استعملت الصحراء الجزائرية بين 13 فيفري 1960 و16 فيفري 1966 مسرحا لسبعة وخمسين تفجيرا وتجربة واختبارا نوويا أربع منها جوية بحمودية (رقان)، كانت ملوثة للغاية وثلاثة عشر باطنية بتاوريرت تان أفلا أين أكر، كانت فاشلة وأخطرها الحادث النووي «بريل - Beryl» في أول ماي 1962. بالإضافة لذلك أجري خمسة وثلاثون اختبارا نوويا للسلامة على مستوى آبار بحمودية، وخمس تجارب نووية بموقع تاوريرت تان أترام في الهواء الطلق باستعمال مواد انشطارية كالبلوتونيوم. ولقد سجّلت هذه التجارب، بعد مغادرة العسكريين الفرنسيين مواقع التفجيرات ومخابر محافظة الطاقة الذرية الفرنسية برقان الهضبة في 1967. ضحايا جدد مدنيين وعسكريين جزائريين، زيادة على ضحايا فترة التفجيرات، مع العلم أن هذه التفجيرات النووية ما تزال تؤثر على البيئة وصحة الإنسان، وهي بالتالي تشكل جريمة كاملة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم، ويستلزم على الفاعلين إصلاح الضرر. بدأت فرنسا في تفجيراتها النووية، وهي على دراية تامة بمخاطرها على صحة الإنسان والبيئة والتوازن الايكولوجي. فلقد تمّ نشر الآثار الصحية المترتبة عن القصف الذري على هيروشيما وناغازاكي في أوت 1945 والتي تُرجمت إلى اللغة الفرنسية في 1957، بينما باشرت فرنسا تفجيراتها النووية الأولى سنة 1960 غير مبالية بقرار الأممالمتحدة في 1959 المناهض لبرنامج التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية نظرا لآثارها المدمرة على الإنسان وبيئته من جهة، والتوقيف الدولي للتفجيرات النووية الجوية الذي أقرته القوى النووية الثلاث آنذاك في نوفمبر 1958 من جهة أخرى. وعند مغادرة مواقع التفجيرات النووية بالصحراء في 1967، قام الجيش الفرنسي بغلق مداخل مخابر محافظة الطاقة الذرية (CEA) برقان - الهضبة بالاسمنت المسلح، ودفن المعدات الملوثة كبيرة الحجم (الدبابات والطائرات والبواخر..) على عمق بضع سنتمترات في الرمال، في حين تمّ التخلي عن كل ما تبقى من تجهيزات ملوثة في الهواء الطلق، ما أدى إلى تسجيل ضحايا مدنيين وعسكريين جزائريين آخرين زيادة على ضحايا فترة التفجيرات، من بين العمال الجزائريين بالواحات وبالتوات، والمواطنين الأصليين والرحل وفئران تجارب Cobayes من المفحوصين الذين استعملوا في التفجيرات والتجارب والاختبارات النووية المختلفة. وأمام هذه الوضعية والتي أقل ما يقال عنها أنها خطيرة، بادرت وزارة المجاهدين في 1996 بفتح ملف التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، ومنذ ذلك التاريخ، ومن أجل التكفّل الجدي بهذا الملف الشائك، تمّ تنظيم ندوات وطنية وملتقيين دوليين والتي أسفرت على توصيات مهمة من الضروري العمل على تجسيدها ميدانيا خدمة للبيئة الملوثة ولمعاناة الضحايا. البرنامج النووي لفرنسا الاستعمارية شهد القرن العشرين تدشينا للعهد النووي من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية في 16 جويلية 1945، عندما فجرت قنبلة ذرية بقوة 20 كط بالاموغوردو، بنيو مكسيكو، أعقب هذا التفجير النووي الأول في العالم 2423 تفجيراً نووياً مهولاً ومدمراً في حقّ صحة الإنسان وسلامة البيئة منها 543 تفجيراً جوياً و1880 تفجيراً باطنياً أجرتها عشر دول ما بين 16 جويلية 1945 و03 سبتمبر . يشير العديد من المختصين إلى أن هذه التفجيرات تسبّبت في سقوط ملايين من الضحايا وتلوث ملايين الهكتارات من الأراضي إلى الأبد وظهور أمراض سرطانية متنوعة وإحداث خلل على نطاق واسع في مقياس التوازن البيئي يصعب معالجته. لقد شهد العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، سباقا مَحْمُوما نحو اكتساب السلاح الأكثر فتكا باعتباره سلاح ردع وترهيب. وأدى اكتشاف العالم هنري بيكريل في 1896 الانبعاث التلقائي للإشعاعات من المادة، ثم اكتشاف انشطار ذرة اليورانيوم في 1938 وإنجاز أول مفاعل نووي في الولاياتالمتحدةالأمريكية في 1942 إلى تفجير القنبلة الذرية الأولى واستعمال هذا السلاح الخطير في قصف مدينتي هيروشيما ونغازا كي اليابانيتين في 06 و09 أوت 1945. وتسابقت الدول الكبرى للحصول على هذه التكنولوجيا النووية. للعلم، أدت بعض التفجيرات النووية في العالم إلى حوادث نووية متفاوتة الخطورة كما زرعت الطاقة النووية السلمية أيضا الرعب من خلال الحوادث المختلفة في محطات الطاقة النووية منها على وجه الخصوص كارثتا تشيرنوبيل في 26 أفريل 1986 وفوكوشيما في 11 مارس 2011. يُعتبر كلا الحادثين في قمة الكوارث النووية حيث بلغت شدة حادث محطة فوكوشيما المستوى سبعة مثل حادث تشيرنوبيل في المقياس الدولي للأحداث النووية (INES).. هذا السلم الدولي هو الذي تقاس به الحوادث والكوارث النووية وفقًا لثمانية مستويات من الخطورة مصنفة من 0 إلى 710، وتكون بعض الحوادث تحت حكم ختم "سري/دفاع"، فتبقى ظروف وقوعها وخطورتها غير معروفة بدقة مثل الحادث النووي "بريل" الذي وقع في أول ماي 1962 بالصحراء الجزائرية. التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية تماشيا مع تطوير الأسلحة النووية من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية في 1945، وإنجلترا في 1952 قرّر ديغول بدوره في 18 أكتوبر 1945، بعد أسابيع قليلة من إلقاء القنبلتين الذريتين على ناكازاكي وهيروشيما باليابان، إنشاء محافظة الطاقة الذرية الفرنسية (CEA) في سياق الحرب الباردة والسباق نحو التسلح، وبالتالي، أطلقت فرنسا برنامجها النووي للوصول إلى نادي القوى النووية العسكرية. وعليه، جرى تصميم القنبلة الذرية الفرنسية على ثلاث مراحل على مدى خمس عشرة سنة (1945- 1960) . وكانت فرنسا كدولة استعمارية من بين المتنافسين في هذا المجال؛ ولأن صناعة وتجريب السلاح النووي يحتاج إلى فضاء كبير وأماكن خاصة، عمدت فرنسا إلى استخدام الصحراء الجزائرية ورأت فيها المكان المنشود، حيث تجري تجاربها بدون ما تتأثر مباشرة بالنتائج السلبية والخطيرة لهذه التجارب فأسرعت منذ 1957، في إنجاز ميدان للتفجيرات النووية بحمودية - رقان لتتمكن من دخول معترك الدول الكبرى المالكة للسلاح النووي. لقد أدت عودة الجنرال ديغول إلى السلطة في جوان 1958 إلى التأكيد الرسمي على البرنامج النووي الذي تمّ إطلاقه سراً في ظل الجمهورية الرابعة. حيث أكد ديغول أمر تجربة الأسلحة النووية ابتداء من 22 جويلية 1958 كان قد أعلن من قبل أنه من خلال إنشاء محافظة الطاقة الذرية الفرنسية (CEA) في 1945 كان الهدف السماح لفرنسا لكي تصبح قوة ذرية، معتبرا أن وصول فرنسا إلى مصف القوى الذرية هو فقط الذي سيسمح لها أن تكون مستقلة عن كلا الكتلتين. وبطبيعة الحال، كان لعلماء محافظة الطاقة الذرية الفرنسية دور في تصميم السلاح النووي الفرنسي وقام السياسيون بدور تقارب وجهات النظر بين مصالح الجيوش ومحافظة الطاقة الذرية الفرنسية كما كان للعسكريين دور في اختيار السلاح النووي الفرنسي وقامت الدبلوماسية الفرنسية بدورها في الدفاع عن برنامجها النووي عن طريق مندوبها لدى هيئة نزع السلاح التابعة للأمم المتحدة". في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تعاني من كفاح الثورة الجزائرية والتي أدت إلى وقوع شرخ كبير في إمبراطوريتها الاستعمارية، قامت يوم السبت 13 فيفري 1960 على الساعة 07 و04د 20 ثا، بتفجير أول قنبلة ذرية لها تحت اسم اليربوع الأزرق Gerboise Bleue في سماء رقان في الصحراء الجزائرية، وهو التفجير الذي أدانته الأممالمتحدة. يعتبر هذا التفجير النووي كارثة بيئية وإنسانية ما زالت أثاره مستمرة بعد مرور أكثر من 60 سنة، متسبّبة في أعراض وأمراض سرطانية ناجمة عن الإشعاع. والجدير بالذكر هو أنه عند القيام بهذا التفجير نسجّل عدم وجود احتياطات لحماية السكان الجزائريين المجاورين ولا بعض المستخدمين الفرنسيين أنفسهم. يُظهر التقرير السنوي لمحافظة الطاقة النووية الفرنسية (CEA) لعام 1960، وجود منطقة ملوثة يبلغ طولها حوالي 150 كم والتعليمات المقدمة للمشاركين في تفجير «اليربوع الأزرق» تحدّد بوضوح الشروط التي يمكن من خلالها الدخول في المنطقة الملوثة والخروج منها. هذا ما يؤكد أن المناطق المجاورة لمكان التفجير النووي بحمودية - رقان قد تلوثت وتلقت جرعة كبيرة من النشاط الإشعاعي. يشير برينو بارلو إلى أن إنشاء قوة الردع النووية الفرنسية يرتكز على برنامج التفجيرات النووية الذي بدأ في 13 فيفري 1960 في الصحراء الجزائرية وانتهى في 27 جانفي 1996 في بولينيزيا، وهكذا أصبحت فرنسا قوة نووية مقابل النفايات المشعة كهدايا خطيرة قدمتها للجزائر ولبولينيزيا. ويؤكد برينو بارلو أن أكثر من 150 ألف عسكري ومدني شاركوا في التفجيرات النووية الفرنسية (24.000 في الجزائر و126.000 في بولينيزيا)، بالإضافة إلى العمال أن الجزائريين والأفارقة والبولينيزيين وغيرهم فضلاً عن السكان الذين يعيشون بالقرب من المواقع المختلفة للتفجيرات النووية، يحتمل أنهم قد تأثروا بالإسقاطات الإشعاعية الناتجة عن 250 تجربة وتفجيراً نووياً فرنسياً التي تمّت ما بين 1960 و1966 في الصحراء الجزائرية ومن 1966 إلى 1996 في بولينيزيا. اختيار الصحراء مسرحا للتفجيرات النووية الفرنسية اختار المستعمر الفرنسي الصحراء الجزائرية ميدانا للتفجيرات النووية متحديا السكان المستقرين منهم والرحل والبيئة والوضع القانوني للأراضي، حيث تظهر أبحاث جان مارك رونو في الأرشيف العسكري الفرنسي وذلك قبل 1960، أنه في أواخر 1950 قرّرت السلطات العسكرية الفرنسية القيام بتفجيرات نووية في الصحراء الجزائرية وبولينيزيا وذلك لأسباب تقنية وسياسية. ففي 10 جانفي 1957 قام الجنرال شارل بايلغيي (Charles PAILLERET) على رأس بعثة بالاستطلاع الأول في الصحراء من أجل اختيار موقع للتفجيرات النووية. حيث جاء في التقرير التقني الذي أعده: «من وجهة النظر التقنية وخارج كل تقييم أو تنبؤ بأحداث سياسية في المستقبل، يبدو أن منطقة تانيز روفت تفسح المجال لإنشاء مضلع للتجارب النووية». كما صرّحت فرنسا على منبر الأممالمتحدة بأن المواقع التي تمّ اختيارها لتجاربها النووية بالصحراء الجزائرية ليست آهلة بالسكان ولا يوجد بها حيوان ولا حتى نبات بل هي مناطق قاحلة ومهجورة. وهكذا كما يوضح تقرير حول التجارب النووية الفرنسية، صادر بتاريخ 10 ماي 1957، في الجريدة الرسمية الفرنسية مرسوم حول تخصيص للدفاع الوطني موقع للتجارب النووية مساحته 108.000كم على بعد 40 كم جنوب مدينة رقان. وتمّ إنشاء المركز الصحراوي للتجارب العسكرية (CSEM) بقرار نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 ماي 1957 حيث كان في خدمة هذا المركز 10 آلاف شخص بين مدني وعسكري، موزعين على قاعدة الحياة رقان - هضبة (على بعد 50 كم من موقع التفجيرات وقاعدة الحياة حمودية (على بعد 16 كم من موقع التفجيرات). شارك في هذه العملية 6.500 فرنسي بين الباحثين والعلماء والمهندسين والجنود و3.500 جزائري من العمال أغلبهم من السجناء. وبدأت أشغال البنية التحتية لرقان هضبة في أكتوبر 1957. أما في حمودية فبدأت الأشغال في 03 نوفمبر 1958 وتلاها بناء ميدان "اليربوع الأزرق" في جانفي 1959 وفي أفريل 1962 تمّ بناء الآبار التي استخدمت لإجراء التجارب الإضافية، وتمّ حل شركة البناء في 30 مارس 1964 بعد تدمير موقع حمودية في 21 فيفري 1964. ويمكن أن نقرأ أيضا من هذا التقرير المعلن أعلاه، أن الاستعمار جنّد لهذا المشروع موارد مالية وبشرية كبيرة لإقامة "مدينة" في الصحراء والمرافق التجريبية بحمودية لاستعمالها كمضلع للتفجيرات الجوية. في 11 افريل 1958، أعلن رئيس المجلس فيليكس غايار أن أول تفجير قنبلة ذرية فرنسية سيكون في بداية 1960، حيث إنه ستنتج مفاعلات البلوتونيوم في «ماركول» ما يكفي من البلوتونيوم للقنبلة الذرية الأولى. وفعلا، تمّ بالمركز الصحراوي للتجارب العسكرية - كما كتب برينو بريلو - أربعة تفجيرات جوية بين 13 فيفري 1960 و25 أفريل 1961 والتي لوثت كلاً من الصحراء الجزائرية وإفريقيا وحتى جنوب أوروبا. يتبع/ للمقال مراجع الحلقة الأولى