تعمل الجزائر بشكل حيوي على تطوير قدراتها التصديرية من خلال استراتيجية متعددة المحاور وفي شتى الأبعاد، ومن ضمنها المناطق الحرة التي تعد ضمن المحددات الرئيسية التي من شأنها تعزيز التجارة الخارجية، والرفع من حجم الصادرات، خاصة مع دخول اتفاقية منطقة التبادل التجاري الحر الإفريقية مطلع سنة 2021 حيّز التنفيذ، ومن شأن ذلك أن يفتح للجزائر التي تملك حدودا مع عدة دول، الآفاق واسعة ضمن اقتصاد المعابر، خاصة مع إنجاز طريق الوحدة الإفريقي البري، واستهداف 1.2 مليار إفريقي، في سوق تجارية يبلغ حجمها أزيد من 3400 مليار دولار. أفاد أستاذ الاقتصاد، البروفيسور فارس هباش، أنه في إطار النموذج الاقتصادي الجديد الذي تبنته الجزائر، والقائم على أساس تنويع الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل والسعي نحو تطوير حجم وقيمة الصادرات خارج المحروقات، أرست الجزائر العديد من القوانين والتشريعات والإصلاحات على غرار قانون الاستثمار الجديد وقانون النقد المصرفي، وكذا قانون الصفقات العمومية...إلخ، الرامية في مُجملها إلى تسهيل اندماج المتعاملين الاقتصاديين في هذا التوجه الاقتصادي الجديد للتخلص التدريجي من التبعية للمحروقات. ومن بين أهم هذه الإصلاحات والتوجهات الاقتصادية الجديدة، مشروع قانون المناطق الحرة المكرسة بموجب القانون رقم 15-22 المؤرخ في 20 جويلية 2022، والذي يحدد القواعد المنظمة للمناطق الحرة، إذ تدخل هذه الأخيرة ضمن أبعاد اقتصاد المعابر الذي تسعى السلطات المختصة من خلاله إلى تشجيع وتسهيل التبادل التجاري عبر المعابر الحدودية، خاصة أن الجزائر تمتلك شريطا حدوديا واسعا مع عديد الدول الإفريقية على غرار تونس، مالي، النيجروموريتانيا.. ويُعد الموقع الجغرافي الاستراتيجي للجزائر، عاملا مهما ومحفزا على إنشاء وتفعيل مناطق حرة بالمناطق الحدودية، خاصة وأن المؤسسات الجزائرية تمتلك عديد المزايا التنافسية للدخول إلى الأسواق الإفريقية من جهة، وكذا الاستفادة من بعض المواد الأولية التي تشكل مدخلا مهما في عديد الصناعات التحويلية. في هذا السياق، يشير هباش إلى أن الجزائر بموجب هذا المشروع، تستهدف استحداث أربع مناطق للتبادل الحر تضم 1.2 مليار مستهلك إفريقي، وخلق تكتل تجاري حجمه 3.4 ترليون دولار، خاصة في ظل المرونة الكبيرة في التعاملات التجارية التي تتيحها هاته المناطق. وأضاف المتحدث ذاته، أن استحداث المناطق الحرة يأتي بالموازاة مع دخول منطقة التبادل التجاري الحر الإفريقية مطلع سنة 2021، وعرفت الجزائر خلال هذه الفترة ارتفاعا ملحوظا للصادرات خارج المحروقات من خلال استهداف عديد الأسواق الإفريقية التي كانت حكرا على بعض الدول الكبرى في وقت سابق.. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن حجم المبادلات التجارية بين الجزائروتونس بلغ 1.7 مليار دولار، منها 1.3 مليار دولار صادرات جزائرية نحو تونس، و400 مليون دولار صادرات تونسية للجزائر، وقارب 87.3 مليون دولار مع موريتانيا في 2021، بحسب ما كشف عنه الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن. من جانب آخر، فإن الأهمية الاقتصادية لهذه المناطق الحرة تتعدى الجانب التجاري التبادلي إلى عديد المزايا الأخرى، على غرار تطوير أماكن للتخزين والتعبئة والتغليف والمرفقات اللوجيستية، مما يساهم في دفع عجلة التنمية بتلك المناطق الحدودية، واستحداث عديد مناصب الشغل وتطوير البنية التحتية لهذه المناطق، على غرار شبكة الطرق البرية والسكك الحديدية والموانئ الجافة، إلى جانب محاربة ظاهرة التهريب من خلال تشديد الرقابة الحدودية، وتطوير الحركية التجارية بها. بالمقابل، يؤكد البروفيسور هباش أن التحديات والرهانات التي رفعتها الدولة الجزائرية لبناء اقتصاد وطني قوي وصلب، قوامه تنويع مصادر الدخل وتنويع الصادرات خارج المحروقات، إلى جانب تعزيز الاستثمار في المجال الطاقوي الذي أرسى له السيد رئيس الجمهورية كل القواعد والأرضيات المتينة، من خلال جملة واسعة من القوانين والتشريعات، وكذا الإصلاحات على عديد المستويات، بينها مشروع المناطق الحرة سعيا إلى مواصلة التحرر التدريجي من التبعية البترولية، وهو ما جسدته الأرقام والإحصائيات على أرض الواقع، وسجلت الصادرات خارج المحروقات رقما تاريخيا غير مسبوق بلغ حدود 7 ملايير دولار نهاية سنة 2022، وهو في وتيرة متزايدة حيث من المرتقب أن يصل حدود 13 مليار دولار بنهاية السنة الجارية، حسب ما أعلنه السيد رئيس الجمهورية في افتتاحه للطبعة الأولى للوسام الشرفي للمصدر.