ما فتئت العلاقات الإقتصادية والتجارية بين الجزائر والولايات المتحدةالأمريكية تنمو وتزداد تطورا، وهي تقف حاليا على عتبة نقلة نوعية تعكسها حصيلة المبادلات التي تترجمها حركية الوفود الإقتصادية في الإتجاهين منها بالأخص حضور ملموس للمتعاملين الإقتصاديين في معارض وندوات ذات صلة بالموضوع داخل هذا البلد العملاق، بينما تتطلع السوق الجزائرية لمجيء مستثمرين ممن ينشطون خارج دائرة اقتصاد الطاقة التقليدية والمحروقات التي لا تزال حجر الزاوية للتعاون بين البلدين. كانت الطاقة ولا تزال الورقة الأولى في المبادلات بين الجزائر وأمريكا. وبقدر ما تستمر في تبوئها المكانة الأولى، فإن تطورات الإقتصاد لدى الجانبين تقتضي المرور إلى تناول نشاطات استثمارية جديدة خارج المحروقات، عملا بقاعدة المبادلات المتوازنة والمنصفة يكون فيها لجانب الموارد البشرية مكانة متقدمة ومن ثمة إرساء مبادلات ترتكز على منظومة قيم اقتصادية أولها الإنتاج وفقا لحاجيات السوق وتنمية عنصر القيمة المضافة باعتبارها المؤشر الحاسم في التعاطي مع تنافسية الأسواق الجهوية والعالمية. ووفق هذا المنظور، سمحت أكثر من مناسبة لمختلف دوائر المتعاملين الأمريكيين بالإطلاع على التشكيلة العريضة لفرص الإستثمار الإقتصادي المنتج للقيمة المضافة. ويتعلق الأمر أساسا بقطاعات الأشغال العمومية، والبناء، والصيد البحري، وتكنولوجيات الإعلام والاتصال المتقدمة، والأدوية، والفلاحة والصناعات الغذائية والسياحة. وتقدم هذه المحاور التي تؤسس لما يوصف بالاقتصاد الأخضر، عناصر محفزة وتنافسية أبرزها قوة السوق المحلية بفضل برنامج الاستثمار العمومي الهائل، وقرب عدد من الأسواق الإقليمية مثل منطقة المغرب العربي وإفريقيا وجنوب أوروبا، بل ويمكن إدراج مخططات الإنتاج نحو أسواق الجانب الشرقي من الكرة الأرضية مثل بلدان الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وهو أمر يعد فيه الموقع الجيواستراتيجي للجزائر مؤشرا يقلل من تكاليف النقل. كما تمثل وفرة الطاقة وأسعارها التنافسية مؤشرا جذابا يندر عرضه في بلدان أخرى، إلى جانب اليد العاملة المؤهلة وغير المكلفة وهو ما يساعد المستثمر الأمريكي على الاطمئنان وضمان الكسب، الأمر الذي يعد أول انشغال أي متعامل. وعلى الرغم من كل هذه الأوراق الجزائرية بامتياز، يبدو أن المتعاملين في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، خارج المحروقات، لا يزالون بعيدين عن حجم وتنوع العروض الإستثمارية مفضلين النظر للسوق الجزائرية ضمن إطار السوق المغاربية قاطبة وفقا لمشروع «إيزنستات» الذي ينطلق من نظرة إقليمية لا يبدو أنها صحيحة تماما بالنظر لخصوصيات كل سوق محلية من مختلف الجوانب بما فيها الاحتياجات وعناصر الإندماج والطموح لنيل مرتبة الشريك في المنظور البعيد بعيدا عن الظرفية والاعتبارات غير الإقتصادية التي تبنى عليها الحكومات وهي غالبا ما تكبّل المبادرة الاستثمارية وتعطلها بل أحيانا تلغيها طالما أن الإعتبار السياسي الإقليمي يطغى على الإعتبار الإقتصادي الثنائي وهو المنطلق. ومن هذا التشخيص لماذا لا تترجم مبادرات إستثمار ثنائية خاصة من خلال القطاع الخاص الاحترافي أو المختلط عمومي خاص تمهد لشراكة بأبعاد مفتوحة على الأسواق الجهوية تلعب فيها عناصر الإنتاج بين البلدين الدور الأول في الجذب والإستقطاب بدء بالسياحة مثلا وغيرها في ظل ما تعرفه الجزائر من عودة للأمن وتعميق للإستقرار وتوجه واضح للإنفراج أكثر فأكثر في شتى مناحي الحياة الإقتصادية والسياسية من خلال الإعلان عن إستئناف خيار الإصلاحات المكرّسة للمؤسسات والشفافية وسلطان القانون، وهي مسائل تدرج في المنظومة التشريعية وتتم ترقيتها باستمرار.