أشادت عدة شخصيات وطنية بخصال المجاهد الراحل بشير بومعزة رئيس مجلس الأمة السابق، الذي وصل جثمانه أمس إلى مطار هواري بومدين الدولي بالجزائر، حيث سيوارى بعد ظهيرة اليوم الثرى بمقبرة العالية بالعاصمة. وكان في استقبال جثمان الراحل بومعزة الذي وافته المنية أول أمس الجمعة بسويسرا عن عمر يناهز 82 سنة إثر مرض عضال، رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح ورئيس المجلس الشعبي الوطني السيد عبد العزيز زياري وأعضاء من الحكومة وبعض رفقاء الفقيد. ومن المقرر أن ينقل جثمان الفقيد صباح اليوم إلى مجلس الأمة، لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، قبل مواراته مثواه الأخير ظهر اليوم بمقبرة العالية. وقد عرف الفقيد الذي ولد في 26 نوفمبر 1927 بخراطة بولاية سطيف سابقا (بجاية حاليا) بنضاله في الحركة الوطنية منذ شبابه، كما كان مسؤولا في فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا خلال الثورة التحريرية، فيما شغل غداة الاستقلال عدة مناصب وزارية، منها وزير العمل والشؤون الاجتماعية في أول حكومة للجمهورية الجزائرية في 1962، ثم وزيرا للاقتصاد الوطني في سنة 1963، ووزيرا للصناعة والطاقة بين 1964 و1965، ووزيرا للإعلام بين 1965 و1966. وتولى المرحوم الذي أسس مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، جمعية 8 ماي 1945 التي يرجع لها الفضل في إثارة قضية مطالبة فرنسا بتعويض الجزائر عن جرائم الاستعمار، مهام رئيس مجلس الأمة من جانفي 1998 إلى أفريل 2001. وفور تلقيه نبأ وفاة المرحوم المجاهد بشير بومعزة وجه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة برقية تعزية إلى كافة أفراد أسرته، أكد فيها أن الجزائر فقدت مناضلا صلبا ومجاهدا مؤمنا بعدالة قضية أمته ووطنيا مخلصا نذر حياته لخدمة شعبه. وذكر الرئيس بأن الراحل الذي يعد من رعيل الوطنيين الرواد، تنبه وعيه مبكرا لمناكر الاحتلال وظلمه للشعب الجزائري، "فانخرط في الحركة الوطنية وأدى جلائل الأعمال بتوعيته أبناء شعبه داخل الوطن وخارجه إلى أن اندلعت ثورة نوفمبر المباركة فكان من السباقين إليها فالتحق بصفوفها مناضلا ومؤطرا وقائدا". كما أبرز السيد بوتفليقة في رسالته الدور الكبير الذي لعبه الفقيد غداة الاستقلال، حيث "كان الرجل في الصفوف الأولى لبناء مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة، فاضطلع بواجب المسؤوليات الكبرى وتقلد المناصب العليا وختم هذه المسيرة الظافرة برئاسة مجلس الأمة في السنوات الماضية"، مشيرا في نفس السياق إلى أن الفقيد لم تثنه مهامه النبيلة عن أداء واجب النضال في المجتمع المدني من خلال تأسيسه وإشرافه على جمعية وطنية تنافح عن حق الشعب الجزائري فيما كابده وقاساه من جرائم ضد الإنسانية على أيدي زبانية القتل والإبادة في مجازر ماي 1945 .. فضلا عن مواقفه الصريحة في الدفاع عن القضايا العادلة للأمة العربية". من جهته نوه رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح بنضال المرحوم بشير بومعزة، مشيرا إلى أن حياته اتسمت بمحطات مشرقة ولافتة في الدفاع عن الذاكرة الوطنية. وذكر السيد بن صالح في برقية تعزية إلى عائلة المرحوم بأن حياة المجاهد المرحوم بشير بومعزة حفلت بالنضال "منذ أن كان شابا في الجيل الأول للحركة الوطنية، ثم في خضم حرب التحرير المباركة طريدا وسجينا، أفلت من أغلال السجن الفرنسي الاستعماري المرعب إصرارا على الكفاح وتوقا إلى الحرية والكرامة"، مضيفا بأن الفقيد الذي كان من أولئك المجاهدين الوطنيين الغيورين، اتسمت حياته بمحطات مشرقة لافتة في الدفاع عن الذاكرة الوطنية بقوة وحماس، ارتبط اسمه بجمعية 8 ماي 45 التي أسسها وحدد توجهاتها الوطنية. كما أشار إلى أن الراحل حظي خلال فترة ترأسه لمجلس الأمة في أول عهدة لهذه الهيئة الدستورية التشريعية، بتقدير واحترام الأطياف السياسية لأسرة المجلس التي تحتفظ له بذكرى طيبة أسست لانطلاقة العمل البرلماني الثنائي. وأشاد رئيس المجلس الشعبي الوطني السيد عبد العزيز زياري بخصال المجاهد الكبير والمناضل الفذ المرحوم بشير بومعزة، مشيرا إلى أن المغفور له وهب حياته كلها خدمة للقضية الوطنية ولعزة بلاده منذ ريعان شبابه تحضيرا للثورة التحريرية الكبرى التي كان من السباقين للالتحاق بها. وأضاف المتحدث أن الفقيد تمكن بفضل حنكته وقدرته التنظيمية العالية من الإسهام في نقل كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار من الجزائر إلى داخل فرنسا من خلال نشاطه في فيدرالية فرنسا التي كان مهندس إنشائها وتنظيمها قبل اعتقاله والزج به في سجون المستعمر ثم نجاته من أغلال هذه السجون. كما ذكر بأن المرحوم كان في السنوات الأولى من الاستقلال في الصفوف الأمامية لإرساء دعائم الدولة الجزائرية الفتية، معتبرا بأن الجزائر فقدت بموت بشير بومعزة رجل دولة من الطراز الأول، كان يؤمن بعدالة قضية أمته ويسعى دائما إلى نهضة ورقي شعبه وصيانه ذاكرته، وفقدت الأمة العربية في شخص المرحوم مناضلا صلبا عرف بدفاعه المستميت عن القضايا العربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وبدوره أبرز الوزير الأول السيد أحمد أويحيى المسيرة النضالية الفذة للفقيد المجاهد بشير بومعزة وتفانيه في خدمة الجزائر انطلاقا من الحركة الوطنية والكفاح من أجل التحرير الوطني، وصولا إلى فترة الاستقلال، وقال في رسالة تعزية لأسرة المرحوم، إن الفقيد برز منذ الاستقلال من خلال تقلده بكل تفان لمناصب مسؤولية هامة كان آخرها رئاسة مجلس الأمة". وزير المجاهدين السيد محمد شريف عباس أشار من جانبه إلى أن الفقيد بومعزة كان رجلا ذو مواقف صارمة، ومن المناضلين المتشبثين بالقضية الوطنية وبالدفاع عن الشعب الجزائري ضد الاستعمار، منوها بدور الفقيد في كتابة التاريخ الجزائري وإسهامه من خلال كتبه في حوار الثقافات والديانات. رفاق الفقيد بومعزة في الحركة الوطنية اعتبروا رحيله خسارة كبيرة للجزائر، وأثنوا على وطنيته وإخلاصه في خدمة الوطن، وأعرب في هذا الصدد رئيس الحكومة الأسبق بلعيد عبد السلام عن حزنه لفقدانه للصديق المجاهد بشير بومعزة، بينما أكد المناضل عبد الحميد مهري إخلاص الراحل وتفانيه في خدمة بلاده والقضايا العادلة في العالم ومنها القضية الفلسطينية التي كرس لها الكثير من جهوده، مبرزا في الوقت ذاته الشجاعة الأدبية التي كان يتمتع بها المرحوم. وأشار المجاهد أحمد محساس الذي تعرف على الراحل بعد مجازر 5 ماي 1945، إلى أنه كانت للفقيد مسيرة مميزة ضمن الحركة الوطنية من أجل تحرير البلاد من نير الاستعمار، مذكرا بأنه تعرف على الفقيد إثر الأحداث المأساوية لماي 1945 بسطيف، قائلا "كنا شبابا آنذاك لكننا كنا نتحلى بالروح التحليلية للوضع وتوقعنا ما كان سيحدث، وكان بشير بومعزة رجلا جد شجاع كونه حارب الاستعمار ولم يكف عن العمل جاهدا من اجل تشييد الوطن إلى آخر المطاف". ومن جانبه ذكر السفير السابق السيد عبد القادر بوسلهام الذي عرف الفقيد بومعزة عندما كان وزيرا للاقتصاد الوطني، أن "هذا الرجل كان مثالا للاستقامة، وشخصية كفأة ومؤهلة استطاعت أن تؤدي مهامها الضخمة في الحكومة بوسائل قليلة، مضيفا أن الفقيد ظل في خدمة الوطن وواجه بشجاعة التزامات ثقيلة في تسيير شؤون البلاد. كما ثمن الناطق الرسمي لحزب جبهة التحرير الوطني السيد سعيد بوحجة حنكة الراحل السياسية ومساهمته الكبيرة أثناء الثورة التحريرية ودوره الهام على الصعيد الدولي، بينما وصف الرئيس الحالي لجمعية 8 ماي 1945 السيد خير الدين بوخريصة الفقيد بالموسوعة الكبيرة.