إصلاحات للنهوض بالاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات حمل مشروع قانون النقد والقرض الجديد جملة من الإصلاحات التي تمس أسس المنظومة المصرفية والمالية بالجزائر، وهو ما حمل المختصين على التفاؤل بشأن مستقبل الاقتصاد الوطني الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بأداء المنظومة المالية والمصرفية، خاصة وأن أهداف الحكومة الجزائرية واضحة خلال الفترة الأخيرة وهي النهوض بالاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات، وتعزيز الحوكمة والمحافظة على التوازنات المالية التي تصبو لها الحكومة الجزائرية. في قراءة أولية لمشروع قانون النقد والقرض الجديد الذي من المرتقب مناقشته بمبنى زيغود يوسف خلال الأيام المقبلة، يرى أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة البويرة، الدكتور علام عثمان، أن القراءة الأولية لهذا القانون تسمح لنا باستخلاص عدّة جوانب مهمة مقارنة بالقانون الحالي، في مقدمتها أن هذا القانون جاء ضمن سياق عام يتميز بتحديث المعاملات المصرفية من وإلى الجزائر، بما يسارع في وتيرة اندماج ومواكبة المنظومة المصرفية الجزائرية في المنظومة الدولية خاصة مع تطلع الجزائر إلى مجموعة "بريكس". وأضاف الدكتور علام عثمان أن هذا المشروع القانون جاء ليكرس توجه الدولة في المضي قدما نحو إعطاء دفع قوي للاقتصاد الوطني من خلال تحسين بيئة الأعمال على اعتبار أن المنظومة المالية والمصرفية تعتبر شريان النشاط الاقتصادي. وأشار الدكتور علاّم أن هذا المشروع يختلف عن القانون الساري في السياق الذي جاء فيه وهو التناغم مع حزمة من الإصلاحات المرتبطة بالشأن الاقتصادي، وفي مقدمتها قانون الاستثمار وقانون المالية لسنة 2023 والتي تعتبر الأضخم في تاريخ الجزائر، بالإضافة الى قانون الوقاية من تبييض الأموال وجملة من القوانين والإجراءات التي لها ارتباط مباشر بالشأن الاقتصادي وتحقيق الأهداف الاقتصادية المعلن عنها من طرف الحكومة الجزائرية، خلال الأمد المتوسط والبعيد وفي مقدمتها تحقيق معدل نمو لا يقلّ عن 5 بالمئة في السنوات المقبلة. وأضاف الدكتور علام عثمان أن مشروع قانون النقد والقرض الجديد جاء ليعزز مكانة الصّيرفة الإسلامية لأول مرة من خلال قانون النقد والقرض وهذا الإجراء له أثر كبير في تعبئة حجم أكبر من المدخرات والكتلة النقدية خراج نطاق التداول بما يعزّز ويوسع حجم الاستثمارات لدى القطاعات الاقتصادية. وأشار محدثنا أنّ المشروع يعطي مرونة أكبر للمتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين الأجانب من خلال السماح لهم بتحويل رؤوس الأموال من وإلى الجزائر وفق آليات محدّدة من طرف مجلس النقد والقرض وبما يتوافق مع قانون الاستثمار الجديد، كما أن هذا القانون سيعزّز أيضا التوجه نحو حوكمة أكبر للمنظومة المصرفية والمالية من خلال توسيع صلاحيات مجلس النقد والقرض خاصة من خلال منحه سلطة اعتماد مكاتب الصرف والبنوك الرقمية. وتوقف محدثنا عند هذه النقطة التي تعتبر من بين أهم المكاسب التي أتى بها مشروع القانون مؤكدا على أن المشروع أعطى مجلس النقد والقرض سلطة منح امتياز لمكاتب الصرف، وأكد على ضرورة أن لا يكون سعر الصرف متعددا، وهذا بإمكانه أن يساهم في تنشيط قطاعات حيوية مثل القطاع السياحي على اعتبار توفر مكاتب الصرف سيسمح بتعديل سعر صرف الدينار بين السعر الرسمي والسعر الموجود في السوق الموازي، كما سيسمح بامتصاص جزء كبير جدا من الكتلة النقدية خارج نطاق التداول والمقدرة بحوالي 90 مليار دولار حسب التصريحات الرسمية. وأضاف أستاذ الاقتصاد المالي أنه كلّما حاولنا الانتقال نحو شرعنة ومؤسسة النشاط الاقتصادي بما في ذلك صرف العمولات كلما أعطينا هامشا أكبر للاقتصاد الرسمي والاقتصاد الحقيقي وبالتالي سيسمح بتوسيع النشاط الاقتصادي وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال الى توسيع القيمة المضافة والوصول الى الهدف الاقتصادي الأكبر المرجو بلوغه وهو معدل نمو محفز لاستدامة التنمية في الجزائر والمحافظة على التوازنات المالية التي تصبو لها الحكومة الجزائرية. وأضاف الدكتور علام عثمان أن العودة لنظام العهدة لمنصب محافظ البنك مع تقليص مدة العهدة من 5 سنوات إلى 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، يعتبر واحدا من أهم أوجه الحوكمة التي أتى بها هذا المشروع والتي تغيب عن القانون الحالي، وهذا يعطي مصداقية وشفافية أكبر وفرص عديدة. وقال الدكتور علام "المسؤولية أصبحت تحاط بحجم كبير حول مدى تحقيق الأهداف ومنح فرص للكفاءات الوطنية في توجه واضح نحو التداول على هذه المناصب الحسّاسة"، بما يمكن الجزائر والمؤسسات من الاستفادة من عدد أكبر من الخبرات الوطنية، وهذا ما يتناغم مع الإطار العام للحوكمة الذي يدعو الى التداول والشفافية والمشاركة. وأفاد أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة البويرة أن من بين الجديد الذي حمله مشروع قانون النقد والقرض هو استحداث آليات جديدة للسياسة النقدية، وذلك من خلال تحديث وتطوير وتوسيع وسائل الدفع، والحديث لأول مرة عن اعتماد الدينار الرقمي الجزائري وما له من أثر كبير في الحد وتقليص حجم الاقتصاد الموازي وإعطاء شفافية أكبر لكل المعاملات المالية والمصرفية التي تقوم على أرض الجزائر وتساهم في تعزيز وتطوير قطاعات اقتصاد الوطني. من جهته، يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف أن المشروع يمنح هامشا أكبر للمنظمة المالية في الجزائر من جانب سيران المعلومة والتنبؤ بأي خطر محدق بالمنظومة المصرفية والسوق المالية بالبلد، وأضاف أن الجديد الذي أتى به المشروع المتعلق باستحداث الدينار الرقمي لبنك الجزائر وهو ما يعطي قيمة مضافة كبيرة للمنظومة البنكية في الجزائر ويعزّز الأدوات النقدية الموجودة الحالية. وأشار أن تعزيز النقود الماديّة بالنقد الرقمي تحت سلطة بنك الجزائر يعتبر إضافة كبيرة للمنظمة المالية لم يسبق وأن أشير إليها في أي قانون من قبل، ومن جانب آخر يرى محدثنا أن هناك جهودا كبيرة من أجل إصلاح تقني وإصلاح في الخدمات من خلال إدراج وتعميم التكنولوجيات الرقمية بإدراج واستحداث بنوك رقمية، وإعادة النظر في منظومة الدفع التي تعرف تأخرا كبيرا في الجزائر وفي تعريفها من خلال القانون الساري.