ثقافة المؤسّسة وحسّ المسؤولية كانا وراء ما تمّ تحقيقه على جميع الأصعدة إستراتيجية الدّولة والجهود الصّادقة للعمّال..تكاملٌ حقّق الأهداف اعتبر الخبير والمحلل الاقتصادي، البروفيسور فريد كورتل، في اتصال أجرته معه «الشعب»، يوم أول ماي، محطّة تستوجب التوقف عندها، لما تحمله من ذكرى وعبرة، تترجم نضال الحركات العمالية في العالم من أجل الارتقاء إلى ظروف عمل كريمة وتحصيل المكاسب، مما جعل أرباب العمل والمشرعين ومسيري المؤسسات يدركون مدى أهمية الدور الذي يقوم به العامل في أي مقام كان، كمحرك أساسي للعجلة الإنتاجية، بغض النظر عن مجالات النشاط الذي يزاوله. قال كورتل إنّ العامل ركيزة أساسية في الحركية الاقتصادية، وذهب إلى أن الفاتح ماي محطة محورية ومفصلية في تاريخ الحركة النضالية العمالية، ومناسبة لاستذكار تضحيات عمالية شكّلت أرضية للمكاسب التي ننعم بها اليوم، بدءا من الثورة الصناعية التي قامت بفضل سواعد العمال، ممّا يحمل جيل الحاضر من العمال أمانة الاستمرارية وبناء اقتصاديات بلدانهم. من الاستنزاف..إلى الحقوق المشروعة وبخصوص ذكرى عيد العمال، يقول البروفيسور كورتل، إنّها فرصة جاءت لترسّم عملية انتقال حقيقية لصالح الحركة العمالية، مكّنت العمال من الانتقال من مرحلة الاستنزاف لطاقاته، علما أنّه كان ينظر إليه على أنه آلة لا حق لها في التوقف عن العمل، الذي غالبا ما يصل إلى 16 ساعة يوميا أو يتجاوزها مقابل أجر زهيد، ممّا أثار بركان غضب عالمي، عبّر خلاله العمال عن حقهم في تشريعات قانونية تضمن حقوقهم وتصون كرامتهم. كما أدرك أرباب العمل أن عهد استغلال واستنزاف جهود وطاقات العمال قد بلغ نهايته، وأنّ تحصيل الإنتاج وتطويره لا يمكن أن يتم بمعزل عن العمال. ويرى كورتل أنّ العمال مطالبون بالعطاء المستمر والعمل المجتهد لصالح مؤسساتهم واقتصاديات بلدانهم، مستشهدا بالعامل الياباني كمثال يقتدى به من حيث تكريس الجهود من أجل تقديم الأفضل لمؤسسته لاقتناعه باستحالة استمراريته في حال اندثار هذه الأخيرة، والعواقب المترتبة عن ذلك من فقدان لمنصب الشغل، ممّا يؤكّد الحس العالي لثقافة المؤسسة التي يتمنى كورتل أن تسود بين الجماعات العمالية ببلادنا للوصول إلى مستوى الاندماج المؤسساتي، وتعزيز ثقافة الانتماء من أجل الحفاظ على الممتلكات العامة، والنهوض بالاقتصاد الوطني بما يخدم الأجيال القادمة. قرارات غير مسبوقة لصالح العامل الجزائري.. واغتنم البروفيسور كورتل الفرصة من أجل الحديث عمّا حققه العامل الجزائري من مكاسب، بفضل عناية خاصة من رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، فالوقوف اليوم عند ما تحقّق يفرض وقفة عرفان بما أسدى الرئيس من توجيهات، وما اتّخذ من قرارات غير مسبوقة، خاصة فيما يخص رفع الأجور لثلاث مرات على التوالي، خلال مجال زمني لا يتجاوز السنة، ومراجعة قانون مزاولة النشاط النقابي، إضافة إلى منح العامل فرصة خوض تجربة ريادة الأعمال من خلال تمكينه من عطلة تتراوح بين ستة أشهر وسنة، لإنشاء شركته الخاصة، حيث يمكنه استئناف نشاطه في مؤسسته الأصلية في حال ما أراد ذلك. ولأنّ حسن الصنيع والجميل لا يمكن إلا أن يقابله مثله، يأمل كورتل أن يثمّن العمال الجزائريون بدورهم المكاسب المحققة من خلال استثمارها فيما يعود عليهم وعلى مؤسساتهم بالتطور والازدهار، وجعل ذلك حافزا للمساهمة بقوة في دعم النشاط الاقتصادي وبناء الاقتصاد الوطني. التفاف عمّالي حول مقاربة الإقلاع الاقتصادي وعلى ذكر الانجازات والمكاسب، أبى كورتل إلا أن يقودنا من خلال مداخلته إلى الوقوف وقفة تأمل عند ما تحقّق من برنامج رئيس الجمهورية، في الشق المتعلق بالإقلاع الاقتصادي والارتقاء به إلى المصاف العالمي، من خلال تحقيق معدلات نمو تمكنه من الالتحاق بكبرى الاقتصاديات العالمية. فتبني رئيس الجمهورية، منذ استلامه سدة الحكم، لمقاربة اقتصادية ترتكز على التفاف جميع الفئات العمالية حولها من أجل تحقيق أهدافها، حيث وضع برنامج عمل قوامه الإقلاع الاقتصادي في جميع المجالات دون تهميش أوإقصاء لأي منها، ودون تفويت لأي فرصة تقدم الإضافة للاقتصاد الوطني وتحقق الاستقرار الاجتماعي، بالإضافة إلى العمل على التصدي للأزمات التي يمكن أن تحول دون ذلك. وعلى ذكر هذه الأخيرة، يستحضر كورتل الجهود التي بذلتها الدولة خلال جائحة كورونا، من أجل الحفاظ على مناصب الشغل ودعم مداخيل العائلات الجزائرية المتضررة بمنح تمّ استحداثها، وضخّها لفائدة المتضررين وإعانات تواصلت طيلة فترة الجائحة التي أبدى خلالها الطاقم الطبي حسّا عاليا من المسؤولية والضمير المهني. منحنى تصاعدي للأرقام يترجم عزم الرّجال وعرج المتحدث إلى القطاع الاقتصادي النفطي، وقال إن سوناطراك سجلت سابقة تاريخية من حيث صادراتها من المحروقات وعقود الشراكة المبرمة مع مختلف الشركاء، خاصة الشريك الإيطالي، كشراكة مستقبلية لضخ الغاز الجزائري لباقي الدول الأوروبية، إضافة إلى سلسلة الاكتشافات النفطية بمختلف مناطق الجنوب مدشنة حقول نفط جديدة، بسواعد وكفاءات جزائرية. ومن مظاهر التطور الاقتصادي الذي حققه التكامل الواضح بين الإستراتيجية الرشيدة للدولة الجزائرية، والجهود الصادقة لجميع الفئات العمالية، ذكر المتحدث، تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية، حيث حقق الميزان التجاري مع فرنسا، لأول مرة منذ الاستقلال، 2.1 مليار دولار لصالح الجزائر، إنجاز ونجاح يعود جزؤه الأكبر إلى الطبقة الشغيلة، وجهود العمال الجزائريين بجميع فئاتهم وقطاعاتهم. أما عن الصادرات، فقد حظيت باهتمام وتركيز كبير من طرف رئيس الجمهورية، من خلال تبنيه لتنويع اقتصادي خارج المحروقات، مسطرا بلوغ 10 ملايير دولار صادرات خارج المحروقات سنة 2023 لتسجل منحنى تصاعديا قفز من 3 مليار دولار سنة 2020، و5 ملايير دولار سنة 2021 و7 ملايير دولار سنة 2022. وكل مرة، كان لتبني العمال على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم ورتبهم على رأسهم مسيرو المؤسسات الاقتصادية المكونة للنسيج الاقتصادي الجزائري، مقاربة الوصول إلى تحقيق صادرات خارج قطاع المحروقات وولوج الأسواق العالمية، بمنتجات جزائرية تنافسية من حيث الاستجابة لمعايير الجودة والأسعار. العامل الجزائري في منأى عن الأزمات يسعى رئيس الجمهورية منذ تنصيبه رئيسا للبلاد، إلى دعم الطبقة العمالية على اختلاف درجاتها ومستوياتها، فرغم العواقب الاقتصادية المترتبة على جائحة كورونا، متمثلة في كساد كبير اجتاح العالم الذي لم يعرف مثيلا لمثل هذه الأزمة الاقتصادية منذ 1929، حيث تميزت الأزمة الاقتصادية الحالية بوفرة في المنتجات وارتفاعا في أسعارها، ممّا أدى إلى غلق العديد من المؤسسات الاقتصادية العالمية وتسريح عدد كبير من العمال. وعكس ما يحدث في العالم من فقدان لمناصب الشغل، يتم تعزيز المكاسب الاجتماعية، يستطرد البروفيسور كورتل بنبرة بها كثير من الفخر والاعتزاز، مثمّنا فصل رئيس الجمهورية في أمر أجور العمال المتواجدين في عطلة إجبارية جراء الإجراءات الاحترازية للجائحة، أوتقديم منح وإعانات لعمال مؤسسات القطاع الخاص التي اضطر أصحابها إلى غلقها بعد توقفها الكلي عن النشاط. عرفان مستحق لرئيس الجمهورية من جهة أخرى، أضاف كورتل، أنه وفي ظل تراجع القدرة الشرائية على المستوى العالمي، بدون استثناء، وصعوبة الزيادة في أجور العمال، في ظل المعطيات الاقتصادية الراهنة. إلا أن ذلك لم يثن رئيس الجمهورية عن التزامه بمرافقة الطبقة العاملة بما تسمح به الميزانية العمومية، حيث بدأ بتخفيض الضريبة على الدخل، كبداية أولى، تلتها زيادات في الأجور ستصل نهاية سنة 2024 إلى ما يعادل 47 % عن الأجر القاعدي الذي كان مطبقا قبل ثلاث سنوات، ما يعتبر مكسبا لصالح العمال، يجب الاعتراف أنّه وجد في ظل ظروف خاصة جدا يواجهها الاقتصاد العالمي. فالامتيازات التي منحها رئيس الجمهورية للطبقة العاملة يعتبر سابقة تاريخية عالمية، لم يسبق لأي دولة أن قامت بها رغم الاحتجاجات العمالية التي عرفتها العديد من الدول. مقابل ذلك، دعا المتحدث، الطبقة العاملة إلى ردّ الجميل للوطن الذي يكون برفع التحدي، والسير خطوات إلى الأمام من خلال إثبات الانتماء إلى البلاد والاندماج ضمن استراتيجياتها التنموية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، والرفع من الإنتاج والإنتاجية، والمساهمة في الرفع من قدراتهم وتبني الفكر التكويني والتدريبي ممّا يخدم معارفهم المهنية، وينمّي قدراتهم الإنتاجية من خلال تحكم أكثر في تقنيات الإنتاج، وما تعرفه من تطور مستمر لا يكاد يهدأ، ولا شك أنّ العمال الجزائريين كما برهنوا بالأمس بأنهم قادرين اليوم على تكرار مواجهة التحدي من أجل تنمية الاقتصاد الوطني.