يندرج تنصيب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون للمجلس الأعلى لضبط الواردات، في إطار الإستراتيجيته الرامية إلى بناء اقتصاد وطني حقيقي، واستقطاب استثمارات أجنبية لتجد البيئة الخصبة والمواتية لدعم الإنتاج الوطني وتوجيه الفائض نحو التصدير. سيعمل مجلس ضبط الواردات، على جمع الإحصائيات الدقيقة، بما يحقق التنسيق الفعلي بين القطاعات العمومية والخاصة، لرسم إستراتيجية استيراد واضحة المعالم، يكون مرتكزا على مبررات موضوعية وإجراءات عملية، تضمن للجزائر أن لا تصبح مجرد بازارا عشوائيا لتصريف المنتجات الأجنبية، دون تحقيق صناعة وطنية أو دخول سوق المنافسة للتصدير وتقديم القيمة الاقتصادية المضافة. يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف البروفيسور فارس هباش، إنه بكل تأكيد عندما نتحدث عن النموذج الاقتصادي الجديد الذي تريد الجزائر إرساءه، وتطبيقه على أرض الواقع، والذي يعتمد على تنويع مصادر الدخل الوطني، ورفع الصادرات خارج المحروقات وبالتالي عندما نتكلم على المعادلة التجارية استطرد فنحن نتكلم عن الصادرات والواردات. وبرأي البروفيسور هباش، تشجيع الصادرات خارج المحروقات يجب أن يرافقه كذلك التحكم في الواردات، بحيث انه إذا أردنا تحقيق فائض في الميزان التجاري، وأردنا الوصول إلى مستوى التنوع الاقتصادي، يجب أن يكون هناك ضبطا لفاتورة الاستيراد. وذكر أن الجزائر عانت في السنوات الفارطة من ارتفاع كبير جدا لفاتورة الاستيراد، ووصل إلى مستوى قياسي في حدود 63 مليار دولار، بفعل تضخيم الفواتير واستيراد الكثير من المنتجات التي لا يحتاجها الاقتصاد الوطني، مع نمو عدد المستوردين الوهميين الذي عملوا على تضخيم الفواتير وإغراق السوق الوطنية بعديد المنتجات التي لا يحتاجها السوق، والتي تعتبر مجرد غطاء لتهريب العملة الصعبة. وخير دليل على ذلك أضاف يقول تطهير هذه القائمة من 43 ألف مستورد الى 13 ألف مستورد أي تقليص عدد المستوردين بنسبة 68 بالمائة، وهو رقم يعبر بحق عن حجم الفساد الذي كان يعرفه قطاع الاستيراد، وبالتالي فان تنصيب المجلس الاستشاري الأعلى لضبط الواردات ستكون له أهمية كبيرة جدا، بحكم انه سيراقب ويضبط أحد أطراف العملية التجارية، أين سيعمل على تطهير واردات البلاد وإعادة توجيهها وفقا للأولويات وحاجة السوق المحلية، ذلك أن هذا المجلس سيؤدي دورا كبيرا جدا في ترقية وتطوير نموذج وطني للتجارة الخارجية الجزائرية. في ذات السياق، يوضح هباش أن المجلس ستكون له خارطة طريق ومجموعة عمل منوطة به، خاصة بعد إعداد وزارة التجارة قائمة للمنتجات الوطنية بشكل إحصائي والتي بلغت 419 ألف منتوج جزائري المنشأ، وقرابة 1360 منتوج مستورد، وما يقارب 5500 منتوج مُصدر، وبالتالي فان الدور المنوط بالمجلس هو تحيين قاعدة البيانات في هذا الشأن، من خلال أرقام حديثة لكل ما يحتاجه الاقتصاد الوطني وضبط للمنتوجات التي ستستورد، وسيكون كذلك جهاز إنذار عن كل انقطاعات مُحتملة النقص أو تضخم في السلع داخل السوق المحلية. ومن مهام المجلس الأعلى لضبط الواردات، التنسيق مع عديد الهيئات والمؤسسات الحكومية والاقتصادية وليس فقط الوكالة الوطنية لترقية الصادرات، التنسيق مع كل الفاعلين سواء كان مؤسسات أهيئات حكومية عمومية أو خاصة، وبالتالي فالهدف أن تكون لدينا أرقام دقيقة ومحينة لكل ما يحتاجه السوق الوطني من منتوجات سواء كان ما هو متوفر في السوق الوطني أو ما ينبغي استيراده، بحيث يكون هناك توريدا مستمرا وآنيا وأن نضمن أن لا تكون هناك انقطاعات في السوق المحلية وأن لا نستورد ما لا نحتاجه من جهة أخرى. وخلص إلى أن التحدي الكبير هو إيجاد الآليات الفعالة لضمان عمل هذه الهيئة بالتنسيق مع الهيئات ذات الصلة من أجل ان تكون القرارات المتخذة سلسلة تتسم بالسرعة والفعالية، خاصة أن قطاع التجارة الخارجية يتطلب سرعة ومرونة في اتخاذ القرارات نتيجة ديناميكية الأسواق الخارجية وحالات عدم الاستقرار التي تعرفها في ظل التغيرات والتقلبات الجيو سياسية والجيو اقتصادية التي يعرفها عالم اليوم.