على مقروئية الجريدة وطبيعة المرحلة انعكست عليها ولم تكن الجريدة تعمل على استقطاب العديد من القراء، وبقيت محافظة على مساحة الثقافة وهذا هو المهم. بالرغم من أنها لا تذر أرباحا للجريدة، مما مكنها من المحافظة على نسبة محدودة من قرائها الأوفياء لها. وكذا المتغيرات الحاصلة بالميدان انعكس عليها، لكن العبرة بصمود الجريدة وبقائها. ويتطلب ذلك التكييف مع التغييرات الحاصلة وميول ورغبات القراء، فكل يبحث عن غاية محددة له بالجريدة. فكلما كان التنوع أكثر كلما كان السبق الصحفي وكسبت مساحة في العالم وسوق القراء. ولابد من القول أن السلطات الجزائرية سنة 1962، حين اختارت تاريخ ال11 ديسمبر لإصدار الجريدة، هو تأكيدها على عبارة الشعب التي كانت موجودة وسائدة في الحركة الوطنية ولتؤكد أيضا الامتداد التاريخي للجزائر. وماذا تقول عن “الشعب" في خمسينيتها؟ بداية أقول أن ال11 ديسمبر 1962، يمثل حدثا تاريخيا عظيما ويمثل هبة شعبية لإنقاذ الثورة التي عاشت صعوبات كبيرة. لاسيما على مستوى العمل الفدائي المدني الذي انعكس على الكفاح التحرري لجبهة التحرير الوطني. هذا التاريخ يعطي جريدة “الشعب" البعد التاريخي وشيء من القدسية التي كانت تكتسبها في سنة 1960 . كونها الحرف العربي الوحيد تقريبا ونحن نعرف مدى تمسك الشعب الجزائري بالحرف العربي، ولا ننسى أن الجريدة تهتم بالبعد الروحي. وهنا أشير الى أن »الشعب« بحاجة الى الإشهار وتشجيع الأقلام، لاسيما أن الخدمة العمومية دخلت مجال المنافسة. فلتكن الكفاءة هي المقياس لنجاح الجريدة، ولن يكون ذلك إلا بالمجازات و تمكين الصحفيين من حقوقهم المادية والمهنية. أنا واثق من أن الأقلام الإعلامية للجريدة مستعدون لإعطاء الكثير لهذا الصرح الإعلامي، نظرا لارتباطهم الروحي بها لأنها خاضت معارك في السبعينات وكانت منبرا للصراع والحوار الثقافي حول المنظومة التربوية بين أقطاب مختلفة من المثقفين الجزائريين ومنبرا للفكر العربي.