تسعى الجزائر إلى تجسيد مزيد من الحوكمة المتجدّدة لتحسين الأداء والمبادرة، وإضفاء الشّفافية وأخلقة الحياة العامة، ناهيك عن عصرنة الإدارة. في المقابل تعمل على محاربة مختلف السّلوكات التي قد تحول دون تكريس هذا المسعى، والتي قد تصل لتكيّف حسب قانون العقوبات إلى جنح وجناية، ومن ذلك التزوير واستعمال المزور، وهما الجريمتان وإن تشابهتا في الضرر الذي قد يمس بسيادة الدولة، إلا أنهما مختلفتان من حيث الأركان والعناصر، لهذا تتّجه بلادنا إلى إصدار قانون جديد للحد من جرائم التزوير، وتشديد العقوبات ضد المتورطين. أمام تنامي الظاهرة وتحوّلها إلى سلوك مجتمعي خطير، كان لزاما تحيين القوانين لمواجهة هذه الجريمة، خاصة وأنها لم تعد ترتكب في قالبها التقليدي من أوراق، نقود، علامات، توقيعات، شهادات ووثائق ومحررات رسمية لتغيير الحقائق والوقائع، بل أصبحت تمس التصريحات والطلبات الكاذبة أو النماذج المتعلقة بطلبات الحصول على المزايا والاعفاءات والمساعدات الاجتماعية دون وجه حق، وتعدّت لتتضمّن أفعالا أكثر خطورة، فيما يكمن التحدي الكبير في ارتكاب الأفعال إلكترونيا والانتشار الرهيب لها ما يهدّد الأمن السيبراني لبلادنا. في هذا السياق، أوضح المحامي د - محمد عيادي ورئيس المنظمة الوطنية لمنتدى الجزائر في تصريح ل "الشعب"، أنّ المشرّع الجزائري تطرّق من خلال قانون العقوبات إلى جريمة التزوير كجنحة لما يتعلق الأمر بمحررات إدارية وقرارات عرفية والعقوبات قد تصل إلى خمس سنوات، ولكن عندما يتعلق الأمر بتزوير محررات رسمية صادرة عن مختلف الإدارات ومؤسسات وبأختام الدولة، هنا تكّيف الجريمة كجناية التزوير واستعمال المزور. وأشار إلى أن الأمر إذا تعلق بجناية التزوير، فالمسألة تمر بعدة مراحل عند تحريك الدعوى العمومية، منها الاستدعاء أمام الضبطية القضائية وفتح تحقيق ابتدائي مع المتهمين من طرف قاضي التحقيق وهو لزومي طبقا للمادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية، ويتم سحب الوثيقة ومضاهاة الخطوط، والتأكد من استعمال المزور باعتباره جسم الجريمة، وفي الميدان يوجد العديد من الأمثلة، على غرار التزوير في العملات مع استعمال آلة التزوير من أجل تقليدها، هنا العقوبة تصل إلى المؤبد، ما يعني أن خطورة الجريمة تكمن في مساسها برموز الدولة. ويرى المحامي عيادي أنّ الاهتمام بهذه الجريمة من خلال تنصيب فوج عمل بداية جوان الفارط يضم ممثلين عن القطاعات لتحديد وحصر مظاهر وأشكال التزوير واستعمال المزور المؤدي إلى الاستفادة من حقوق وامتيازات ومساعدات وإعفاءات كالعقار والسكن..وغيرها، هو بسبب تفشي هذه الجريمة وأضرارها ومساسها بالحقوق سواء بالنسبة للأفراد، المؤسسات أو الدولة ككل. وأوضح رئيس المنظمة الوطنية لمنتدى الجزائر، أنّ النقطة التي تم التشديد فيها، هو التزوير واستخدام المزور في شهادات الإقامة بهدف استخراج البطاقات الانتخابية خلال التشريعات السابقة، وهو ما تطرق إليه رئيس الجمهورية في لقائه الإعلامي الرابع، حيث تم استعمال شهادات الإقامة المزورة بهدف إدراجها في القوائم الانتخابية، سيما بالنسبة للأحرار، وقد شدّد على محاربة هذا السلوك لأنه يؤثر على بناء الجزائر السياسي والمؤسساتي، خاصة وأنه ينتشر مع كل استحقاق انتخابي. ونفس الأمر بنسبة لقضية المساعدات الاجتماعية، فالقضاء الجزائري عالج قضايا من هذا القبيل وبصفة كبيرة، منها عدة ملفات مزورة بهدف الاستفادة من منحة البطالة، ونفس الأمر بالنسبة لقفة رمضان، مشيرا إلى أن الإشكال المطروح هو دائما وجود موظف من الإدارة متورط في العملية. وكذلك الأمر بالنسبة للكثير من الجمعيات التي تنشط بصفة غير قانونية لأنّها لا تمتلك اعتمادات رسمية، فتلجأ إلى تقليد أختام لتنشط في الميدان، وتنظم لقاءات إعلامية وتحصل على قاعات، وقد تطرق إلى هذا الموضوع أيضا رئيس الجمهورية لدى حديثه عن المجتمع المدني. وأكّد المتحدّث أنّ الأمر وصل إلى السكنات الاجتماعية و«عدل" وحتى الترقوية، ولعل أهمها قضية عدل 2018-2019، التي كشفت عن ملف خطير أطاح بالعديد من الموظفين والإطارات السامين ووكلاء جمهورية. وأوضح د - عيادي أنّ تطرّق رئيس الجمهورية في لقاءاته الإعلامية وبصفة مباشرة لهذا الموضوع لم يأت من فراغ، بل يستند للعديد من المعطيات، ولما لذلك من تأثير على مستقبل الجزائر سيما الانتخابات، وبالتالي سيتم تكريس العديد من الوسائل لمحاربة هذه الجريمة من خلال تطبيق النص وتوجيه تعليمات للقضاة لتشديد العقوبات من على مرتكبي التزوير ومستعملي المزور، على غرار الخطوات التي تم اتخاذها في مكافحة المضاربة، الاتجار بالمخدرات والحرائق. وتوقّع المتحدث أن يكون مشروع القانون ثريا يأخذ بعين الاعتبار بعض الأشكال التي هي دون عقاب، وتصنّف ضمن جرائم التزوير واستعمال المزور، ومن ذلك الجرائم الالكترونية التي تنحصر في الشتم والقذف والسب وبعض المصطلحات في نص المادة 179، وهذا خطأ لأن الجريمة الالكترونية يجب أن تعالج حسب السلوك الإجرامي، فالأمور تعدّت المنطق من تهكير وغيره، مشيرا إلى أن كل هذا يحدث والجزائر لحد الساعة لم تبدأ باستخدام التصديق والتوقيع الإلكترونيين، وهذا بسبب التحكم في الأنظمة الحمائية للبيانات والمعلومات، وهي أمور تهدّد الأمن السيبراني. في المقابل، شدّد رئيس المنظمة الوطنية لمنتدى الجزائر على ضرورة الابتعاد عن روتين معالجة هذه الملفات لأنها قضايا مهمة، لذلك يجب توسيع دائرة ورقعة معالجة الملفات وعدم التساهل معها، خاصة قضايا استعمال البطاقات الانتخابية المزورة، مشيرا إلى أن عدم التحكم في قضايا التزوير الإلكتروني التي تعتمد على خبرة المركز المتخصص ولمدة تصل إلى ستة أشهر، وفي كثير من الأحيان تأتي سلبية، هو أمر لا يخدم حسبه مسعى تسريع معالجة الملفات، الذي يمثل أحد ركائز الإصلاحات التي يعرفها قطاع العدالة.