الرّقمنة الشاملة لمواجهة السوق الموازية صنعت قرارات مجلس الوزراء الأخير الحدث، فأثلجت صدور الموظفين والمتعاملين الاقتصاديين على حدّ سواء، بعد أن جدّد رئيس الجمهورية تأكيده على ضمان الزيادات في الأجور خلال قانون المالية للعام المقبل، بالإضافة إلى أوامر بتخفيف الضريبة على المتعاملين الاقتصاديين والمهنيين والتجّار وهو ما سيدعم القدرة الشرائية بطريقة مثالية، بحسب المختصين. أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور هواري تيغرسي، أنّ مؤشرّات مشروع قانون المالية لسنة 2024 تبّشر بعام حافل بالإنعاش الاقتصادي، خاصة بعد مخرجات اجتماع مجلس الوزراء، نهاية هذا الأسبوع، والذي تطرق لنقطة مهمّة نادى بها الخبراء في أكثر من مناسبة وهي قضية «الضغط الجبائي». وأضاف هواري تيغرسي، أن مخرجات اجتماع مجلس الوزراء الأخير، جاءت بمكاسب فيما يخص القدرة الشرائية ورفع الأجور، والأهم من كل هذا أن المقاربة التي يدعو إليها رئيس الجمهورية تحفظ القدرة الشرائية، بالزيادة في الأجور والحفاظ على استقرار الأسعار، من خلال تخفيف العبء وتخفيض الضريبة على النشاط المهني وعلى المستثمر وبالتالي تنعكس على أسعار المنتجات. في ذات السياق أكد محدثنا، أن تخفيف العبء الضريبي عن الصناعيين والتجار وأصحاب الحرف هو دعم للقدرة الشرائية بطريقة غير مباشرة. وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن الرفع من القدرة الشرائية سيعود بالنفع على الحركية الاقتصادية للمؤسسات المنتجة، فكلما ارتفعت القدرة الشرائية زاد الطلب على المنتجات واسعة الاستهلاك أو ظهور ما يعرف ب»القوة الاستهلاكية» وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني بشكل عام. كما أشار الدكتور تيغرسي، إلى أنّنا لم نستغل بعد كل الإمكانات الوطنية بالرغم من ترسانة القوانين والإجراءات المشجعة على الاستثمار في الجزائر في السنوات الأخيرة، في انتظار أن تكتمل بصدور قانون جديد للعقار الاقتصادي. وعن أمر رئيس الجمهورية بتخفيض الضريبة على القيمة المضافة إلى أدنى درجة ممكنة، قال المختص في الشأن الاقتصادي، إن بعض المؤسسات المنتجة بالجزائر والتي تعتمد على مواد أولية تستورد من الخارج تثقل كاهلها الضريبة على استيراد هذه المواد والتي تصل إلى حدود 15٪، مشيرا إلى أنه يرى بأن تخفيض مثل هذه الضريبة إلى حدود 5٪ بإمكانه أن يسهم في تخفيف التكاليف على المنتجات النهائية للمؤسسة المنتجة محّل المثال. من جهة أخرى، حذّر تيغرسي من اتساع حجم السوق الموازية والتي من شأنها أن تعصف بجميع الجهود المبذولة في سياق الحفاظ على القدرة الشرائية، داعيا للتحكم في السوق الموازية قائلا: «من الضروري استعادة ثقة المواطن والمتعامل الاقتصادي والمتواجدين في السوق الموازية من خلال استراتيجية وطنية والتي من بينها تخفيف الأعباء الضريبية». واستبشر محدثنا بأوامر الرئيس خلال مجلس الوزراء الأخير، الداعية إلى تخفيض قيمة الضريبة، متوقعا أن يتبع هذا القرار إصلاح ضريبي في المراحل القادمة. وبالنسبة للرسوم الجمركية، أكد الخبير الاقتصادي تيغرسي، أن العديد من المتعاملين الاقتصاديين والمنتجين يشتكون من تساوي الأعباء الجمركية بين المواد الأولية الموجهة للإنتاج والمنتجات النهائية، وهو ما قد يشجع على استيراد المنتجات جاهزة دون التفكير في إنتاجها محليّا. وأشار إلى جانب مهّم، بحسبه، وهو حجم التحصيل الضريبي الذي لا يعكس حجم الاقتصاد الوطني، وهذا راجع للتهرب الضريبي، قائلا: «التحصيل الضريبي بلغنا فيه ما بين 20 و30٪ فقط وهو رقم ضئيل مقارنة بالإمكانات الوطنية». وأفاد تيغرسي، أن المقاربة الحالية هي تبسيط الضريبة وزيادة نسبة تحصيلها من أجل خلق النشاط الإنتاجي، داعيا إلى مرافقة هذه الخطوات بقوانين تعيد النظر في الخارطة الضريبية في الجزائر وفي المنظومة الضريبية بصفة عامة، ما سيسمح لنا بالتفكير في منظومة إنتاجية للمراحل القادمة. في ذات الصدد، أوضح الدكتور تيغرسي، أن الأمثلة عديدة في الدول الإفريقية التي تملك معدل نمو مرتفعا يصل إلى 9٪، «نجد أن الضريبة لديهم لا تتجاوز 15٪، في حين تصل لدينا إلى 50٪ في بعض الحالات»، وهي قيمة كبيرة جدّا ينبغي مراجعتها. والقرار الأخير لرئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء يبشر بأن هناك بوادر لمراجعة المنظومة الضريبية. من جانب آخر، أوضح المختص في الاقتصاد أن كلفة الإنتاج منخفضة في الجزائر من ناحية الطاقة والعامل البشري، لكن المنظومة الضريبية قد لا تحفز الراغبين في الاستثمار ولا تسهم في استقطاب الاستثمار الأجنبي وحتى المحلّي. وأشاد تيغرسي بقرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، حينما رجّح كفة المقاربة التي تعمل على تخفيف الضرائب والرفع من قيمة الوعاء الضريبي أو التحصيل الضريبي، عوض الإبقاء على قيمة الضريبة مرتفعة والتعامل مع التهرّب الضريبي بأسلوب التعويض بالمؤسسات التي تدفع وهي بنسبة لم تتجاوز 30٪، مثلما سبق ذكره. وقال الخبير الاقتصادي، إن تخفيف الضريبة سيحفز على الاستثمار، في انتظار المضي قدما في مجال الدفع بالرّقمنة وهو ما سيكون أكبر خطوة لمواجهة السوق الموازية والتهرب الضريبي.