كما كان، طيلة حياته، يناضل في صمت، انتقل أمس المجاهد والمناضل عبد الرزاق بوحارة إلى جوار ربه في صمت، تاركا وراءه تاريخا نضاليا يشهد له كشخصية وطنية بارزة.. كرس حياته لخدمة الجزائر في الداخل وفي الخارج منذ بداية مشواره كعسكري إلى غاية رحيله.. رجل سياسي واكب أبرزالمحطات والمراحل الهامة التي شهدتها الجزائر الفتية منذ الاستقلال. المرحوم عرف وسط رفاقه من المجاهدين والمناضلين بدماثة أخلاقه ووطنيته ورصانته.. ما أهله ليكون محل احترام وتقدير كبيرين سواء على مستوى القيادة أو القاعدة، وما زاد في تقدير الآخرين له هو زهده في المسؤوليات والمناصب، فقد كان من أشد الشخصيات السياسية نكرانا للذات، ميالا للعمل بعيدا عن الأضواء، كان همه الأكبر خدمة الجزائر حتى على مستوى القاعدة. رغم مساره العسكري والسياسي الطويل لم يتقلد الفقيد الكثير من مناصب المسؤولية مقارنة برفاقه، باستثناء ما كان يكلف به على غرار تعيينه من طرف رئيس الجمهورية عضوا في مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي، لكن في المقابل كان واحدا من المناضلين الأوفياء في حزب جبهة التحرير الوطني وإطارا من الإطارات الفاعلة والنشيطة في هياكله التنفيذية والمركزية. الشخصية السياسية المتمرسة والهادئة ذات النظرة الثاقبة التي تميز بها المرحوم كانت تبرز أكثر في أوقات الشدة وخلال الهزات والأحداث الهامة التي مرت بها البلاد وحزب جبهة التحرير الوطني بالخصوص، فقد كان محل استقطاب المحيطين به بفضل وطنيته وبعد نظره وقدرته على تحليل الأحداث بدقة وواقعية، لم يعرف له خصوم لا داخل الحزب ولا حتى في الساحة السياسية، كان رجل توافق وشخصية جامعة معتدلة. هذه الصفات والخصال هي التي جعلت قطاعا كبيرا داخل الأفلان يرشحه لخلافة بلخادم على رأس الحزب من أجل تجاوز الأزمة الحالية، غير أن القدر لم يمهله ليساهم، كما عودنا، في جهود إعادة ترتيب بيت الحزب العتيد. أعدت اكتشاف جمال سريرة الفقيد وتواضعه ونكرانه للذات وتقديمه للمصلحة العامة عندما استمعت لتصريحه عقب انتهاء اقتراع سحب الثقة من بلخادم حيث رد على سؤال لإحدى القنوات الفضائية بخصوص التوجه العام نحو تزكيته أمينا عاما للحزب حيث أكد أن ما يهمه هو إيجاد الشخصية الجامعة التي بإمكانها إخراج الحزب من محنته وليس تزكيته على رأس الأفالان.. رحمك الله أيها المجاهد والمناضل والوطني الصادق.. فقد أديت ووفيت..