دشنت الجزائر السنة الجديدة بزيادة في وتيرة الشراكة الاقتصادية مع متعاملين أدركوا جدية السوق الاستثمارية من خلال المشاريع الثقيلة التي تطرحها على المديين المتوسط والبعيد.وتبين الحصيلة الأولية للزخم الذي تشهده السوق الجزائرية أن قاعد 51/49 التي كرستها سياسة الاستثمار الأجنبي ليست عائقا أمام المبادرة بدليل أن ملفات استثمارية عديدة يجري انجاز مراحلها بينما أصوات تغرد هنا وهناك تروج لادعاءات لا تصمد أمام الواقع مضيعة فرصا ثمينة بإمكان الرأسمال الخاص الوطني أن يقطف ثمارها لو يدخل معترك الساحة الاستثمارية بجرأة خاصة في قطاعات مضمونة الربح. في ظرف قصير تجسدت ملفات تحولت إلى مشاريع على غرار الشراكة الجزائرية القطرية حول مركب الحديد والصلب بمنطقة بلارة بجيجل حيث المنشآت القاعدة اللازمة قائمة، ومعمل تركيب السيارات لرونو الذي يرى النور بمنطقة واد تليلات بوهران، ومعها سلة اتفاقيات الشراكة مع متعاملين من اسبانيا تشمل عدة قطاعات تعود بالفائدة على الطرفين. الطفرة الاستثمارية التي تتحقق على ارض الواقع تؤكد بما لا يدع مجالا للريبة قوة ومتانة المنظومة الاقتصادية التي تستند ليس للموارد المالية التي تغلق السنة باحتياطي يناهز 200 مليار دولار، بقدر ما ترتكز على مؤشرات كلية تحصن الساحة الاقتصادية على مدى السنوات القادمة التي يرتقب أن تقع تحت ثقل تداعيات الأزمة المالية العالمية وبالأخص تلك التي تجري فصولها على مستوى منطقة الاتحاد الأوروبي في ضوء أزمة اليونان وبلدان أخرى تقف على حافة العجز عن التسديد. وفي هذا الظرف تحولت السوق الجزائرية إلى قبلة للاستثمار الوافد من مختلف جهات العالم لما تقدمه هذه الساحة النشيطة من فرص وضمانات قلما يعثر عليها في أسواق أخرى. وهي مرحلة ينتظر أن يتم استغلالها بشكل مكثف وقوي من حيث الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة وطرق التسيير وتحقيق تراكم التجربة في تدوير الرأسمال من خلال التحكم في إنتاج القيمة المضافة التي تعتمد على احترافية وتكوين الموارد البشرية وهو الموضوع الذي يرتقب أن يحظى بمزيد من العناية من جانب المؤسسات الاقتصادية والدوائر المعنية بالاقتصاد العمومية منها والخاصة خاصة في ظل التوجه الجديد الذي سطرته بورصة الجزائر في وقت تستعد فيه للانتقال إلى مرحلة متقدمة في استقطاب المؤسسات ورجال الأعمال الاحترافيين الذين لديهم قناعة اعتماد الشفافية والوضوح. ويندرج كل هذا الرصيد في سياق إرساء أرضية متينة لبناء عقد النمو الذي تحرص عليه الدولة من خلال العمل في العمق الذي يقوم به الوزير الأول لتدارك الوقت واستغلال امثل للإمكانيات المتاحة وهي كثيرة لا ينبغي أن تبقى رهينة إجراءات بيروقراطية تستنزف الوقت والجهد. ويقتضي هذا الخيار المكرس لحالة الاستقرار انخراط كافة الأطراف المعنية في ديناميكية تتجاوز الذهنية البيروقراطية ولا تعترف بالتردد وهي رسالة تكون قد بلغت كل من منظمات الباترونا والشريك الاجتماعي ممثلا في المركزية النقابية لاتحاد العمال التي أعلنت قناعتها الكاملة للعمل مع الوزير الأول عبد المالك سلال من اجل تحقيق الهداف الوطنية خاصة مع إعلانه الواضح للسهر على انجاز برنامج التنمية الخماسي في الميدان وإنهاء كل المعوقات بما في ذلك التوجه لإعادة تنشيط قطاعات مهمة مثل النسيج لما يوفه من قدرات للتشغيل وارتباطه بحاجيات السوق. وبهذا الصدد جاءت الترتيبات البنكية الجديدة التي تسهل عمليات فتح حسابات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وللأفراد لترافق التوجه الجديد مدعوما بتعديل قانون الصفقات العمومية بما يحرر روح المبادرة للمسيرين ويضاعف من مساحة التحرك في الوقت المناسب ومن ثمة يتم ضبط الأمور على وتيرة اقتصاد السوق بالمفهوم الاستثماري والمنتج وليس بمفهوم السوق التجارية. وهنا بالذات تكمن مسؤولية المؤسسة الاقتصادية الجزائرية وبالذات المصنفة في خانة القطاع الخاص الوطني التي ينتظر أن تنخرط كلية في مسار البناء الاقتصادي المتجدد برؤية استثمارية بالأساس خاصة في القطاعات التي تتميز بالديمومة والتنافسية محليا وإقليميا. ولا يزال ينتظر من منظمات أرباب العمل على غرار منتدى رؤساء المؤسسات أن يكشف عن رؤيته للمستقبل بأكثر وضوح من خلال إدراك الأهداف الإستراتيجية التي رسمتها الدولة ضمن البعد الجيواستراتيجي للتنمية المستدامة والرغبة الصريحة في إرساء اقتصاد بديل للمحروقات باعتماد مقاربة اقتصادية بعيدة المدى تضع الفلاحة والسياحة والصيد البحري والصناعات التحويلية في صميم المعادلة.