19 محطة تحلية لإنتاج ملياري م3 آفاق 2030 تعمل الجزائر في الآونة الآخرة، من خلال عدة برامج استعجالية، على مواجهة نقص التساقط ببلادنا وتلبية الاحتياجات المتزايدة من المياه المتعلق بالنمو الديمغرافي والحضري، وكذا النشاطات الزراعية والصناعية، معتمدة في ذلك على النهج التشاوري والاتصال ومشاركة جميع القطاعات والجهات الفاعلة لتحديد الأولويات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. يبرز تدخل الدولة في كل مرة ببرامج وإجراءات استعجالية لتغطية ومواجهة العجز المسجل في المياه، بالإضافة إلى وجود استراتيجية تنموية للقطاع آفاق 2030 لتحقيق الحد الأقصى من حشد الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية، عن طريق إنشاء الاحتياطات الاستراتيجية الإقليمية بالاعتماد على السدود ذات السعة الكبيرة والتحويلات الكبرى، إلى جانب الاستثمار في المصادر التكميلية البديلة كمحطات تحلية مياه البحر والتطهير، واتخاذ العديد من الإجراءات للحد من التبذير ومواجهة أي نشاط من دون ترخيص من شأنه أن يرهن مستقبل الأمن المائي للجزائر. وتمتلك الجزائر 11 محطة تحلية، غير أن محطتين اثنتين لم تنجحا، يتعلق الأمر بمحطة المقطع بوهران التي تعد الأكبر بالجزائر والأولى إفريقيا، بطاقة إنتاجية تصل إلى 500 ألف م3/اليوم، ومحطة سوق الثلاثاء بتلمسان، التي كلفت 21 مليار دج لإنجاز قنوات أخرى لتزويد البلديات المكلفة بتموينها، ناهيك عن اعتماد هاتين المحطتين على التناضح العكسي "الأسموز"، بدل الترشيح الفائق. ثلاث محطات تحلية بشرق العاصمة وبهدف التخفيف من حدّة الجفاف على منطقة الوسط، وخاصة العاصمة، تم الإعلان عن إنجاز ثلاث محطات تحلية بشرق العاصمة أحادية الكتلة، بمنطقة المرسى لإنتاج 60 ألف م3، قورصو لإنتاج 80 ألف م3، برج الكيفان بموقع الباخرة المحطمة لإنتاج 10 آلاف م3، بإجمالي 15 ألف م3، بهدف رفع هامش المناورة في تسيير المياه، لتضاف إلى محطتي فوكة، ورأس جنات للتخفيف من أزمة المياه، كما سيتم إنجاز 6 محطات أخرى بكل من تيبازة وهران، بجاية، بومرداس والطارف، بطاقة إنتاجية تصل الى 300 ألف م3/اليوم، بحيث سترتفع الكمية المنتجة إلى 60٪ من المياه، بمجرد دخولها حيز الاستغلال في سنة 2030 إلى 19 محطة والوصول إلى إنتاج (2) ملياري م3. وتسعى الدولة إلى تجنب أخطاء ارتكبت في الماضي، من خلال تبني التفكير الاستشرافي لهذا النوع من المشاريع، حتى تكون بنظرة مندمجة ومتكاملة للتحكم في صناعة المصافي أو إنجاز بعضها، وإنشاء مصانع للصيانة والتركيب مستقبلا، للتخفيف من حدة التبعية، مهما كان نوعها، خاصة وأن الأمر يتعلق بالأمن المائي. المعالجة الثلاثية بمحطات التطهير في المقابل، تمتلك بلادنا أيضا أكثر من 200 محطة تطهير بقدرة معالجة تصل إلى 900 مليون م3، لكن لا تنتج نصف الكمية، بحيث لا تتجاوز الكمية المنتجة 400 مليون م3، مياه 18 منها فقط يعاد استخدامها في السقي الفلاحي؛ لأنها تعتمد على التطهير الثلاثي من بين 30، في انتظار تعميم هذه التقنية مستقبلا، والعمل على بناء محطات جديدة للوصول إلى إنتاج (2) ملياري م3 واستخدامها في الفلاحة. وجاء تدخل رئيس الجمهورية، أول أمس، خلال مجلس الوزراء المنعقد، الأحد، ليمس بعض النقاط المرتبطة بتعزيز البدائل التكميلية للمصادر التقليدية للمياه التي من شأنها التخفيف من الإجهاد المائي، والذهاب إلى أبعد من ذلك لتشمل التفكير في بناء تصورات متكاملة بمنطق استشرافي لضمان الاستخدامات العقلانية للموارد المائية، بما يخدم الأمن المائي بمختلف أبعاده الاقتصادية الاجتماعية الصحية والبيئية. في هذا السياق، أوضح الخبير الدولي في الموارد المائية والمحافظ في المجلس العالمي للمياه والخبير القضائي في نفس المجال د. مكي مساهل، في تصريح ل "الشعب"، أن الإجراءات التي خرج بها مجلس الوزراء، بخصوص تعزيز القدرات الوطنية من الماء لضمان الأمن المائي، هي نقاط تطبيقية ميدانية، يجب أن ترافق بإصلاح شامل لمنظومة المياه على الصعيد التشريعي التنظيمي والمؤسساتي، لتأتي بثمارها على الأمدين المتوسط والطويل. في المقابل، شدد الخبير على إصلاح الإستراتيجية الوطنية للمياه التي لم تتغير فعليا منذ 25 سنة على المستوى التشريعي، بداية بقانون المياه الذي يجب أن يعدل ويكيّف حسب الظروف الحالية، وإعادة النظر في تسعيرة المياه، وإدخال المصادر الجديدة للمياه غير التقليدية في قانون المياه كعنصر أساسي إلى جانب المياه التقليدية، ونفس الأمر بالنسبة للمياه المستعملة. وأكد المتحدث على ضرورة تفعيل شرطة المياه وإصلاحها، وانخراط وزارة العدل كطرف في محاربة العمليات التي تمس بالأمن المائي والتبذير، من خلال سن عقوبات خاصة، بدل الاكتفاء بفرض غرامات فقط، على غرار تلك المعمول بها في المخالفات؛ وذلك لن يكون إلا باستعادة الوزارة وبصلاحيات واسعة، تضمن التدخل واتخاذ القرار بكل استقلالية بعد التشاور مع الشركاء والفاعلين المتدخلين. فعلى المستوى المؤسساتي، وجب إعادة النظر بحسبه في عمل مؤسسات تسيير المياه ك«سيال" "سيور"، "الجزائرية المياه" وغيرها، ويتعين على وزارتي الموارد المائية والداخلية التنسيق أكثر وتحديد الاحتياجات في إطار عمل تشاركي. كفاءات وطنية للتسيير بخصوص التكوين، أوضح الخبير في المياه، أن المقصود به هنا تكوين تقنيين وتقنيين سامين على مستوى مراكز التكوين المهني، كمخطط استعجالي للرجال الذين يسيرون محطات التحلية الحالية، أو التي ستنشأ مستقبلا، على الأمدين المتوسط والطويل. وشدّد مساهل على أهمية إنشاء مدرسة خاصة بتحلية المياه، تتولى إعداد تصاميم مشاريع المحطات، وليست مدرسة قطب تابعة لوزارة التعليم العالي، مقترحا تحويل المدرسة الحالية للري المتواجدة بالبليدة؛ لهذا الغرض وتكون تابعة لقطاع الموارد المائية، لتخريج مهندسين مختصين في التحلية في مختلف التخصصات، وإعطائها مهام خاصة على الأمدين المتوسط والطويل. وأكد المتحدث - في هذا الإطار - إمكانية الذهاب إلى أبعد من ذلك وإرساء "صناعة تحلية المياه" مع استحداث المؤسسات الناشئة، وهو ما ركز عليه مجلس الوزراء عندما تحدث عن ضرورة إنشاء بيئة صناعة متخصصة، تعمل على تطوير واستغلال هذا التخصص ليكون مقوّما إضافيا في عجلة الاقتصاد الوطني. في المقابل، أشار الخبير في المياه إلى أن إنشاء محطات التحلية هو حل تكميلي يدعم المصادر التقليدية، وله شروط تقنية وبيئية، مستفيدا من ذلك بخبرة الدول الرائدة في هذا المجال، بحيث يجب أن تدرس كل الجواب بما فيها تأثيرها على البيئة على الأمد الطويل، خاصة في رفع نسبة ملوحة مياه البحر القريبة للسواحل، وتأثير ذلك على المحيط البيولوجي أو الحياة البحرية لطول منبع هذه المحطات. وفيما يتعلق بوضع مخطط اقتصاد المياه، أكد مساهل أنه يستدعي تكوين لجنة تضم كل القطاعات لتحديد الاحتياجات؛ لهذا تم ذكر الداخلية، البيئة، الصناعة والفلاحة على أن يكون تسيير القاطرة لقطاع الموارد المائية. وبخصوص محطات تصفية المياه المستعملة واستخدامها في السقي الفلاحي، أكد مساهل أنه لا يستغل من المياه المنتجة سوى 10٪، في حين يصبّ الباقي في البحر، على غرار محطة براقي التي تصب كميات معتبرة في وادي الحراش لضمان سيلانه، ومنها كميات أخرى تكون مع الشوائب الناتجة عن إنتاج الطمي أو الحمأة؛ لهذا يجب إعادة تهيئة هذه المحطات لتعمل بكل طاقتها للمعالجة وتعميم المعالجة الثلاثية على كل محطات المعالجة رغم تكلفتها الكبيرة من أجل استعمالها في الفلاحة. المواطن شريك فاعل فيما يخص المواطن، اعتبر المتحدث أنه حلقة مهمة في إنجاح الجهود التي تبذلها الدولة، سيما في ترشيد الاستهلاك وعدم تبذير هذا المورد الثمين؛ لهذا لابد له من أن يمارس مواطنته عن حق ويكون شريكا فاعلا، مشيرا إلى أن ذلك لا يكون إلا برفع الدعم عن الماء لحثه على الالتزام، خاصة وأن الدولة تعمل على توجيهه لمستحقيه من خلال صبه مباشرة في الأجور، على غرار ما تم مؤخرا من زيادات على مراحل. وبالنسبة لمحطات غسل السيارات، أوضح أنه ضد قرار توقيفها مؤقتا أو منعها، بل على العكس، يجب توجيهها وتحسيسيها بضرورة الاستفادة من المياه المعالجة التي يمنحها الديوان الوطني للتطهير "لونا"، مجانا، وعدم استعمال المياه الموجهة للشرب.