شهدت مختلف ربوع الوطن على مدار سنة كاملة احتفالات متميزة وبرنامجا حافلا لتخليد الذكرى ال60 لاسترجاع السيادة الوطنية، عكست القيمة الحقيقية لهذه المناسبة لدى الشعب الجزائري، حيث تم تنظيم عدة فعاليات كان أبرزها الاستعراض العسكري الضخم المنظم بالجزائر العاصمة. نظرا للأهمية الخاصة التي أولاها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لتخليد الذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية، في إطار حرصه على الحفاظ على الذاكرة الوطنية، فقد أوكلت مهمة تنظيم التظاهرات المتعلقة بتخليد هذه الذكرى للجنة مختصة تحت إشراف الوزير الأول، حيث سطرت الحكومة من خلال عدة قطاعات وزارية، وفي مقدمتها وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، برنامجا متميزا تضمن مجموعة من النشاطات التاريخية والعلمية والأكاديمية والثقافية والرياضية. وانطلقت الاحتفالات بستينية الاستقلال التي تختتم فعالياتها غدا الأربعاء، بالاستعراض العسكري الباهر الذي نظمه الجيش الوطني الشعبي بالجزائر العاصمة يوم 5 يوليو 2022 وحضره عشرات الآلاف من الجزائريين التواقين لاستشعار معاني القوة والفخر والاعتزاز المجسدة في ريادة المؤسسة العسكرية. وكان الاستعراض العسكري الذي تم تنظيمه، بعد غياب دام أكثر من ثلاثين سنة، على مستوى الطريق الوطني رقم 11 المحاذي لجامع الجزائر وشاركت فيه حوالي مائة تشكيلة عسكرية من مختلف القوات، بحضور رؤساء عدة دول شقيقة وصديقة، بمثابة رسالة وفاء للشهداء الأبرار للذود عن الوطن والتفاني في الدفاع عنه تحت أي ظرف، كما أن التنظيم المحكم للاستعراض في كل جوانبه وتنفيذه من قبل مختلف التشكيلات بطريقة مثلى، أثبت امتلاك الجيش الوطني الشعبي مكامن القوة الرادعة التي تمكنه من الدفاع عن السيادة الوطنية والوحدة الشعبية. ولدى إشرافه على هذا الاستعراض، أكد الرئيس تبون حرصه على إحياء اليوم المجيد لستينية الاستقلال من خلال مشهد مهيب، لجزائر الفخر بأمجادها، والوفاء لشهدائها في وقت وصلت فيه البلاد بمؤسساتها وهيئاتها الدستورية مرحلة ارتسم معها وجه «جزائر الثقة في الحاضر والأمل في المستقبل». وفي سياق ذي صلة، تم تنظيم عدة ملتقيات وندوات وطنية ودولية، على غرار الملتقى الدولي حول أصدقاء الثورة الجزائرية الذي تم تكريس أهم مخرجاته بتأسيس الجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية. وكان الرئيس تبون قد أشرف قبل عام على تدشين معلم «أصدقاء الثورة الجزائرية» برياض الفتح، وهي جدارية مرصعة بعبارة «أصدقاء الثورة: إخوة في الكفاح، عرفان دائم». ويضاف إلى ذلك تدشين جدارية بساحة الشهيد بوجمعة حمار بالجزائر العاصمة، تخلد ذكرى الجزائريين المنفيين من قبل الاستعمار الفرنسي الغاشم، وتدشين النصب التذكاري «معلم الحرية» بسيدي فرج لتمجيد حادثة رفع العلم الوطني لأول مرة في الجزائر المستقلة. كما تم بذات المناسبة إنجاز أعمال سمعية بصرية تاريخية أبرزت البعد الإنساني للمقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة التحرير الوطني، وتم طبع وإعادة طبع عدة كتب تاريخية ومذكرات للمجاهدين ورسائل الدكتوراه في التاريخ ومراجع تاريخية تمت ترجمتها إلى لغات أجنبية. وتميز المشهد الثقافي على مدار عام بالكثير من النشاطات والتظاهرات في الأدب والمسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية وغيرها، حيث برمجت وزارة الثقافة والفنون العديد من الفعاليات التي لها علاقة بالتاريخ عبر مختلف الولايات، بالإضافة إلى تخصيص برنامج وطني استثنائي للاستفادة من الدعم العمومي في مجالات المسرح والكتاب والسينما والموسيقى. وفي ذات السياق، تم إعطاء إشارة انطلاق تصوير ثلاثة أفلام تاريخية طويلة حول كفاح الشهداء سي أمحمد بوقرة، قائد الولاية التاريخية الرابعة، وسي الحواس قائد الولاية التاريخية السادسة، وزيغوت يوسف، قائد هجومات الشمال القسنطيني في 1955، وهي من إنتاج وتمويل وزارة المجاهدين، وذلك من بين 11 فيلما روائيا و6 أفلام وثائقية تقرر إنتاجها. وفي بداية الأسبوع الجاري، تم الإعلان عن الإطلاق الرسمي لتطبيق الهاتف النقال «تاريخ الجزائر 1830-1962»، وذلك تزامنا واختتام سنوية ستينية استقلال الجزائر وإحياء للذكرى ال 61 لعيد الاستقلال الموسوم بشعار «جزائر الانتصارات: مكاسب وإنجازات». وجاءت كل هذه المكاسب التي حققها ملف الذاكرة، تجسيدا للاهتمام البالغ الذي يحظى به من طرف السلطات العليا بالبلاد، ويتجلى ذلك في العديد من الإجراءات والقرارات، من بينها ترسيم تاريخ الثامن ماي يوما وطنيا للذاكرة، وترسيم وقوف دقيقة صمت، سنويا، عبر الوطن، ترحما على أرواح شهداء مجازر 17 أكتوبر 1961 بالعاصمة الفرنسية باريس. وتجسدت أعظم معاني الوفاء لرسالة الشهداء، في استعادة الجزائر رفات 24 شهيدا من شهداء المقاومة الشعبية ورفقائهم من مختلف مناطق الوطن من متحف بباريس ليتم دفنهم إكراما وصونا لحرمتهم في الأرض التي استشهدوا من أجلها. وفي ذات الإطار، تعزز الإعلام الوطني من خلال التلفزيون العمومي بقناة للذاكرة أصبحت منذ إنشائها نافذة للاطلاع على تاريخ البلاد عبر برامج متنوعة. وتعبر كل هذه الخطوات العملاقة عن مبادئ سامية لجزائر جديدة تضع ملف التاريخ والذاكرة في مسار تتمكن فيه من إضفاء كامل الشفافية والنزاهة والموضوعية، بعيدا عن أية مساومات أو تنازلات وذلك وفاء للتضحيات الجسيمة التي خاضها الشعب الجزائري ضد أعتى قوة استعمارية.