الأمن الغذائي والطّاقوي رهان جزائر تخطو بثبات نحو تحقيقه 2022..لترسيخ السّيادة الاقتصادية والتّنمية المستدامة بعد 66 سنة من تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ومرور 51 سنة عن تأميم المحروقات، تعود الذكرى المزدوجة والجزائر تعيش تحديات اقتصادية ورهانات اجتماعية موازاة مع أزمة عالمية خانقة، فكان خيار 2022 سنة اقتصادية تحديا كبيرا لتحقيق الإقلاع الاقتصادي بالانتقال من اقتصاد ريعي إلى آخر متنوّع، منتج للثّروة، الى جانب إصرار الدولة الدائم على بعدها الاجتماعي من خلال اتخاذها إجراءات لدعم أجور الطبقة العمالية، وكذا تنظيم عملها النقابي من أجل تحسين مناخ العمل في المؤسسات الاقتصادية لتحقيق مردود إنتاجي أحسن، في معادلة عنوانها مصلحة الجزائر. تحمل الذّكرى المزدوجة الكثير من الرمزية الثورية والوطنية، جمعت بين البعد الاجتماعي والاقتصادي للدولة الجزائرية، ففي الأولى كان العمال في الجبهات الأمامية في الكفاح والجهاد من أجل الحرية، وفي الثانية حملوا على عاتقهم مهمة ضمان الانتاج بسبب مغادرة التّقنيين الفرنسيين بعد إعلان تأميم المحروقات، وبسط السيادة على الثروات الوطنية الباطنية من أجل تثمينها لصالح أصحابها الأصليين حتى تكون مصدر الدولة الفتية لتحقيق طموحاتها الكبيرة في التطور والتقدم، ببناء بنية تحتية وتمويل برامج التربية والتعليم والصحة المجانية، والرّهان الذي ما زالت الجزائر متمسكة به بالرغم من العقبات والأزمات. مهمّة وطن.. لم يكن من المعقول أن يبقى العمال الجزائريون على هامش ثورة اشتعلت شراراتها لتصل من جبال الأوراس الشامخة الى شوارع المدن وأزقتها، فكان حريّا بالطبقة العمالية أن تعلن بداية انضمامها الى هؤلاء المرابطين بالجبال، فكان يوم 24 فيفري 1956 التاريخ الرمز لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ليولد من رحم الثورة فكان هدفه الأساس دعم صفوف الحركة التحررية بجمع مختلف أطياف الطبقة العمالية الجزائرية تحت لواء تنظيم نقابي واحد، لنشر الوعي السياسي والكفاح المسلح من أجل تحقيق الهدف الأسمى استرجاع حرية وطن، فكان لعيسات إيدير الدور الأبرز في تأسيس هذا الاتحاد كأوّل منظمة نقابية جزائرية. وكان التعويل على تلك الإرادة لتكون سلاحا إضافيا في يد جبهة التحرير الوطني من أجل نشر الوعي السياسي، بالإضافة الى نضال النقابة من اجل تحقيق مصالح اقتصادية واجتماعية للعمالة الجزائرية في ذلك الوقت، وعدم اكتفائها بهذين الهدفين وانضمامها لمعركة الحرية، أعطى العامل الجزائري رؤية أوضح وأعمق للعمل النّقابي حتى لا ينحصر في مجرّد نضال من أجل لقمة العيش بل هو نضال من أجل وطن. ولعل إصرار جبهة التحرير على تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين بعد ما يقارب السنتين فقط من إشعال شرارتها الأولى، يعكس أهمية العمل النقابي في نشر الوعي وسط الفئات العمالية لأنّها رهان التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة. وإلا بقيت وانغمست في مطالب اجتماعية تعزل العامل عن الأهداف السامية للدولة، لأن اليد العاملة وما تقدمه من تضحيات من خلال التزامها في الاستراتيجيات العامة للدول يحوّله الى الرقم الرابح لأي مؤسسة أو قطاع أو دولة، لأن العامل البشري حسب المختصين هو المحرّك والمحفّز لأي تطور. لذلك المتتبّع لمسيرة الاتحاد العام للعمال الجزائريين على مدى 66 سنة، يجد أنّ العمال كانوا دائما في جوهر المعادلة الاقتصادية والاستراتيجية الوطنية، فكانت في خندق البناء والتشييد بعد الاستقلال، ورهان ضمان الإنتاج بعد تأميم المناجم في 1966 والمحروقات 1971، فكان الوعي السياسي في تلك الفترة علامة فارقة ساهم في أداء الجزائر دورا محوريا، بل استطاعت إطلاق صناعة قوية حينها. ولم يكن من المعقول تجاهل دور العامل الجزائري سنوات التسعينيات، حيث قدّم قائمة طويلة من شهداء الواجب في مختلف القطاعات، فكان استمرارهم في العمل رفضا صريحا لكسر الجزائر وانهزامها، ولم يقف أي شيء في وجه استمرار العامل الجزائري في نشاطه، حيث كان عبد الحق بن حمودة الاسم الرمز لكل هؤلاء الذين رفضوا الخنوع والخضوع، من معلّمين، مربين، صحافيّين وعمال مصانع ونساء لم تثن تاء التأنيث عزيمتهن من أجل بقاء الجزائر واقفة بالرغم من المؤامرات والتهديدات. ما أشبه اليوم بالأمس، العمل النقابي رهان التحديات الاقتصادية التي تعيشها الجزائر بعد أزمة اقتصادية عالمية امتدت ارتداداتها السلبية منذ 2014 زادتها الازمة الصحية حدة، لذلك كان لا بد من كسب رهان عمل نقابي يصب لصالح الجزائر، بعيدا عن توظيفه لصالح أجندات أجنبية أو عزله عن الاستراتيجية العامة لتحقيق إقلاع اقتصادي يسمح للجزائر بأن تكون في مصاف الدول المتطورة، يبعدها عن تهديدات سوق عالمية أسعار النفط فيها متأرجحة، لتكون سيدة نفسها منهيا بذلك مرحلة اقتصاد ريعي غير منتج. ولأنّ عجلة الاقتصاد تحرّكها أيادي العمال الجزائريّين، أمر رئيس الجمهورية خلال اجتماع لمجلس الوزراء نهاية أكتوبر الماضي «الحكومة بتحضير مشروع قانون إطار لممارسة النشاط النقابي يدافع عن مصلحة الموظفين والعمال بعيدا عن التجاذبات الحزبية والسياسوية»، مشدّدا في جانفي الفائت على «العودة إلى أبجديات العمل النقابي المعمول به دولياً، والمتمثلة في الدفاع عن حقوق العمال وترقية مناخ العمل، والابتعاد نهائياً، ضمن القانون، عن الممارسات السياسية، والارتباط العضوي بين النقابات والأحزاب»، بعد أن كرّس وكفل دستور 2020 ممارسة الحق النقابي من أجل تحقيق الغاية الأولى من النقابة في مشاركة كافة القوى الاجتماعية في اختيار السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة. تحييد ممارسة العمل النقابي عن السياسة سيحسّن مناخ العمل في المؤسسات، ما سينعكس إيجابا على الإنتاجية، خاصة مع إدراج التنمية البشرية والعدالة الاجتماعية في صلب سياسة الدولة الجزائرية، من خلال التكوين النقابي الذي يعد أحد أسمى معاني ممارسة الديمقراطية المسؤولية المجتمعية، فالعامل اليوم أمام رهانات وتحدّيات كبيرة تستدعي انخراطه في استراتيجية الإقلاع الاقتصادي لتأمين المكاسب وللتخلص من التبعية لإيرادات النفط. ولن يتأتى ذلك، إلا بتضافر جهود الجميع كل في مكانه حيث ستكون اليد العاملة في صلب المعادلة الاقتصادية التي يراهن عليها في تحقيق قفزة نوعية في العام الجاري، من خلال الارتقاء بالمؤسسات الاقتصادية الى معايير عالمية تنافسية، باستشراف المستقبل والاستعداد لتحقيقه، فالآن تصنع اللحظة، واللحظة تصنع اليوم، واليوم يصنع الغد. القدرة الشّرائية والتّكفّل بالانشغالات وضعت المسؤولية الاجتماعية رهان رفع القدرة الشرائية ضمن أولويات الدولة التي أولتها اهتماما كبيرا بعد ما عرفته من تهاو جعلت الطبقة المتوسطة تتآكل، فيما وسعت في المقابل من رقعة الفقر في المجتمع، وجاء الاهتمام بالقدرة الشرائية تجسيدا للبعد الاجتماعي للدولة الجزائرية التي ما زالت متمسّكة بهذا البعد على الرغم من الأزمات المتتالية اقتصادية وصحية. ويرى مختصّون أنّ تخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي وتعديل النقطة الاستدلالية برفعها في الوظيف العمومي، إجراء مهم يجعل المواطن البسيط يتنفّس الصعداء، بعد ما عاشه في الفترة السابقة بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، ما ينعكس إيجابا على أجور العمال، وهو ما سيكون له أثر واضح على المردودية الإنتاجية للمؤسسات. ويستفيد موظفو الوظيف العمومي من الزيادة في النقطة الاستدلالية التي لم تعدّل منذ 2007، وتخفيض الضريبة على الدخل الإجمالي، أي أنّ الأثر سيكون مضاعفا، للعلم يبلغ عدد موظفي الإدارات العمومية في الجزائر حوالي 2.3 مليون عامل، أغلبهم في قطاع التربية والتعليم والصحة والأمن، تخصّص لهم الدولة سنويا في الموازنة حوالي 3000 مليار دينار، أي 60 % من نفقات التسيير. الاهتمام الذي توليه الدولة لتحسين معيشة العمال برفع القدرة الشرائية من خلال إجراءات قانونية، وكذا الحد من المضاربة والاحتكار، يمنع استغلاله في أجندات تريد الحيلولة دون تحقيق الحركية الاقتصادية التي تعرفها الجزائر في السنوات الأخيرة، فكانت الجزائر تصر دائما على الإبقاء على دعمها الاجتماعي للفئات الهشة من المجتمع، حيث أعلنت على انتهاجها خيار الدعم الموجّه من أجل استفادة أنجع وأكبر من مستحقيها. ويعتبر الإجراء مهمّا لدفع وتحريك عجلة التنمية التي تعرف ركودا منذ السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة في الجزائر، فعادة ما يترتّب عن خفض الضريبة جذب الاستثمارات وتوفير مناصب شغل جديدة، ما يعني زيادة في الإنتاج، كما أنّ زيادة الأجور بصفة عامة، ستسمح بزيادة الاستهلاك وارتفاع الطلب، وبالتالي ارتفاع في الانتاج. الوجه الآخر للذّكرى لن تكون ذكرى تأميم المحروقات أقل رمزية من الأولى، فهي تؤكّد إصرار شعب على التسيد وامتلاك قراره بيده، فجاء قرار الرّئيس الراحل هواري بومدين بتأميم المحروقات في 24 فيفري من سنة 1971، إعلانا صريحا ببسط السيادة على الثروات الباطنية، في صورة واضحة عن استكمال استرجاع سيادتها على الأرض ما ظهر منها وما بطن، فكان الرّهان بأن تتمكّن الجزائر من تسيير سوناطراك بعد هروب كل الإطارات الفرنسية، واستطاع الجزائري مرة أخرى كسب الرهان وضمان الإنتاجية في ظروف صعبة. وبعد 51 سنة من الحدث التاريخي، حري استخلاص الدروس للاستمرار في نفس ذهنية الجزائري، الذي لا يرضى بأقل من مكانته الحقيقية وسط الدول، رهان زادت صعوبته أزمة اقتصادية عالمية في 2014، حيث عرفت أسعار النفط تذبذبا انعكس سلبا على الاقتصادات المعتمدة على الثروات الأحفورية كمصدر للعملة الصعبة، فكان ضروريا التفكير في الانتقال من اقتصاد ريعي الى اقتصاد متنوّع منتج للثروة. على هذا الأساس، حوّلت الجزائر هذا الرهان الى حقيقة، فمنذ ثلاث سنوات تخطو بثبات نحو تجسيده على أرض الواقع، من خلال إطلاق خطة للإنعاش الاقتصادي بالتحول من دولة مصدرة للبترول الى مصنّعة لهذه المادة بالتأسيس لصناعات تحويلية في التكرير والبتروكيمياء، عدم الاكتفاء بدور المصدر والذهاب الى التصنيع سيعطي الجزائر الافضلية لتجاوز آثار الازمة العالمية التي زادت من تعقيداتها الازمة الصحية لفيروس كورونا، من خلال التكيف مع التحولات العميقة التي تعرفها الصناعة النفطية والغازية في العالم من أجل أن تكون الجزائر فاعلا اقتصاديا ناجعا وتنافسيا. وبغية تحقيق ذلك، أولى رئيس الجمهورية أهمية كبيرة لقطاعي الفلاحة والصناعة، اللذين يراهن عليهما من أجل تحقيق ناتج خام محلي إيجابي يسمح بانتقال سلس لاقتصاد منتج للثروة ومتنوّع، ليكون تحقيق الأمن الغذائي، الاقتصادي، المائي والطاقوي وجها آخر لبسط السيادة على الثروات الباطنية في الجزائر في 1971، بالتكيف مع التغيرات والتحولات التي يعرفها العالم، التي تضع الجزائر أمام خيار الاستمرارية في كسب رهان الغد بعد اأن كسبت رهان اليوم والامس، فعند إعلان تأميم المحروقات نجح فريق من مهندسين وتقنيين جزائريين في تسيير المرحلة بالرغم من أن الجزائر في تلك الفترة كانت ما تزال دولة فتية تلملم جراح 132 سنة من الإبادة الجماعية. وفي ذات السياق، أكّد رئيس الجمهورية في رسالته إلى الامة أول السنة الجارية أن «سنة 2022، ستكون سنة الإقلاع الاقتصادي في جزائر جديدة، تعتمد على قدراتها الذاتية،..فلا مجال، لإهدار الطاقات والجهود، في الانشغال بقضايا هامشية لأنّ التحديات اليوم هي تلك التي نخوضها معا، في سبيل توفير أسباب النهضة الوطنية، برؤية شاملة، تهدف إلى الانتقال بالاقتصاد الوطني، إلى الأخذ بمعايير المعرفة والجهد والكفاءة..وإلى العمل على تكثيف وتسريع برامج التكفّل بالتنمية الاجتماعية المستدامة، وضمان العيش الكريم للجزائريات والجزائريين في كل ربوع البلاد». وجاء تحريك عجلة الاقتصاد الوطني كرد فعل تجاه التحديات التي تواجهها الجزائر لعل أهمها إنهاء عهد بقاء الاقتصاد الوطني «رهينة» تذبذب السوق العالمي للنفط، والتسريع بالتحول الطاقوي بعد تراجع مخزون الجزائر من الطاقات الأحفورية، خاصة بعد توقعات بنضوبه في السّنوات العشرين القادمة «في حال استمرار وتيرة تزايد الاستهلاك المحلي».