في سابقة تاريخية، قَبِل المغرب بتحويل مدينتي سبتة ومليلية الاسبانيتين، إلى نقطة رسمية للجمارك، حيث أفادت وزارة الخارجية الإسبانية عن البدء بالعمل على تحويل مدينتي سبتة ومليلية إلى نقطتين للتصدير والاستيراد بين البلدين، واعتبرت أنّ الأمر يتعلّق بمنعطف في تاريخ البلدين. وكانت مندوبية الحكومة في سبتة قد أوضحت بأنّ هذه العملية بدأت الجمعة الماضية بعملية تجريبية لتصدير مواد تنظيف إلى الأراضي المغربية. والمثير في هذا التطوّر غير المسبوق والذي يعكس بما لا يدع مجالا للشكّ، أنّ المملكة المغربية تقرّ بإسبانية المدينتين، اللتين تشكّلان همزة وصل بين أوروبا وإفريقيا، أنّ المغاربة المتاخمين لسبتة ومليلية مثل سكان إقليم تطوان، والذين كانوا يدخلون إلى المدينتين الاسبانيتين بدون تأشيرة، سيكونون ملزمين مستقبلا بالحصول على تأشيرة دخول، ما يعني أن المدينتين أصبحتا ضمن فضاء "شنغن" الأوروبي. منعطف حقيقي لم يصدِر المغرب أي بيان رسمي حول هذا المستجد الذي يمكن تصنيفه بمنعطف حقيقي، ذلك أنّه ظلّ يرفض الاعتراف الرسمي بالتبادل التجاري خاصة في حالة مدينة سبتة، لأنّ هذه الوضعية ورثها من اتفاقية تعود إلى القرن التاسع عشر. ورغم مرور مئات الآلاف من الأشخاص من سبتة ومليلية الاسبانيتين إلى المغرب، وفي الاتجاه المعاكس سنويا، كان المغرب لا يعترف بأنهما نقطتان رسميتان للجمارك ومركزا للحدود، بل يسميهما "باب سبتة" و«باب مليلية". ويعد القرار منعطفا تاريخيا بحكم أن المغرب كان قد تعهّد خلال نوفمبر من سنة 2007، إثر زيارة الملك خوان كارلوس للمدينتين، بتدويل الملف وطرح استعادة السيادة عليهما في المحافل الدولية. وأصدر وقتها بيانا يصف فيه المؤسسة الملكية الإسبانية بالإمبريالية التي تعيش على فكر القرون الوسطى. ووصف بيان مغربي الزيارة بالقول: "المجازفة بمستقبل وتطور العلاقات بين البلدين، والإخلال الجسيم للحكومة بمنطوق وروح معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون المبرمة سنة 1991..الخطوة غير المجدية تسيء للمشاعر الوطنية المتجذرة والراسخة لدى جميع مكونات وشرائح الشعب المغربي". وسحب المغرب سفيره عمر عزيمان من مدريد وقتها. وأصدر البرلمان المغربي بغرفتيه بيانا شديد اللهجة يتوعد مدريد بإجراءات تصعيدية، ويعتبر أن ما قامت به استفزاز، لا سيما وأن الزيارة جاءت عشية العيد الوطني، أو ما يسمى بمسيرة العار. مكسب إسباني تاريخي غير أنّ الأمور اتّخذت منحنى آخر في السنوات اللاحقة، فقد هدّدت إسبانيا علانية عن طريق وزير خارجيتها مانويل غارسيا مارغايو خلال نوفمبر 2013، بأنّ طرح المغرب لكل من سبتة ومليلية يعد معرقلا للعلاقات الثنائية. ولم يعد المغرب يطرح هذا الموضوع رسميا بصفة نهائية، وغاب مبدأ استعادة السيادة على المدينتين عن الخطاب الرسمي للدولة والأحزاب. ويبرر تيار في الدولة المغربية بأن الصمت على سبتة ومليلية هو ظرفي بحكم الأولوية لمسألة الصحراء الغربية. ويبدو أن ما يعتبره المغرب ظرفيا، حوّلته إسبانيا إلى مكسب شبه أبدي. مدريد متمسّكة بأراضيها المثير للانتباه، أنّ الحزب الاشتراكي الإسباني يرهن موقفه الداعم لمطالب الرباط السيادية المزعومة على الصحراء الغربية، بتنازلات مغربية في سبتة ومليلية. فقد كان رئيس الحكومة فيلبي غونثالث قد تفهّم ما وصفها "مطالب" المغرب في الصحراء الغربية المحتلة لكنه في المقابل، منح سبتة ومليلية الحكم الذاتي سنة 1995، رغم أن البلدين وقّعا سنة 1991 على اتفاقية الصداقة وحسن الجوار. وكانت زيارة ملك إسبانيا إلى المدينتين خطا أحمر، لكن رئيس الحكومة الاشتراكية خوسي لويس رودريغيث ساباتيرو، فرض الزيارة يوم 5 نوفمبر 2007، وأصبحت زيارات ملوك إسبانيا ووزرائها إلى سبتة أمرا طبيعيا دون رد فعل من المغرب، عكس ما كان يحدث في الماضي. وينجح رئيس الحكومة الاشتراكي الحالي بيدرو سانشيز في تحويل سبتة ومليلية إلى مركزين جمركيين بموافقة المغرب، وذلك في سابقة تاريخية ذات دلالات رمزية. وكان الحزب الاشتراكي الإسباني الذي نقل إلى البرلمان الأوروبي أزمة المهاجرين إبان اقتحام آلاف المغاربة سبتة في ماي2021، وحصل على موقف من البرلمان الأوروبي في جوان من السنة نفسها، يعتبر أنّ سبتة ومليلية هي أراض إسبانية وأوروبية.