بمناسبة احتفائية جريدة «الشعب» بخمسينيتها تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة نظمت ندوة حول «الاعلام العمومي ومسار يومية الشعب» شارك فيها وزراء واساتذة جامعيون واعلاميون. أعقب الندوة نقاش كان فضاء لطرح الانشغالات الحقيقية للصحافة العمومية التي حملت على اكتافها مهمة ومسؤولية اعلام ينقل الواقع بصدق وبلا مزايدات. أول من فتح النقاش الصحفي القديم بوسوسة محمود الذي أكد ان «الشعب» و«المجاهد» منذ انطلاقتهما الاولى سايرا مرحلة البناء والتشييد التي جاءت بعد الاستقلال مباشرة، ما جعل العنوانين مدرسة لتكوين الاطارات التي أصبحت قامات في عالم الصحافة بنوعيها المستقلة والعامة، لذلك اعتبر السيد بوسوسة جريدة «الشعب» و«المجاهد» مرجعية تاريخية لكل من أراد معرفة مسيرة القلم منذ الاستقلال. وطرح في تدخله مشكلة النقاش التي تعانيه مختلف الصحف في القطاع العام والخاص وهي مشكلة التوزيع التي اصبحت شبحا يرعب كل الجرائد. وأنهى نقاشه باقتراح، باسم العائلة الاعلامية الواسعة، تخصيص يوم وطني للاعلام على غرار القطاعات الأخرى وجعل يوم السابع من مارس التاريخ الأنسب له لأنه يتزامن وتاريخ استشهاد 15 صحفيا بالفيتنام كان من بينهم مصور من جريدة «الشعب» هو المرحوم صحراوي يوم الثامن مارس سنة 1974، لينهي تدخله بتاكيد مكانة جريدة «الشعب» في الساحة الاعلامية في الجزائر. أما ثاني متدخل في النقاش فكانت السيدة نعمة عباس المديرة العامة لجريدة «المجاهد» الناطقة باللغة الفرنسية والتي يعتبرها الكثيرون الأخت التوأم لجريدة «الشعب» السيدة نعمة هنأت عمال الجريدة بكل اخوية بعيدهم الخمسين من المسيرة الاعلامية والتي وصفتها بالطويلة وقالت انها عمر النضج الذي يعطي «الشعب» التميز والقوة ونضوج التجربة التي تمنحها وزنا في الوسط الاعلامي. فيما أكد حبيب راشدين وهو قلم من أقلام جريدة «الشعب» في وقت سابق ان المشكلة ليست في القطاع العام بل هي في واقع الأمر مشكلة تردي التوزيع بالنسبة للصحافة العمومية، أما بالنسبة للصحافة الخاصة هي الاعتماد على منبع واحد كمصدر للمعلومات، ولعل تعدد العناوين خلق مقاربات بينها جعلت التنافس كبيرا. وقال ان الحل في الحرفية وسط معايير ومقاييس يحترمها فكما الحرف والمهن الأخرى لها قوانين ومقياس خاص يجب احترامه على الصحافة الا تربط عملها بالقوانين فقط بل لابد من مقاييس ومعايير يلتزم بها الصحفي سواء كان في القطاع العمومي أو الخاص، وهذا ما يسمح حسب السيد راشدين تقديم انتاج محترم يكون في إطار تنافس نزيه. وقال عبد القادر مشاط مدير مطبعة الوسط انه ينتمي إلى جيل تربى وتعلم في القطاع العمومي وبصفة خاصة جريدة «الشعب» التي منحتهم حب المهنة التي لازمتهم طوال مشوارهم المهني، وعاد في تدخله إلى طرح مشكلة التوزيع، فالعناوين في الساحة الاعلامية كثيرة ما يجعل المختص يطرح سؤالا مهما وهو هل استطاع القطاع توجيه دراسة ميدانية تعكس واقع ما يحتاجه القارىء؟، فجيل اليوم حسب السيد مشاط لا نعرف عقليته الحقيقية خاصة وانه مرتبط بتكنولوجيات جديدة كالأنترنت والفايس بوك والتويتر. لذلك فما يحتاجه القارىء لا نجده عندنا، فتنظيم القطاع يتطلب كخطوة أولى تنظيم المجتمع حتى لا نكون مجرد صحافة جماهيرية، وقال ان الموزعين غير منظمين، فهم لا يملكون حتى سجلات تجارية ولا اعتمادات، وفي المقابل يطالبون الجرائد بمبالغ طائلة من أجل التوزيع. بالاضافة إلى مشكلة الأماكن المخصصة لبيع العناوين الصحفية التي في كثير من الأحيان تكون غير ملائمة أو تضطر البائع إلى عرض عنوانين فقط ويحجب الأخرى لأن المكان لا يكفي لذلك على الدولة ايجاد الحل لذلك لأن المنافسة شديدة. أما أحمد حمدي عميد كلية كلية الاعلام والاتصال والعلوم السياسية من خلال اختصاصه وبعد البحث الذي قام به في الصحافة الجزائرية منذ 1963 إلى 1988 والذي راجع فيه كل الاعداد الصادرة لجريدة «الشعب» فقد توصل إلى نتائج مهمة أولها ان «الشعب» هي أول يومية في تاريخ الصحافة الجزائرية الناطقة باللغة العربية. كذلك «الشعب» مدرسة ميدانية لأجيال من خريجي معهد الاعلام، والكل يعلم ان الدراسة الأكاديمية تختلف عن الممارسة في الواقع. ولعل أهم ما قاله هو ان «الشعب» هي تسجيل ليوميات الجزائر منذ خمسين سنة وكل من يبحث في تاريخ الجزائر لا بد له ان يتصفح جريدة «الشعب» إلى جانب نقطة مهمة أخرى أثارها السيد أحمد حمدي وهي ان الأدب الجزائري الحديث في السبعينيات ولد في أحضان الجريدة ما يعكس الدور المهم في الأدب والثقافة وتمنى في الأخير ان يستعيد هذه المكانة التي افتقدها أخيرا. ولم يختلف تدخل الاعلامي رابح سعيداني عن سابقيه حيث أكد ان الغرب لن يتركنا وراءه بمعجزة بل كان سر ذلك التنظيم لأن الصحفي سفير أمة بالصورة والصوت والحرف لذلك، فالصحافة عندنا لم تساير التطورات التي عرفها المجتمع من خلال الاهتمامات المختلفة لأفراده فهو يحب الرقص والرياضة ويهتم بدينه بشكل متوزن ولكن الصحافة لم تستطع عكس هذا التوازن ولم تنقله إلى المجتمع عبر اهتمام شامل لذلك يجب تضافر الجهود من أجل بناء مجتمع متوازن في احتياجاته واهتماماته. وكما قال شاء القدر ان يتزامن انطلاق جريدة «الشعب» مع تاريخ اندلاع أحداث 11 ديسمبر 1960، لذلك لابد أن نجعل من «الشعب» الانطلاقة الحقيقية للشعب. «الشعب» مدرسة كونت أجيالا من الاعلاميين وجاءت تدخلات الاعلاميين والأساتذة كلها في إطار تظهر فيه المدرسة التي ربت وما زالت تربي أجيالا من الاعلاميين على نقل المعلومة بشفافية وصدق وأمانة في إطار احترام كامل وشامل للقارىء وأداء كامل مسؤوليتها التاريخية تجاه الوطن والمصلحة العامة للمجتمع لتكون منهم واليهم.