تشكّل الفترة الزمنية الممتدة من بداية شهر ماي الى غاية شهر نوفمبر من كل عام، مرحلة مثالية هامة ومزدوجة لنشاط قطاع الصيد البحري وتربية المائيات بسبب تحسن الظروف المناخية، وهذا سواء من حيث الانتاج وبداية عملية الصيد بما فيها الصيد الكبير في أعالي البحار المعروفة بصيد سمك التونة، أو من حيث الاستغلال بالنسبة لمزارع تربية المائيات في الأقفاص العائمة أو بالأحواض والمسطحات العذبة الذي تجسد في انطلاق الحملة الوطنية لاستزراع أزيد من 5 مليون وحدة من صغار السمك على المستوى الوطني كمرحلة أولى. حظيت شعبة تربية المائيات في الأقفاص العائمة في البحر أو على مستوى المزارع المدمجة مع القطاع الفلاحي بالأحواض والمسطحات المائية العذبة التي يستغلها الفلاحون في مجال سقي المحاصيل الزراعية، باهتمام كبير في مخطط عمل الحكومة في إطار ترقية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل وإنتاج الثروة وتوفير اليد العاملة، وهذا من أجل المساهمة في تعزيز كمية الانتاج الوطنية من الثروة السمكية البحرية التي بدأت تعرف خلال السنوات القليلة الماضية تراجعا في الانتاج بسبب التقلبات المناخية، وأزمة التلوث البيئي الذي أثر سلبا على الحياة الايكولوجية، ما أدّى إلى حدوث ظاهرة الندرة في الأسواق وارتفاع أسعار هذه المادة الحيوية الغنية بالبروتينات، وبالتالي تراجع نسبة استهلاك الفرد سنويا. وقد بدأت هذه الشعبة تعرف انتعاشا وتطورا مستمرا من حيث حجم الاستغلال والاستثمارات الوطنية التي وصلت حاليا إلى 11 مزرعة على المستوى الوطني، بمجموع 68 قفصا عائما، ما مكّن من تقديم حوالي 13 ألف طن سنة 2022 كثمرة لمجهودات المهنيين والناشطين في هذا القطاع الذي يعرف مزيدا من المكاسب، وأيضا نتاج عملية الاستزراع التي عرفتها تلك الفترة التي قاربت 19 مليون وحدة من صغار السمك بكل أنواعه، خصوصا سمك الدوراد والتيلابيا التي تتكيف كثيرا مع هذه التقنية المستحدثة، وأكثر مردودية من حيث الانتاج، وكانت أحسن نتيجة لهذه الطفرة، حملة التسويق من المنتج الى المستهلك التي عرفتها ولايات الوطن، ومنها بومرداس خلال شهر رمضان الماضي، وبأسعار معقولة وصلت الى 900 دينار للكلغ بالنسبة لسمك الدوراد، ونفس الشيء بالنسبة لسمك التيلابيا الحمراء التي كانت تسوّق بأكثر من 1500 دينار. واستمرارا لهذه الاستراتيجية الوطنية، ينتظر أن تعرف سنة 2023 نقلة نوعية من حيث الاستثمارات وتضاعف نشاط هذه الشعبة الاستراتيجية، وهذا حسب الأرقام والمؤشرات التي عرضها وزير الصيد البحري أحمد بداني في تصريحه خلال زيارته التفقدية لقطاعه بولاية بومرداس، بإعلانه عن انطلاق الحملة الوطنية لاستزراع 5 مليون وحدة من صغار السمك في الأقفاص العائمة انطلاقا من ولاية الشلف، لتمس عددا من الولايات الساحلية منها بومرداس، وهران، تلمسان وغيرها، وهذا كمرحلة أولى، والعملية مستمرة إلى غاية شهر نوفمبر المقبل، بالتوازي مع التكفل بمختلف انشغالات المهنية والاجتماعية للصيادين والمستثمرين من منتجين وأصحاب مؤسسات صناعة سفن الصيد؛ لتشجيعهم على العمل وترقية النشاط مستقبلا. بومرداس..بين الرّيادة وعقبات الطّريق تعتبر ولاية بومرداس من الولايات الساحلية النموذجية التي اختيرت لتكون ضمن المناطق المستهدفة بمختلف المشاريع الاستثمارية لترقية قطاع الصيد البحري ونشاط تربية المائيات بالخصوص، من أبرزها مشروع "الكلوستر البحري المدمج" بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي في إطار الاستراتيجية الوطنية الخاصة بالاقتصاد الأزرق الذي تبنّته الحكومة حتى مطلع سنة 2030، بالنظر الى كثير من العوامل الطبيعية والمؤهلات الاقتصادية التي تتمتع بها بفضل الشريط الساحلي الممتد على مسافة 80 كلم، والطابع الفلاحي المميز الذي تحيط به عشرات الحواجز المائية التي بادر بها الفلاحون، إضافة إلى السدود التي شجعت إطلاق المشاريع المدمجة بين قطاعي الفلاحة والصيد البحري. كما تتمتّع الولاية بعدة مرافق لدعم النشاط، منها ثلاثة موانئ صيد متخصصة في كل من زموري البحري، راس جنات ودلس، تستقطب حوالي 650 سفينة من كل الاحجام، وأكثر من 6500 مهني مسجل، إضافة إلى 9 ملاجئ صغيرة مخصصة لنشاط الحرفيين الصغار، الذين ينشطون على طول الشريط الساحلي ويساهمون بكميات كبيرة من الإنتاج، خصوصا على مستوى ملجأ القوس الأكثر نشاطا محليا، مع وجود منطقة نشاطات الأولى من نوعها على المستوى الوطني ببلدية زموري متخصصة في مهن الصيد البحري بمساحة 20 هكتارا و46 حصة أو مشروع استثماري منتظر، منها مشاريع متخصصة في صيانة المحركات وأخرى ذات علاقة بصناعة تغذية الأسماك، ووحدات لتفريخ صغار السمك لتلبية حاجيات أصحاب المزارع، لوقف عملية الاستيراد. وقد ساهمت هذه الاستراتيجية في إنعاش نشاط الصيد البحري وتربية المائيات التي عرفت دخول أربعة مزارع لتربية المائيات في الاقفاص العائمة، مرحلة الاستغلال بولاية بومرداس حسب مدير الصيد البحري شريف قادري، بينها مزرعتين ببلدية رأس جنات في مراحل متقدمة من دخول الاستغلال، وبداية عملية تسويق المنتوج المنتظر أن يصل مجموعه بالولاية الى حوالي 1300 طن، في انتظار المشاريع الأخرى المقترحة لدخول النشاط، خصوصا على مستوى الحواجز المائية للفلاحين. انشغالات المهنيّين منطقة النشاطات المتخصصة في مهن الصيد البحري بزموري ما تزال منذ إطلاقها قبل سنوات، ورشة تنتظر إتمام أشغال التهيئة لاستقبال المشاريع المقترحة، فمن الصعب احتواء جملة النقائص المادية المتعلقة بواقع المرافق وموانئ الصيد التي تعاني من أزمة التهيئة والغياب شبه التام للخدمات، ظاهرة الترمل، غياب محطات للتزود بالوقود، انعدام مسمكات مهيأة لتسويق المنتوج، مشكل العقار الصناعي على اليابسة، وغيرها من الانشغالات المهنية والاجتماعية التي رفعها المهنيون بميناء رأس جنات خلال زيارة وزير الصيد. كما طرح رئيس غرفة الصيد البحري وتربية المائيات لولاية بومرداس، اسماعيل حواس، بصفته ممثلا للصيادين والناشطين في القطاع، مشكل التكوين وتوفير يد عاملة مؤهلة في بعض التخصصات الرئيسية، أبرزها تخصص ميكانيكي لإصلاح سفن الصيد، حيث أشار إلى أن "كثيرا من البحارة وأصحاب السفن أوقفوا نشاطهم بسبب هذا المشكل المتعلق بغياب مختصين في إصلاح أعطاب السفن"، وهذا رغم تواجد عدد من المراكز المهنية المتخصصة على مستوى زموري، إضافة إلى مدرسة الصيد البحري بدلس، وهنا دعا الى ضرورة "ترقيتها كملحقة تابعة لمدرسة التكوين التقني للصيد البحري وتربية المائيات لشرشال، بهدف عصرنتها ودعمها ماديا وبشريا بالأساتذة المكونين، وفتح تخصصات جديدة تتماشى وتحديات القطاع المستقبلية حتى تستقطب الطلبات المتزايدة على هذا التخصص"، خاصة وأن هذه المؤسسة كانت سابقا مدرسة ابتدائية تفتقد للظروف المحفزة على التكوين. مشروع التّعاونيات وتحفيزات قانون المالية بين واقع قطاع الصيد البحري وتربية المائيات بكل تحدياته المهنية والاجتماعية للصيادين في الميدان، وبين الآفاق المستقبلية لترقية الشعبة وتقديمها كبديل اقتصادي لإنتاج الثروة، هناك حلقة أو حلقات بحاجة إلى التثبيت والتفعيل من أجل الوصول إلى الأهداف المسطرة في الاستراتيجية الوطنية، وتتمثل في حزمة الاجراءات والنصوص التنظيمية والقرارات الهادفة الى إصلاح القطاع ودعمه بكل الأساليب والطرق، من أجل تشجيع الاستثمارات الوطنية والمحلية سواء من حيث توسيع الاستغلال أو من حيث مرافقة المؤسسات المتخصصة في صيانة وصناعة سفن الصيد البحري بكل الاحجام لتقليل حجم التبعية للخارج والرفع من نسبة الادماج باستغلال كل الطاقات الفاعلة من إطارات وأفكار مبتكرة لدى الشباب وخريجي الجامعات ومراكز التكوين المهني. وكان من بين هذه التوجهات المستحدثة لدعم القطاع، بعض القرارات التي أعلن عنها وزير الصيد البحري من بومرداس، وهو يستمع مباشرة الى انشغالات المهنيين دون وسيط، باعتبارهم أقرب الى المهنة، وأكثر تعبيرا عن هذا الواقع، حيث طمأن الجميع بقوله إن "مجمل هذه الانشغالات المطروحة سترفع إلى الحكومة، وستناقش في جلسات قادمة بحضور المهنيين وكل الشركاء من أجل تقديم تصور شامل لدعم ومرافقة الصيادين والمستثمرين وحتى المتعاملين الاقتصاديين المساهمين في إنعاش نشاط الصيد البحري وتربية المائيات". كما ركّز في كلمته على أهمية انشاء التعاونيات المساعدة على تنظيم القطاع ومساعدة الوصاية في حصر مجمل العقبات، والمساعدة على تجاوزها، مشيرا في هذا الخصوص إلى أن "مشروع إنشاء تعاونيات الصيد البحري يعرف تقدما في الميدان، بعد اعتماد 27 تعاونية في انتظار معالجة طلبات حوالي 400 تعاونية أخرى على المستوى الوطني، في طريق الانشاء"، وهي خطوة اعتبرها مهمة لتجاوز مختلف المشاكل المطروحة في مجال النشاط والاستغلال، وأيضا ما تعلق بتجسيد باقي التسهيلات والتحفيزات التي اتخذتها الحكومة فيما يخص استيراد المعدات والتجهيزات يفتح رواق أخضر على مستوى الموانئ، وتخفيض نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 19 الى 9 بالمائة، إلى جانب قرار إعفاء التعاونيات المعتمدة من الضريبة على الأرباح مثلما نص عليه قانون المالية لسنة 2023، وكذا قرار رئيس الجمهورية القاضي بالسماح للصيادين في أعالي البحار استيراد السفن لأقل من خمس سنوات، خاصة ونحن نشهد انطلاق حملة صيد التونة الحمراء لهذه السنة، حيث ساهمت الولاية بثلاثة سفن من الحجم الكبير من أصل 32 سفينة ستساهم في استغلال حصة الجزائر المقدرة ب 2300 طن منها 67 طنا لفائدة ولاية بومرداس.