تُظهر الجزائر بشكل مستمر رفضًا حازمًا لسياسة الأمر الواقع التي تُحاول بعض الدول والمنظمات الدولية فرضها في تعاملها مع قضايا الاحتلال في العالم، لاسيما في فلسطينالمحتلة، التي تتعرض لهجوم صهيوني غير مسبوق في غزة والضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الجاري. تُعارض الجزائر سياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها بعض المنظمات الدولية، والتي تتحكم فيها لوبيات غربية تبرر احتلال فلسطين من قِبل الصهاينة وتضع المقاومة الشرعية للشعب الفلسطيني على نفس مستوى الاحتلال. صمت دولي أحيا العالم، أمس الثلاثاء، اليوم العالمي لتأسيس منظمة الأممالمتحدة، والذي يصادف تنفيذ ميثاق المنظمة في عام 1945. من بين الأهداف الرئيسية التي اعتمدتها المنظمة الأممية، تأتي مسألة تطوير علاقات ودية بين الدول على أساس احترام مبادئ المساواة وحقوق تقرير المصير للشعوب وتعزيز التعاون العالمي لحل المشكلات الدولية. كما تسعى المنظمة لاحترام وتعزيز حقوق الإنسان، وتكوين نقطة مركزية تمكن البلدان من تنسيق جهودها وأنشطتها نحو تحقيق هذه الأهداف المتعددة. وتتزامن احتفالات الأممالمتحدة هذا العام، مع تصاعد الأعمال الإجرامية والإرهابية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني المستمر منذ عام 1948 ضد الفلسطينيين. ومع بداية العدوان الأخير على قطاع غزة، استشهد أكثر من 5 آلاف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، نتيجة القصف الوحشي للمنازل والأبراج السكنية من قبل الاحتلال، وسط صمت دولي غير مسبوق، وذلك بالرغم من تجاوز الاحتلال الصهيوني للمواثيق الدولية من خلال محاصرة قطاع غزة وقطع التيار الكهربائي والمياه عن السكان، بالإضافة إلى منع مرور المساعدات المقدمة من الدول ومحاولة تهجير السكان أصحاب الأرض. صوت جهوري من أجل التغيير من جهة أخرى، وبمناسبة ذكرى تأسيس المنظمة الأممية، لابد من الإشارة إلى أن الجزائر تؤكد مطالبها المشروعة بضرورة إصلاح المنظمة الأممية وجعلها أكثر ديمقراطية في تعاملها مع الأزمات الدولية. في هذا السياق، رفضت الجزائر، بشدة، سياسة الكيل بمكيالين، وهو أمر نددت به معظم الدول النامية، حتى الدول الكبرى منها، مثل الصين التي تمتلك مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن. فقد فرضت الدول الغربية عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا بحجة حماية المدنيين وحقوق الإنسان في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه، التزمت الصمت حول ما يجري في فلسطينالمحتلة. والشيء الصادم أكثر، هو تقديم المساعدات العسكرية إلى الكيان الصهيوني. كما لوحظ أيضًا محاولات هذه الدول ممارسة ضغوط كبيرة على كل الأصوات التي تنادي بمعاقبة الاحتلال، على اعتبار أن أفعاله تشكل جرائم حرب تستدعي العقوبة. وتجدّد الجزائر مطالبها، منذ عقود، بضرورة رفع الظلم التاريخي الذي تعرضت له إفريقيا نتيجة غياب ممثل دائم للقارة في مجلس الأمن، وهذا يأتي خاصة مع وجود أكثر من 50 عضوًا للقارة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا الموقف تم تأكيده على لسان رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في خطاب ألقاه خلال اجتماع لجنة العشرة للاتحاد الإفريقي، والتي تعنى بإصلاح مجلس الأمن للأمم المتحدة؛ الاجتماع جزء من فعاليات القمة 36 لرؤساء الدول وحكومات الاتحاد الإفريقي التي عُقدت في فبراير الماضي بأديس أبابا. خلال كلمته في الدورة 87 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، ذكر رئيس الجمهورية الحاضرين بالنضال الجزائري المستمر منذ 50 سنة لأجل إصلاح مكامن الخلل في النظام الدولي الحالي، ودعا إلى ضرورة الإسراع والتفكير بجدية في تأسيس نظام دولي جديد قائم على مبادئ حقيقية للعدل والمساواة وهي المبادئ التي تأسست لأجلها منظمة الأممالمتحدة. وتطالب الجزائر بإنهاء الاحتلال في مختلف دول العالم، سواء في الصحراء الغربية أو فلسطين التي لايزال شعبها يعاني من ويلات أبشع احتلال في العصر الحالي، وسط عجز الهيئة الأممية ومعها المجتمع الدولي على إنهاء جرائم هذا الاحتلال التي تزداد شراسة في ظل غياب المساءلة. ويشن الكيان الصهيوني حرب إبادة حقيقية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، عبر استهداف المدنيين ومنازلهم والمستشفيات والمساجد والكنائس وفرق الإسعاف وتدمير شبه كلي للبنية التحتية وقطع الماء والكهرباء والغذاء والوقود وكل مقومات الحياة عن الفلسطينيين، في مسعى لفرض الاحتلال كأمر واقع وتجريد واقتلاع أصحاب الأرض الأصليين من أرضهم التاريخية، وسط صمود وثبات هذا الشعب. الإصلاح.. ضرورة ملحة أوضح الدكتور أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد القادر منصوري، في تصريح ل»الشعب»، أن إصلاح الأممالمتحدة، وخاصة مجلس الأمن، أصبح أمرًا ضروريًا لتفادي تصاعد الأزمات في العديد من المناطق وتحولها إلى حروب إقليمية تشمل العديد من الدول. ويشير إلى أن مسألة الحرب العالمية الثالثة، التي كانت موضوعًا أكاديميًا بعيدًا، أصبحت تقترب أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع النزاع في أوكرانيا الذي يمكن أن يتحول إلى حرب نووية بين القوى الكبرى. ويُشدد على أهمية التعامل بجدية مع هذا الأمر. بالنسبة للمطالب الجزائرية بالإصلاح، فإنها تنبع من المبادئ التي تستند إليها الدبلوماسية الجزائرية منذ استقلالها. والتي تُطالب بنظام دولي أكثر عدالة يأخذ في اعتباره مصالح الدول النامية والدول الواقعة تحت الاحتلال، سواء في فلسطين أو الصحراء الغربية. ويُشير إلى أن سياسة الكيل بمكيالين، سواء سياسيًا أو إعلاميًا أو اقتصاديًا، أصبحت مفضوحة وغير مقبولة من الناحية الأخلاقية والسياسية. في هذا السياق، يجب أن نفرق بين الأنظمة الغربية والمسيطر عليها من قبل اللوبي الصهيوني، وبين الشعوب التي تعتبر في كثير من الأحيان ضحيةً أيضًا لتعتيم إعلامي ممنهج منذ سنوات طويلة. حتى الأنظمة الغربية ذاتها ليست متوافقة فيما يتعلق بتجريم أفعال الكيان الصهيوني. فالعديد من الأحزاب المعارضة تضغط حاليًا على حكوماتها من أجل اتخاذ سياسات أكثر توازنًا تأخذ بعين الاعتبار حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.