شكّلت المشاريع الاقتصادية والصناعية الكبرى التي أُطلقت مؤخراً بولاية تندوف أحد أهم عوامل النهضة المستقبلية للمنطقة، والتي تساهم دون شكّ في تحسين جودة الحياة ومستوى معيشة الفرد بالولاية، بالإضافة إلى دورها الكبير في تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي لسكانها. التوجّه العام للدولة الرامي إلى تدعيم الشباب وفتح باب الاستثمار الخاص على مصراعيه، فتح الشهية أمام طاقات شبّانية رأت في هذا التوجّه فرصةً لإثبات حضورها وتعزيز مكانتها في مسيرة البناء والتشييد، فانطلقت في تجسيد العديد من المشاريع الريادية بالولاية. مشروع مطحنة الحبوب بولاية تندوف، من بين المشاريع الخاصة الرائدة التي قفزت إلى مقدمة سُلّم اهتمامات الإدارة المحلية، والذي شُرع في إنجازه قبل 05 أشهر بتمويل ذاتي 100%. صاحب المشروع الذي خاض بكفاءة واقتدار غِمار التجربة الأولى من نوعها بالولاية، تولّدت لديه الفكرة من تجربته الخاصة لسنوات عديدة في القطاع الخاص، وبحثه الدائم عن مشاريع ريادية وحديثة لم يتطرّق لها أحد في الولاية. يحياوي بيغا وهو يروي لنا تجربته، أكّد تعرّضه للكثير من الضغوطات في بداية مشواره في القطاع الخاص في مجال تجارة مواد البناء، مجدداً التأكيد على أن هذه الضغوطات كانت تدفعه للتراجع عن طموحه وثنيه عن تحقيق حلمه، بحجة أن هذا المجال هو حِكر على مستثمرين من ولاية معيّنة. واصل بيغا القول، إن مثل هذه الادعاءات كوّنت لديه قناعة بمقدرته على النجاح في كل المجالات، بحكم امتلاكه الأفضلية لكونه ابن المنطقة ويعرف خباياها ومتطلّبات السوق فيها، بالإضافة إلى الكثير من المعطيات التي جعلته يطرق باب تجارة مواد البناء. ليتمكّن الشاب بيغا من افتتاح مشروعه الأول في هذا المجال، كما استطاع حجز مكانة مرموقة في هذه السوق رغم المنافسة الشديدة، بفضل حزمة من الإجراءات والتدابير التي أقرّتها الدولة أنداك، لينجح في اختراق مجال استثماري صعب كان حكراً على فئة معينة منذ عقود. ونجاح بيغا في مشروعه الأول، فتح الطريق أمامه للانخراط بقوة في مسار التنمية المحلية بالولاية، فكانت له تجربة إنشاء مركز تجاري في بلدية تندوف، ومركز تجاري آخر وفندق بقرية حاسي خبي. وقال يحياوي بيغا أن نقص مادة الدقيق بالولاية وتذبذب التزويد بها، وتحمّل الدولة أعباء نقلها للخواص، بالإضافة إلى نقص الأعلاف، هي مجموعة عوامل وأسباب دفعته للتفكير في إنشاء أول مطحنة حبوب بالولاية. واستطرد المتحدث قائلاً بأن إيداع الدراسة التكنواقتصادية لدى مديرية الصناعة كما هو معمول به في القانون الجزائري قد قوبل بالرفض، بداعي أن هذا المشروع ممنوع باعتباره من "الأنشطة المحظورة"، إلا بموافقة المجلس الأعلى للاستثمار الذي يترأسه الوزير الأول، وتحوز فيه العضوية لبعض الوزراء المعنيين بهذا الملف. وأشار بيغا أن المشروع قد تلقى القبول والموافقة من طرف المجلس الوطني للاستثمار في آخر المطاف، لينطلق معها مسلسل العراقيل والإجراءات المتكرّرة وحزمة من الوثائق على مدار 03 سنوات، مؤكداً بأن "هذه الفترة الطويلة من الانتظار، قابلناها بإرادة صلبة من أجل استكمال المشروع وإنجازه بإمكانيات وتمويل شخصي 100%".
مرافقة السلطات للشباب، عامل نجاح مشاريعهم مشروع مطحنة الحبوب بالولاية الذي يتربّع على مساحة 04 هكتارات، تحصّل قبل 05 أشهر فقط على رخصة البناء، وقد انطلقت أشغال الانجاز في آجالها بعد القضاء على كل العراقيل والتحفّظات التي صادفت المشروع منذ البداية، لتصل نسبة الإنجاز اليوم الى 30%، ويسعى صاحب المطحنة إلى تقليص مدة الانجاز إلى سنة ونصف بدل 03 سنوات إذا استمرت الإدارة في تذليل كل العراقيل وتوفير شروط نجاح المشروع. يحياوي بيغا وهو يعدّد عوامل نجاح المشروع وفوائده الاقتصادية على المنطقة، أعرب عن أمله في مرافقة هذا المشروع الحيوي من طرف السلطات المحلية وعلى رأسها دحو مصطفى والي تندوف، مشيراً إلى أن مشروع مطحنة الحبوب سيشكّل إضافةً نوعية ودفعةً قوية في تنمية المنطقة، فهو مشروع ذاتي التمويل، من شأنه توفير 50 منصب شغل مباشر وعشرات مناصب الشغل غير المباشرة، إلى جانب إنتاج 300 طن من الدقيق يومياً، تشكّل الأعلاف 20% منها في المنطقة المعروفة بطابعها الرعوي. عاد بيغا للحديث عن العراقيل التي واجهت المشروع وأسباب تعطيله ل03 سنوات كاملة، أين أكّد أن كثرة الوثائق والتعقيد في الإجراءات التي لا تساعد المستثمر وتثبّط من عزيمته، كانت من أكبر المشاكل التي صادفت مشروع المطحنة. وأردف المتحدث قائلاً، أن بعض العراقيل التي تواجه المستثمرين، ليست متعلقة بترسانة القوانين التي أقرّتها الدولة، والتي تصبّ في صالحهم بالدرجة الأولى، بل هي راجعة لبعض الذهنيات التي عشعشت في الإدارة الجزائرية، وترفض بقصد أو بدون قصد مواكبة التحوّل الاقتصادي والرقمي الذي تشهده بلادنا، "فكانت تُطرح أمامنا بعض التحفظات، وحينما نرفعها في أنها تطرح أمامنا تحفظات أخرى لم تطرح في الاجتماع السابق تعيدنا في كل مرة إلى المربع الأول". مناخ خصب وبيئة عذراء للاستثمار بتندوف وعن مناخ الاستثمار بالولاية، أكد بيغا على وجود مناخ خصب وبيئة عذراء للاستثمار بتندوف، فهناك العديد من المجالات المفتوحة للاستثمار بالولاية، وعوامل جذب استثماري ومقومات عديدة تجعل من الولاية قطباً استثمارياً بامتياز، سواء لشبابها أو للمستثمرين من ولايات أخرى. دعا المتحدث الشباب إلى ضرورة الابتكار والبحث عن أفكار استثمارية جديدة، مع الحرص على دراستها بشكل موضوعي بعيداً عن العاطفة من أجل الوصول إلى نتائج سليمة. واختتم المتحدث بالتأكيد على أن ولاية تندوف تمتلك نقاط قوة للمستثمرين الشباب وحاملي المشاريع، من بينها التساهل الكبير إلى حدّ ما مع الوثائق الإدارية، إلى جانب توفّر العقّار الصناعي والمخصّص للاستثمار، ناهيك على أن المنطقة مُقبلة على تحوّل جذري بدأت معالمه في الظهور، من خلال الشروع في إنجاز سكة حديدية تربط الولاية بميناء أرزيو بوهران، والشروع في استغلال منجم غار الجبيلات، والاستعداد لاستلام المعبر الحدودي مصطفى بن بولعيد الرابط بين الجزائر وموريتانيا، كلها عوامل ستشكّل بوادر إقلاع اقتصادي حقيقي في المنطقة، إذا ما وافقت بقدر كبير من المسؤولية والشروع سريعاً في ابتكار مشاريع مالية وتجارية نابعة من القطاع الخاص.